قال بوش ومن حوله الحواري أن الذين استباحوا أجساد المعتقلين العراقيين لا يمثلون الجيش الأمريكي... هم شرذمة... هكذا قال... وقال أن هذا لا يعكس أخلاق الأمريكان وثقافتهم... هكذا قال... ولكن... عندما تم تفجير البرجين لم يقولوا هذا الكلام بل قالوا أن العيب في ثقافتنا وحضارتنا... وجرت على لسانهم عبارة الحرب الصليبية... غزوا أفغانستان ومن بعدها العراق... دمروا كل شيء البنيان والمؤسسات والقيم ودكوا الأرض دكا... استنفروا حماة الانجيل في إسبانيا وايطاليا وحماة التوراة في إسرائيل... صاروا رسلا يحملون ألواح الوصايا المقدسة... لوح للديمقراطية ولوح للحرية ولوح لتغيير المناهج... وكل هذا تحت وابل الصواريخ ووابل التهديد والوعيد... لماذا لم يقولوا أن الذين فجروا البرجين شرذمة لا تمثل العرب والمسلمين. ولما تفاقم الظلم واستفحلت النقمة حدث ما حدث لأربعة «مقاولين» أمريكان من حرق وتمثيل... لم تقل الإدارة الأمريكية أن هؤلاء «شرذمة»... صبوا جام غضبهم على الفلوجة... عقاب جماعي غير مسبوق لمدينة بأسرها... والبقية تعرفونها... صار بعض جنرالات بوش يلقون محاضرات في الفرق بين إلاه المسيحيين وإلاه المسلمين... وهكذا نقلوا الصراع من الأرض إلى السماء ومن النفط إلى الحضارة ولما فعلوا هذا استنفروا المناعة العقائدية وبثوا الحريق في كل مكان... فالحرب التي لم تبح باسمها أفرزت السم الزّعاف في المعمورة... وبثت الشك في المستقبل... في قيم التعايش والسلام والتلاقي من أجل رفاه الإنسانية... نُسفت الشرعية وصار القانون لا يحمي الضعفاء... مشروع الغاب الذي يحكمه الغالب لم توقفه ملايين الاحتجاجات الديمقراطية رسميا وجماهيريا... إلى أن كانت أولى الانكسارات في العراق... انقلب السحر على السّاحر وصارت أقوى دولة في العالم معزولة يحاصرها الحقد المتزايد... صارت الكرة الأرضية منطقة خطرة على المواطن الأمريكي... هذا ما حققه صناع القرار هناك... في الأثناء خسر الأمريكان حرب الدعاية... وخسروا حرب الصور والأدهى من هذا هو أنهم أضعفوا صف المعتدلين ودعاة الإصلاح في العالم العربي والإسلامي وقووا صف المتشددين والمغالين... إنه الرد العكسي لسياسة الإلغاء والغطرسة... بدأت الحكاية بسقوط برجين وها هي تشرف على الانتهاء بسقوط برجين آخرين : هيبة ومصداقية الولاياتالمتحدة...