شهر جانفي و على برودته يعدّ الشهر الأسخن على الإطلاق ، حيث عرف شهر جانفي أبرز التحركات الاجتماعية و الانتفاضات التي شهدتها البلاد في تاريخها، على غرار ثورة الخبز (3 جانفي 1984) انتفاضة الحوض المنجمي (5جانفي 2008)عملية قفصة المسلحة (جانفي 1980) و الابرز ثورة (14 جانفي 2011). أمّا اليوم و مع اقتراب شهر جانفي، وصل مستوى التوتّر في تونس إلى مرحلة غير مسبوقة ، في انتظار ما ستحمله التطورات القادمة خاصة و انّ الحكومة قد تجدُ نفسها وجها لوجه مع الشارع التونسي في ظلّ دعوة المُعارضة للاحتجاج على قانون المالية و أفول التحركات النقابية التي تقودها المُنظمة الشغيلة ناهيك عن الحملات التي خرجت مؤخرا تحسّس نبض الشارع و مدى غضبه على غرار حملة “السترات الحمراء” . ويرجع الباحث في التاريخ المعاصر خالد عبيد ارتباط هذا الشهر بالاحتجاجات الشعبية إلى حالة الفراغ والعطالة التي يعيشها العديد من التونسيين في هذا الشهر، خاصة في المناطق الداخلية التي يعيش أغلب سكانها على الأنشطة الفلاحية، والتي يبدأ جني محاصيلها مع بداية فصل الربيع. وأوضح عبيد ل”العربية.نت” أن النشاط الفلاحي والاقتصادي يتراجع في شهر جانفي بسبب انتهاء موسم البذر الذي يوفر مواطن شغل للعديد من الناس، ما يجعل الفلاحين يعيشون نوعا من الفراغ والانتظار ينتج عنه تراجعا لمداخيلهم المالية، هو ما يدفعهم إلى الخروج للاحتجاج ضد الغلاء وللتنديد بأوضاعهم المعيشية الصعبة وإلقاء اللوم على السلطة، موضحا أن تكرّر هذه الاحتجاجات في شهر جانفي منذ التاريخ السياسي المعاصر، أصبح ما يشبه العادة التي يلعب فيها الجانب النفسي لدى التونسي دورا مهما. أمّا الباحث السوسيولوجي محمد ظريف فيرجع ارتباط الشهر بالاحتجاجات ، بالحوار مع الأطراف الاجتماعية إذ غالبا ما يتولد عن الصراع بين هذه الأطراف احتقان الوضع الاجتماعي الذي يترجم إلى احتجاجات وإضرابات واعتصامات ثم ثورات. ويبقى للصدفة دورها أيضا حسب محمد الظريف الذي يقول في تصريح لمجلة “ميم” إن القراءة في تاريخ تونس المعاصر يثبت أن البلاد شهدت ثورات ذات طابع اجتماعي في أشهر مختلفة من السنة على غرار ثورة تالة والقصرين في أفريل 1906 وثورة المرازيق في ربيع 1943 وما يسمى بانتفاضة قبائل الودارنة بتطاوين في 1915 و1916. من جهة ثانية ، حذّر سياسيون من ارتفاع منسوب القلق في تونس خاصة و ان الاحتجاجات العشوائيّة قد تجرّ البلاد إلى ما لا يُحمد عقباه. و دعا أمين عام التيار الديمقراطي غازي الشواشي الى وجوب تأطير التحركات الاحتجاجية باعتبار أن “الإرهاب مازال يترصّد بالبلاد وحتى لا يستغلّها من وصفهم ب"الفوضويين”. فيما قال رئيس المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، مسعود الرمضاني إنّ هناك إمكانية “توظيف” التحركات الاجتماعية من قبل بعض القوى السياسية؛ معتبرًا أنّ “المشاكل الاجتماعية يمكن توظيفها من قبل بعض الأشخاص، لكن الأسباب العميقة للاحتجاج موجودة”. وأوضح الرمضاني أنّه “يبدو أن السلطات والسياسيين لا يستمعون إلى مشاكل الناس وحلها”، معبّرًا عن خشيته من أن يكون رد فعل الناس هو العنف والتخريب.