النّاس معادن ، و النّاس مواقف و لا خير في من لم ينحت في عمره بصمة إيجابيّة تنفع الخلق أو تدفع الظلم أو تنتصر للحقّ ،،، أمّا من ظلم و انحاز إلى الشرّ أو خان و بدّل أو صفّق للباطل خوفا وطمعا فهذا يكفيه أنّه تجرّد من الكرامة و الشهامة و سيتولّى التاريخ معالجته كورقة كلينيكس ليرمي به في مزبلة تليق به و لو بعد حين ،،، و سيعيش حقيرا ذليلا . إنّ ما أردت أن أخلص إليه بعد هذا التقديم هو أن أذكر سيدتين فاضلتين برزتا و لمعتا في خضمّ ما بعد الثورة وخصوصا هذه الأيّام التي عزّت فيها المواقف الوطنيّة الصّادقة و ضاع فيها الوطن و أهله بين معادلات المقايضات و – البيعاتْ و الشّريات – و حُمْق الولاءات . الأجمل في هاتين الأيقونين أنهما تمسّكتا بنهجيهما و لم تبدّلا تبديلا برغم انتشار كثير من بورصات السّياسة و ميركاتوات النّخاسة و- تجليغْ – اللّحّاسة و إغراءات الكراسي ... أمّا الأولى فهي السيّد سامية عبّو ، هذه المرأة الحديديّة التي كتبنا عنها سابقا فقلنا أنّها – حزب و طني قائم بنفسه – و هي إذا قورنت بكثير من أدعياء السياسة و مقتحميها فهي ترجحهم ، السيّدة سامية عبّو التي نذرت نفسها للإنتصار إلى العمق الشعبي فكانت – شوكة – في حلق دعاة الثورة المضادّة و سدنتها ، و لازالت تعرّي و تفضح على رؤوس الأشهاد كلّ مخطّطات الإنقلاب على مكاسب الثورة السيّدة سامية عبّو أيضا تتقن ( فعلا رجوليّا ) لا يتقنه كثير من الذّكور ، فهي تسمّي الأشياء بمسمّياتها و تشير رأسا لمقصدها . اختصارا السيّد سامية ينطبق عليها تماما مثلنا التونسي الشعبي (( الدّين الصّحيح و اللّسان الفصيح )) . و هذا شأن من كان صادقا مع الوطن و أهله ، من لا يخشى في قولة الحقّ لومة لائم ، من كان نظيف اليد خاليَ الأطماع و لا تحرّكه الشّبهات و هم قليل . أمّا الثانية الأخرى فهي تلك المرأة الطيّبة الدّافئة و الأيقونة الحقوقيّة ، السيّدة سهام بن سدرين . هذه السيّدة ذات ((المعدن التونسي الأصيل)) و المخالف لترّهات الحداثة الزّائفة التي يتغنّى و يتاجر بها كثير من أشباه النّساء و أشباه الر ّجال أيضا ، السيّدة سهام بن سدرين حملت ما تنوء عن حمله مجموعة من الرّجال برغم الحصار المضروب عليها ليل نهار ، و برغم التشويهات و التضييقات و كثير من – الدُّمّارالأزرق- الذي يتفنّن في تلفيقه إعلام العار برعاية رسميّة من بني اليسار الإستئصالي ،، حملت على كاهلها أنبل أمانة ، أمانة الحقوق و الحريّات و الإنتصار للعدالة و الكرامة ، أمانة لم تعد عُملتها رائجة في عالم الفوضى الخلاّقة و لم تعد تسعد كثيرا سماسرة السياسة و كهنة معابد قوى الإستخراب العالمي و لا تُرضي جلاّدي الدكتاتوريّة ودوائر المطابخ الوسخة التي كان يشرف على إدارتها رموز ذاك العهد البائد . السيّد سهام بن سدرين أيضا آلت على نفسها أن تخدم قِيمها و شعبها بلا مهادنة و لا مقايضة و بلا أطماع و لا مخاوف حتّى صارت مصدر خوف و رعب لأولئك الذين يحسبون كل صيحة عليهم ممّن (غرقوا للعنكوش) في الفساد و الإفساد و إهدارالمال العام و تورّطوا في دماء و آلام ضحايا الإستبداد السيّدتان سامية عبّو لبوة المجلس النّيابي و سهام بن سدرين حمامة الكرامة و العدالة هما أيقونتان تمثلان و تشرّفان المرأة التونسيّة الحرّة ، سيُعنونهما التاريخ بأحرف من ذهب ضمن كوكبة سليلات الشرف في هذه البلاد الطيّبة ، و سلّملي على رائدات الحداثة و النّمط و نجوم سنما قرطاج ...