المناضل الفلسطيني مروان البرغوثي ينقل الى السجن الانفرادي بسبب تصريحات أدلى بها للصحافيين اثناء محاكمته، حكم بالسجن لمدة عامين على شاب أردني أحرق صورة الملك، استمرار ايقاف مدون مصري... تلك بعض العناوين التي نشرت أمس غداة صدور تقرير منظمة "مراسلون بلا حدود" حول حرية الاعلام لسنة 2011 بما يعني أن التحديات التي تترقب هذا القطاع لن تكون هينة وأن المعركة من أجل اعلام حر ومستقل ليست في آخر جولاتها... بل الارجح ان عمليات المد والجزر بين الاعلام والسلطة التي عرفت بمعاداتها المطلقة او المحدودة للإعلام لا يمكن ان تزول أو تختفي نهائيا.. ربما تتراجع أو تتخذ اشكالا مغايرة بعد أن انكسر حاجز الخوف وزالت الكثير من القيود التي كانت تكبل الاعلام وتحول دون اضطلاعه بالرسالة النبيلة التي يفترض أن يؤديها في انارة الراي العام لتكون الحقيقة بذلك هي الضحية الاولى. لقد كان واضحا أن ثمار الربيع العربي من أجل اعلام مغاير عما كان سائدا قبل هذا الربيع لم تتحول بعد الى أرض الواقع ... وإذا كان تقرير "مراسلون بلا حدود" قد سلط الاضواء في جزء منه على مختلف المخاطر التي تحيط بالمشهد الاعلامي في دول الربيع العربي والتي قد تهدد بإسقاط وتبديد المكاسب الهشة التي تحققت خلال الاشهر القليلة الماضية التي تلت الثورات، فالواقع يؤكد أن تراجع حرية الاعلام لم تتوقف عند حدود العالم العربي أو دول العالم الثالث بل امتد ولو بدرجات مختلفة الى دول أوروبية كما في الولاياتالمتحدة . ومن المفارقات التي تضمنها التقرير المذكور - والذي رفع عنه الستار قبل يومين في العاصمة الفرنسية - انه كشف وبالإضافة الى انتكاسة حرية الاعلام في أغلب الدول العربية أن عديد الدول الغربية التي طالما ارتبطت في الاذهان بأنها حصن ثابت لحرية الاعلام التي تبقى من المقدسات في الانظمة الديموقراطية شهدت بدورها تراجعا مثيرا مقارنة بما كانت عليه في السنوات السابقة الامر الذي اثار امتعاض واستياء الكثيرين. ومن هذه الدول فرنسا التي تراجعت الى المرتبة 44 في تقرير مراسلون بلا حدود الأمر الذي دفع الكثيرين هناك الى اطلاق ناقوس الخطر. وفي هذا الخصوص قال جون فرانسوا جوليار رئيس منظمة مراسلون بلا حدود "ان فرنسا فقدت خصوصيتها المتميزة في هذا المجال" واعتبر أن فرنسا لا تحترم بما يكفي حق الوصول الى المعلومة. ويبدو أن تراجع فرنسا بنقطة عن ترتيبها السابق مرتبط - حسب التقرير - باستمرار محاولات التعرض للصحافيين خاصة عندما يتعلق الامر بكشف مصادر الخبر. واحتلت فرنسا في الترتيب موقعا متدنيا مقارنة ببعض الدول الاوروبية، بعد فنلندا والنرويج وأستونيا وسويسرا وبلجيكا وألمانيا وبريطانيا ودول اخرى انضمت حديثا للاتحاد الاوربي مثل البرتغال الذي احتل المرتبة 33، وسلوفاكيا، وكذلك في إفريقيا (مالي والنيجر) بالإضافة إلى ليتوانيا والسلفادور. وفي أوروبا أيضا، احتلت ايطاليا المرتبة 61 في التقرير بعد هايتي ومالطا والبوسنة فيما احتلت اليونان "بلد الحكمة" المرتبة 70 . والمثير أن الشيلي فقدت 47 نقطة بسبب الانتهاكات الكثيرة التي ارتكبتها القوى الأمنية في هذا البلد ضد الاعلام خلال احتجاجات الطلاب . وأثار ترتيب الولاياتالمتحدة التي احتلت المرتبة 47 في التقرير اكثر من نقطة استفهام بعد أن سجلت تراجعا بسبع وعشرين نقطة عما كانت عليه العام الماضي لتقترب بذلك من رومانيا ولاتفيا والارجنين. وحسب التقرير فإن تراجع الولاياتالمتحدة ارتبط بردود الفعل التي استهدفت الصحفيين خلال العملية التي عرفت بحركة "احتلوا وول ستريت". وسجل التقرير تعرض أكثر من 25 صحافيا خلال أقل من شهرين للاعتداء أو الملاحقة أو الايقاف. روسيا بدورها لم تخرج من قائمة الدول المدرجة في أسفل الترتيب إذ تراجعت بنقطتين عن تقرير السنة الماضية لتنحدر الى المرتبة 142 وقد رصد التقرير مشهدا اعلاميا قاتما في اعقاب الحملة الامنية التي استهدفت المظاهرات الاحتجاجية في أعقاب الانتخابات التشريعية . وفيما احتلت اسرائيل المرتبة 83 بين 179 دولة، جاءت الصين في المرتبة 174 في حين انفردت اريتريا بآخر الترتيب (المرتبة 179). ولعله من المهم الاشارة الى أن مؤشر حرية الصحافة - الذي نشر لأول مرة عام 2001 - يحدد على أساس معايير متعددة يصل عددها الى 50 ومنها العنف الى جانب المسائل التي تؤثر مباشرة على الصحفيين كالقتل والخطف والتهديد والسجن وغيرها ويقوم بوضع التصنيف 15 من خبراء المنظمات الدولية المتخصصة في المشاكل العامة ورصد حرية الرأي والتعبير، على أن كل ذلك لا يلغي وجود الكثير من الأسباب الاخرى التي تستحق الوقوف عندها... قد يصح وصف المشهد الاعلامي ب"الجسد العليل" الذي يحتاج الى أكثر من جلسة علاج، على أنه سيكون من الخطْإ الاعتقاد بأن درجة المعاناة متشابهة أو أن هناك حاجة لوصفة مشتركة للتخلص من مختلف الجروح والعقد والمكبلات الخطيرة التي تتربص بالإعلام والاعلاميين، ولعل أخطر تلك المعوقات الممارسات الخفية التي يتعرض لها الاعلامي من هرسلة وإهانة ومحاولات تهميش وتحقير وإقصاء وكل أنواع الضغوطات المعنوية والممارسات التي من شانها ان تلغي لدى أي صحافي تلك الرغبة الجامحة في ممارسة العمل الصحفي والابداع بعيدا عن كل أصناف الابتزاز والمساومة... ومتى وقع تجاوز مثل هذه الممارسات المترسخة في العقليات المكبلة بالقيود فقد يكون بالإمكان التقدم باتجاه تحقيق الاصلاح المطلوب من أجل اعلام جدير بالاحترام...