تصدرت صفحات الإعلام التونسي اليوم مدى صحة خبر هروب سامي الفهري عن البلاد بعد صدور بطاقة إيداعه بالسجن أول أمس من طرف عميد المحكمة الابتدائية و تهاطلت التصريحات و التعليقات المفيدة باستنكار و استغراب تعامل القضاء مع هذا الملف بطريقة توضح استهدافه لحرية التعبير و ليس البت في قضايا الفساد. فهل القضاء التونسي اليوم يقوم بمحاسبة رموز الفساد أم يقتص من حرية الفكر و التعبير؟ أحيلت عديد ملفات الفساد بعد ثورة الياسمين إلى القضاء التونسي لكشف أبعادها و محاسبة المنصهرين في خليتها ، خلية من الفساد نهشت الكثير من المؤسسات التونسية و من بينها مؤسسة التلفزة التي أثارت شكاياتها الجزائية الشارع التونسي بما أن الأفراد فيها ينتمون إلى الحقل الإعلامي المعروف لدى العامة. منذ شهر مارس 2011، أحيل ملف قضية التجاوزات المالية لشركة "كاكتوس" لصاحبها بلحسن الطرابلسي على الدائرة الجنائية من طرف مؤسسة التلفزة التونسية و بذلك تصدرت هذه القضية قائمة قضايا الرأي العام ، وعلى الرغم من هروب صهر المخلوع أي غياب المالك الفعلي و المتهم الأساسي في هذه القضية ؛ حافظ هذا الملف على صدارة اهتمام الرأي العام فقد أصبحت الأضواء مسلطة على مدير شركة "كاكتوس" و مقدم البرامج و المنتج و المخرج التلفزي سامي الفهري ، لتأخذ القضية عنوانا جديدا لدى الشارع التونسي وهو سامي الفهري و القضاء التونسي ، مع العلم أن هذا الأخير ليس المشارك الوحيد في القضية ولكنه المشارك الوحيد الذي عرفه التونسيون عن قرب كإعلامي تلفزي. ليتواصل هذا القرب حتى بعد الثورة وبدء التحقيق في القضية من خلال بث سامي الفهري لقناة "التونسية" التي شانا أم أبينا كونت قاعدة فرجوية ببرامجها التلفزيونية و حافظت لقضية مديرها على المتابعة الشعبية. و بذلك واصل الابن السابق للتلفزة و الإذاعة التونسية سامي الفهري مشواره الإعلامي على الرغم من تورطه في سرقة الاعلام التونسي وواصلت القضية مشوارها التحقيقي بتولي عميد قضاة التحقيق بالمحكمة الابتدائية بتونس مهمة سير الأبحاث في هذا الملف فقام العميد في الشهر السابع من 2012 بعرض سامي الفهري على القيس و استنطاقه لأكثر من 12 ساعة حول البرامج التي اشرف عليها في شركة الإنتاج "كاكتوس" من ثم بقي مقدم برنامج " دليلك ملك" بحالة سراح و تابع أعماله الإنتاجية التلفزية بنجاح على الرغم من مجابهته لمزيد من القضايا مثل القضية الثانية التي ترفعها التلفزة التونسية فيما يخص مسلسل مكتوب و التي ترفضها المحكمة الابتدائية بتونس و ترفض من خلال حكمها طلب التلفزة التونسية في إيقاف بث مسلسل مكتوب على قناة التونسية في مارس 2012. فتابع المخرج الشاب إنتاج العدد التلفزي الرمضاني الجديد وواصلت "التونسية" تحقيق نجاحاتها الإبداعية و منافسة المنتوج التلفزي المحلي خاصا كان أو عموميا ، لينسى بذلك الشارع التونسي أصداء القضاء أمام صدى كاميرا" تمساح التونسية" و قلابس الأمسيات الرمضانية ، إلا أن قررت محكمة الاستئناف بالعاصمة مساء الرابع و العشرين من أوت إصدار بطاقة إيداع بالسجن في حق سامي الفهري على خلفية قضية الفساد المالي عدد (1) في مؤسسة التلفزة التونسية أي قضية مارس 2011 المتعلقة بشركة "كاكتوس" ؛ ليعود الركح للقضاء و تسلط الكاميرات على من كان يحملها ، ويتحول أفراد الجماهير من موافق ورافض بعد التفا جئ و مؤيد و معارض بعد المفاجأة. القلابس سبب بطاقة الإيداع بالسجن بثت قناة التونسية برنامجا معنونا باللوجيك السياسي أبطاله مجموعة من القلابس التي تحاكي صورتها الشخصيات السياسية في الحكومة كرئيس الجمهورية المنصف المرزوقي و رئيس الحكومة حمادي الجبالي ، و كان هذا البرنامج هزليا ساخرا كما هو مبدأ برامج القلابس في الوسائل الإعلامية الأجنبية ، و بين سامي الفهري في تصريح له لاذاعة اكسبرس "اف ام" انه تعرض إلى ظغوطات جعلته يضطر إلى إيقاف عرض هذا البرنامج في الأيام الأربعة الاخيرة من شهر رمضان بعد طلب واضح و صريح تلقاه من شخص لطفي زيتون مستشار رئيس الحكومة مما يفسر سبب قرار الإيداع برغبة الحكومة من النيل ممن يعارضها و تخوله حرية الإعلام من الاستهزاء بافرادها . و ما يدعم هذا الاستنتاج هو واقعة توجه أعوان الديوانة إلى مقر تلفزة التونسية يوم 21 جويلية 2012 و اهتمامهم بالحصول على فاتورات القلابس و عددها 38 علما و أن التونسية دخلت في نزاع مع قناة نسمة بشان هذه العرائس ، و هذا ما يفسر تعريف حقيقة هذه القضية من قبل: : انها نتيجة لنزاع تجاري بين قناة نسمة و التونسية. le monde.fr فهل تكون الحكومة وراء هذا القرار القضائي ؟ أوضح عادل هلال المستشار القانوني لمؤسسة التلفزة الوطنية في نشرة الثامنة مساءا يوم 25 أوت بان ما يقال حول الأبعاد السياسية لبطاقة الإيداع هو عاري من الصحة . ونتيجة تصريحات كل من محامي الدفاع عن سامي الفهري عبد العزيز الصيد لراديو كلمة ومحامية الدفاع سنية الدهماني لتلفزيون فرانس 24؛ الذين أكدوا بان صدور قرار بطاقة الإيداع يعد خرقا للقانون لتغييبهم كدفاع و عدم إعلامهم مسبقا بعرض القضية على محكمة الاستئناف ؛ بين عادل هلال أن عدم اطلاع الدفاع على الملف هو تقصير لا يمكن أن نلوم عليه لا الدولة و لا التلفز ة التونسية. .بطاقة إيداع سامي الفهري تواجه بامتعاض شديد نظرا لما تشير إليه من استغلال الحكومة للسلطات القضائية لقمع حرية التعبير: اعتبرت الشبكة العربية لمعلومات حقوق الانسان ان طلب اعتقال سامي الفهري على خلفية مواقفه الناقدة للحكومة مؤشرا الى تراجع الحريات بالبلاد بالاضافة الى ما سبقه من تغريم لقناة نسمة بتهمة النيل من الشعائر الدينية. كما صرح على الصعيد الوطني السياسي حزب العمال اليوم بحدة امتعاض اكبر على ما سماه" التمشي الخاطئ و اللامبدئي الذي تتبعه النهضة في التعاطي بصورة انتقائية مع ملفات الفساد وفق ما تقتضيه حساباتها الحزبية الضيقة" حقيقة القضاء التونسي و بين هذه التصريحات و غيرها و تلك الاستنتاجات و خلفياتها ، يبقى الرأي العام التونسي في حالة طرح لتساؤلات عديدة من خلا ل متابعته لهذه القضية : أين يتموقع قضاءنا التونسي اليوم ؟ هل هو قضاء عادل يحسم في الأمور بشفافية القانون وأحيانا تسقط عليه الأحداث لتجرم صورته التي لا إجرام فيها؟؟ هل شكوك و هواجس تبعية القضاء للحكومة مازالت واقعا لم نستطع المضي بعيدا عنه؟ أم أن التونسي اليوم لا يمتلك جرعة الثقة اللازمة تجاه هذا القضاء الذي يهمنا أكثر من اهتمامنا بالأشخاص لأنه هو ملاذ كل شخص في هذا البلد. ليبقى بذلك رجاء التونسيين واحدا باختلاف الحكومات و الأحزاب و تشابك القضايا و تغير أطرافها : هو قضاء مستقل و عادل يحمي و يحاسب الجميع دون ميز أو تبعية.