حوار وإعداد فاطمة بن عبد اللّه الكرّاي قال صاحب المذكرات في صلب حديثه عن تجربة اصلاح التعليم، لما أصبح، اضافة الى مسؤولياته على رأس وزارات التخطيط والمالية والفلاحة والاقتصاد، وزيرا للتربية والتعليم إن «وزارة التربية والتعليم هي القاعدة الأساسية لأيّ مشروع للتنمية» في إشارة منه إلى الأهداف الاستراتيجية والمرحلية لاصلاحات التعليم التي اقترحها، وطبق جزءا منها خلال وجوده علىرأس الوزارة (سنة ونصف تقريبا)... وهنا سألت «سي أحمد» بن صالح: كيف كنت توفّق بين كل هذه الوزارات، فإذا كانت الصناعة والسياحة والفلاحة والاقتصاد اختصاصات متقاربة من خلال التكامل، فإن وزارة التربية والتعليم تبدو غير ذات صلة وطيدة؟ عن هذا السؤال ردّ بهدوء بعد أن أشار عليّ بالعودة الى الجملة السابقة للسؤال، حول أن وزارة التعليم هي القاعدة الأساسية لأي تنمية، فقال: «إن وجودي في التعليم، وإذا ما حمل بذرة نجاح فهو راجع الى الاطارات التي كانت موجودة وتحمّلت مسؤولية الادارات الكبرى للتعليم... وأذكر من هذه الكوكبة ناصر الشليوي وصالح القرمادي وعلي الحيلي وكل الأساتذة المقتدرين كانوا حولك (يقصد الوزير) وكانوا من أحسن الأساتذة ورجال التربية كلّ في اختصاصه... فمثلا أحدثت صلب الوزارة إدارات جهويّة للتعليم.. فقد كان الأستاذ أو المعلّم أو العامل في سلك التربية والتعليم، في أقصى الجنوب وفي أقصى الشمال، لا بدّ لهم أن يعودوا الى الوزير في العاصمة، للامضاء على كل وثيقة مالية أو أدبية كانت.. فلكي يتصرف مدير معهد جرجيس في مليم واحد، يجب أن يكون ذلك بعد إمضاء الوزير على الطلب، كذلك الشأن بالنسبة للرواتب... والادارات الجهوية للتعليم تعنى بالابتدائي والثانوي... كما أننا اعتمدنا على سياسة جديدة يكون فيها المعهد مثلا نموذجيا في اختصاص ما. ففي الوطن القبلي أحدثنا مدرسة أو اثنين في مجال التكوين المهني من الصنف النموذجي. وقمنا في نفس الوقت بتجربة أخرى في قرنبالية، حيث أحدثنا معهدا عصريّا ومجهزا بأفضل ماهو موجود بمعهد «إيميل لوبي». المعهد الفني بتونس (على شارع 9 أفريل)... كيف ذلك؟ طلبت من إدارة المعهد أن لا يغلق المعهد أبوابه وعلى الساعة الخامسة مساء يبدأ التدريس لتلاميذ، هم في الحقيقة شباب انقطع عن التعليم... وهناك أساتذة هم طاقم التدريس، تطوّعوا، يأتون بعد الخامسة مساء ليعلمّونهم، وحتى لا يبقى هذا الشباب الذي انقطع عن التعليم في الشارع... وفحوى التدريس هو تكوين مهني... أي أننا جعلنا المعهد المذكور مسؤولا عن الجيل الموجود في تلك القرية أو الولاية من خلال هذا الاجراء»... قلت له هناك مشكل في تلك الفترة أو الفترة التي سبقت توليك الوزارة بخصوص طلبة الزيتونة؟ فقال بسرعة: «نعم هذا مشكل ثقيل اعترضني في أول مسؤوليتي بوزارة التربية، وهو مشكل ثقيل على المجتمع بصفة عامة... وجدت مئات من خريجي «الزيتونة»، عاطلين عن العمل، حيث لم يقبل منهم أحد للتدريس في التعليم بمراحله... وقد توزّعوا في البلاد، يعمل منهم من استطاع وتوفق في ذلك، خطّة: كاتب عمومي أو كاتب عدل... وكانت هذه القضية تُثار للنقاش تحت قبّة البرلمان عند مناقشة ميزانية التربية من كل سنة. ولكنني بادرت بالتعاون مع الأستاذ الفاضل بن عاشور لحلّها». قلت له: كيف؟ قال: «قدّمت الحلّ للأستاذ بن عاشور، أن كل خريجي الزيتونة، ممّن يعتبرون أنهم اضطرّوا بعد نيل الشهادة الى الدخول في مجال أو عمل لا يرتضونه أو لا يتلاءم مع دراستهم، ويريدون الدخول الى سلك التعليم، فإننا كوزارة نمكنهم من ذلك، أي نستقدمهم إلى تونس (لأنهم توزعوا على الجهات) ونمكنهم من سنة دراسية متخصّصة في العلوم البيداغوجية (68/69) حتى يتمكنوا عبر هذا التكوين من مناظرة زملائهم خريجي المعاهد الأخرى في التعليم المعتمد (العصري). وهذا ما وقع فعلا، بالاتفاق مع الأستاذ الفاضل بن عاشور... وكانت كلفة التكوين على كاهل وزارة التعليم، وفعلا أنهوا دراساتهم وفي خاتمة إمتحان التكوين الذي دام سنة دراسية. وزعنا أنا وبن عاشور شهائد على المشاركين وهكذا رُفع الضّيم عن خريجي الزيتونة. فإلى الحلقة القادمة إن شاء اللّه