حوار وإعداد فاطمة بن عبد الله الكرّاي في نفس النطاق، وضمن نفس الفترة، يتحدّث «سي أحمد» بن صالح، ليكشف خفايا وأسرار، المرحلة الستينية (أي الستينات) والتي توسّطت فترة ما بين مؤتمر بنزرت (1964) وبداية إعلان الأزمة (1968)، وهنا يشير الى أنه وبعد مؤتمر بنزرت، هناك «شيء آخر، وقع، وهو يعتبر انجازا مهما... فقد كونّا داخل الحزب، لجنة، أطلقنا عليها «لجنة الدراسات الاشتراكية» وهي عبارة عن منتدى يتناول مواضيع شتّى وكان الملتقى كل يوم ثلاثاء على الساعة الخامسة مساء... تجتمع هذه اللجنة، ويحضرها ويشارك فيها كل من أراد الحضور بدون دعوة أو استئذان... هذه اللجنة، وما قامت به، مدّة خمس سنوات متتالية، تجتمع وتتطرّق الى كل المواضيع، هذه المواضيع، حسب اعتقادي، تستحق مقالا دسما أو كتابا يشار فيه الى نوعية وفحوى الملفات والمواضيع التي وقع تناولها، وكلّها مواضيع تخص النهضة الشاملة، الفكرية منها والثقافية والاقتصادية... ويظهر، أن مجموعة الجلسات موجودة في مجموعات، لا أدري أين... وكان هدف هذه اللجنة: أوّلا: فتح نافذة لا بأس بها في جدار وحدانية الحزب في تونس، فهي نافذة، للنّداء بحريّة النقاش، ولعودة الحزب الى واجب (وجوب) التفكير المستقبلي، كما هو واجب، أن تطرق المشاكل الآنية، وقد تكوّنت لها فروع في بعض المدن التونسية، وكانت اللجنة تختم سنتها من النشاط، بحفل يقيمه رئيس الحزب ورئيس الجمهورية (بورقيبة) بحضور أغلب المشاركين في السّنة المعنية،... بداية الصيف، ويكون الحفل في قرطاج... وحسب علمي وعلم كل من أعرفه، لم يقع أيّ تدخّل ضد أي كان ممّن تكلّموا بحرية في جلسات تلك اللجان وكنت أرأس جلساتها غالبا وقد تداول على رئاستها، عدّة مسؤولين، مثل الأخ الهادي نويرة والصادق المقدّم والحبيب بورقيبة الابن ومحمد الصياح... هذا أوّلا، أما الأمر الثاني الذي أفادت منه هذه اللجنة، الحزب والمشهد السياسي في البلاد فهو أننا اعتبرنا هذه اللجنة، ونوعية الحوارات والنقاشات داخلها، أنها نافذة لفتح الباب أمام التعددية التي تبدأ بالأفكار والتوجّهات وحرية التعبير... فقد كنت في الديوان السياسي وقتها، وعندي اللجنة الاقتصادية، التي كونتها وسهرت عليها وكنت رئيسها... سألت صاحب المذكّرات: لماذا هذه النظرة الى موضوع التعددية، تريدونها دائما من صلب الحزب نفسه، أي الحزب الحاكم؟ فردّ بسرعة: «نحن قمنا بما قمنا به، حتى يصبح الحزب ديمقراطيا من د اخله، وحتى يذوق (الحزب) الديمقراطية من الداخل... على كل حال، بالنسبة لي، مازلت أعتقد، أن هذه اللجنة هي نافذة كما قلت باتجاه حرية التعبير والاعلان عن الرأي... وهذا الكلام قلته عندما، أدّيت زيارة الى اسبانيا عهد «فرانكو» وقد تحادثت مع أعضاده على طاولة عشاء، أقاموها على شرف الوفد الذي كنت أترأسه الى اسبانيا، وكان عشاء رسميا... وقتها، وعلى طاولة العشاء، لم أكن أقارن بين بورقيبة وفرانكو، ولكن عندما يسألونني كنت أقول إن اللجنة المشار اليها، صلب الحزب، هي نافذة... وهنا، استدرك «سي أحمد» مواصلا حول هذه اللجنة للدراسات الاشتراكية، بأن «وجودها أو تكوينها، يعني أن الحزب ليس منغلقا على ديوان سياسي ورئيس، بل إن ذلك مكّن من فتح الباب، ومكّن من هم غير دستوريين (أي لا ينتمون الى الحزب) من أن يشاركوا ويبدوا آراءهم ويقترحوا...». سألت صاحب المذكّرات: وهل كان هؤلاء المقبلون، من غير الحزبيين، مطالبين بأن ينخرطوا في الحزب؟ فقال: «أبدا... لم يقع شيء من هذا... ولم يقع أن وقعت مطالبة أي مشارك في منتدى هذه اللجنة، بأن يصبح دستوريا (أي ينخرط في الحزب)... كان الحديث والتدخلات تتم بالعربية داخل اللجنة، ولا نتكلم الفرنسية أبدا... وكل الناس أحرار... ولا يمكن ان يدّعي أحد، وقد كنت أرأس جلساتها غالبا أنه تم اسكات أي كان عن ابداء رأيه... فقد كان هذا الفضاء، عبارة عن مجتمع يتحرّك...؟ فإلى حلقة قادمة من مذكّرات «سي أحمد» بن صالح...