ظلت الجزائر على الدوام تنجب المواهب الذين صبغوا الساحرة المستديرة في الجزائر ببعد جمالي وفني ميز الجزائريين على غيرهم من اللاعبين في شمال افريقيا وذلك بإنجاب لاعبين من أمثال نورالدين قريشي ومصطفى دحلب وصالح عصاد ولخضر بلّومي ورابح ماجر وموسى الصايب وعبد الحفيظ تاسفوات... والقائمة تطول ليكون كريم زياني آخر عنقود الفنانين الجزائريين. كريم زياني هو من بين المواهب القليلة الذين أفلتوا من براثن «القرصنة» والتجنيس في فرنسا بالرغم من ولادته في فرنسا في 17 أوت 1982 بمدينة سيفار الفرنسية من أب جزائري أصيل بجاية اسمه رابح زياني. ومن تلك المدينة انطلقت رحلة مايسترو الكرة الجزائرية مع الساحرة المستديرة. علامة فارقة بمهارات خارقة تفجّرت موهبة زياني مبكرا في فرنسا ليدخل مملكة اللاعبين الفنانين القادرين على فعل كل شيء بفضل ما تختزنه رجليه من مهارات جمعت بين السرعة والمراوغة والتصويب الدقيق يتأقلم مع مراكز عديدة في الملعب بين الجناح الايمن او الايسر او كصانع ألعاب صريح تمريرات حاسمة مهمته هندسة الهجمات وصناعة الاهداف وهو ما جعله يلفت الانظار اليه منذ أول لقاء له مع تروا الفرنسي في ديسمبر 2001 عندما وقع أول عقد احترافي له في مسيرته. فنياته أعطته صفة اللاعب «الجوكير» القادر على تغيير مسار المباراة في أية لحظة وهو ما جعل مدرب سوشو الفرنسي آلان بيران يصرّ على انتدابه في موسم 2006 لأنه يعلم جيدا اضافة لاعب وصف بالزئبقي بفضل قدرته الخارقة على الاختراق بطول متر و69 سنتيمترا مما يصعّب مهمة محاصرته للتسجيل عبثا. خبير الكرة الفرنسية زياني كغيره من اللاعبين الجزائريين من الجيل الثالث كان صناعة مسجلة باسم مراكز التكوين الفرنسية ومنها انطلقت مغامرته وبالتحديد من نادي راسينغ في باريس سنة 1995 وتواصلت المغامرة هناك الى حدود سنة 1998 بعد ذلك انتقل الى مركز تكوين نادي تروا أين وقّع أول عقد احترافي له في سنة 2001 ثم مرّ بمحطة لوريان حيث أعير له منذ 11 أكتوبر 2004 وأصبح أساسيا وصعد بفضله الفريق الى دوري الاضواء في موسم 2005 2006 عندما أختير زياني كأحسن لاعب في الفريق. رحلته في فرنسا تواصلات وموهبته أدارت اليه الرقاب وأسال لعاب أكبر الاندية في فرنسا غير ان اصرار آلان بيران كان أكبر وهو الذي وقف وراء قدومه الى سوشو أين سجل 9 أهداف من 44 مباراة شارك فيها وختم مسيرته في فرنسا عندما انتقل الى مارسيليا في جوان 2007 بمبلغ 8 مليون أورو، بعد ان قهر أبناء جنوبفرنسا في نهائي الكأس وحرمهم من التتويج الذي كان من نصيب سوشو. موسمه الاول في مارسيليا لم يكن ناجحا حيث أصيب وخسر مكانه كأساسي لصالح فالبوينا لكنه استطاع ان يفرض نفسه أساسيا في الموسم الثاني بالرغم من كتيبة النجوم التي يقودها حاتم بن عرفة في ذلك الوقت (بن عرفة الذي اختار تمثيل فرنسا...!!؟) مما جعله ينتقل الى ألمانيا، ليتحلق بصفوف بطل البوندسليغا منذ جوان2009 وهو نادي فولفسبورغ بمبلغ 7 ملايين أورو. انجازات فردية لم يكن من السهل على زياني أن ينسي الجزائريين في رابح ماجر ويجعلهم يتعلقون به لكنه نجح في ذلك الى حد كبير رغم عدم التألق على الصعيد الدولي وبالمحصلة، حصل زياني على لقب أفضل لاعب في الدرجة الثانية الفرنسية سنة 2006 عندما كان في صفوف لوريان ثم فاز بكأس فرنسا مع سوشو سنة 2007. بدية تألقه مع منتخب الجزائر كانت في كأس الأمم الافريقية في تونس سنة 2004 عندما أختير ضمن التشكيلة المثالية لتلك الدورة على الصعيد القاري ليتحول بعد ذلك الى معشوق الجماهير الجزائرية ليحصل على الكرة الذهبية الجزائرية لأحسن لاعب كرة قدم في الجزائر في سنتي 2007 و2008. الجزائر أولا وأخيرا... كغيره من الجزائريين كانت تحركه الروح الوطنية ومسكون بهاجس حب بلده وهو ليس غريبا على أرض أنجبت وضحت بمليون شهيد ومازالت تنجب من يتشرفون بتمثيلها ولم تغرهم باريس بأنوارها ولا أوروبا بأموالها... كل هذا ترجمه زياني عندما صرّح في مرة من المرات: «عندما أسمع النشيد الوطني يقشعرّ بدني وأشعر بالانتماء لهذا البلد الحبيب...». انتماء جعله يلعب برجولة واستبسال منقطعي النظير فعندما ينزل الى الملعب يستطيع بسحره الخاص ان يلهب ملايين الجزائريين لتتحول المباراة الى ملحمة كروية يخوضها اللاعبون دفاعا عن شرف او أرض أو عرض من دون منية او حديث عن شعار الوطنية المزيف... لكن عندما نعرف ان لاعبي الجزائر يلقبون بمحاربين يبطل العجب. لكن قبل كل شيء وبفضل ما يتمتع به من قدرة على شحذ الجماهير وجب على زياني أن يكون مثالا لترويج ان لعبة كرة القدم هي تسعين دقيقة وكفى.