وزارة التربية تنظم حركة استثنائية لتسديد شغورات بإدارة المدارس الابتدائية    انطلاق جلسة عامة للنظر في مشروع تنقيح القانون عدد 69 لسنة 2003 المتعلق بمراكز الاصطياف وترفيه الأطفال    الرياحي: أسعار لحم الضأن لدى القصابين خياليّة وأرباحهم في الكلغ تصل إلى 20 دينار..    فتوى تهم التونسيين بمناسبة عيد الاضحى ...ماهي ؟    لاعبة التنس الأمريكية جيسيكا بيغولا تكشف عن امكانية غيابها عن بطولة رولان غاروس    الكشف عن وفاق إجرامي قصد اجتياز الحدود البحرية خلسة..وهذه التفاصيل..    متى موعد عيد الأضحى ؟ وكم عدد أيام العطل في الدول الإسلامية؟    في قضية رفعها ضده نقابي أمني..تأخير محاكمة الغنوشي    أخبار المال والأعمال    معهد الإحصاء ..تواصل ارتفاع الأسعار.. وتراجع طفيف لنسبة التضخّم    أستاذ إقتصاد :'' وضعيتنا مع صندوق النقد غير مرضية ..''    «فكر أرحب من السماء» شي والثقافة الفرنسية    مشروع مصنع ثلاثي الفسفاط الرفيع المظيلة على طاولة الحكومة    النادي الإفريقي: هيكل دخيل رئيسا جديدا للفريق خلفا ليوسف العلمي    في الصّميم ..«البقلاوة» تُعيد الترجي إلى الأرض    كرة اليد ..بن ثاير والزهاني يقودان الريان للتتويج بالبطولة    ماذا يحدث بين محرز بوصيان ووزير الشباب و الرياضة ؟    وزير الداخلية الليبي لقيس سعيد : ''الاستعدادات جارية لإعادة فتح المعبر الحدودي''    عاجل/ أمطار أحيانا غزيرة تصل الى 60 مم بهذه الولايات بعد الظهر..    حوادث: 13 حالة وفاة خلال يوم واحد فقط..    يدرّب أفارقة في العامرة .. إيقاف مدرّب «كونغ فو» سوداني    هطول كميات من الأمطار عشية اليوم ..التفاصيل    المتلوي: مروج مخدّرات خطير يقع في قبضة الأمن    أريانة: منحرف يهدّد رجلا وإمرأة ويفتكّ سيارتهما    الفنان بلقاسم بوقنّة في حوار ل«الشروق» قبل وفاته مشكلتنا تربوية بالأساس    الفنان بلقاسم بوقنّة في ذمة الله .. وداعا صوت الصحراء الصادق    عدد من المناطق التابعة لولاية بنزرت تشهد اضطرابا في امدادات المياه بداية من العاشرة من ليل الثلاثاء    رئيسة قسم أمراض صدرية: 10% من الأطفال في تونس مصابون بالربو    بعد إطلاق منصة مشتركة مع ليبيا وتونس.. وزير الداخلية الإيطالي يعلن تحرك عالمي لوقف تدفقات الهجرة غير النظامية    البطولة الانقليزية : كريستال بالاس يكتسح مانشستر يونايتد برباعية نظيفة    عاجل- قضية الافارقة غير النظاميين : سعيد يكشف عن مركز تحصل على أكثر من 20 مليار    سيدي حسين: مداهمة "كشك" ليلا والسطو عليه.. الجاني في قبضة الأمن    إشارة جديدة من راصد الزلازل الهولندي.. التفاصيل    عاجل/ هجوم على مستشفى في الصين يخلف قتلى وجرحى..    اتصالات تونس تنخرط في مبادرة "سينما تدور"    هزة أرضية بقوة 4.9 درجات تضرب هذه المنطقة..    ورقة ضغط أم استكمال لحرب الإبادة؟ .. الاحتلال يدفع ب3 فرق لاجتياح رفح    أميركا تتغيب عن الحضور: روسيا تشهد اليوم تنصيب بوتين رئيسا    أولا وأخيرا .. دود الأرض    تحقيق فلسطيني بسرقة 70 مليون دولار من البنوك في غزة    مشروع لإنتاج الكهرباء بالقيروان    سعيد.. سيحال على العدالة كل من تم تعيينه لمحاربة الفساد فانخرط في شبكاته (فيديو)    في لقائه بخبراء من البنك الدولي: وزير الصحة يؤكد على أهمية التعاون المشترك لتحسين الخدمات    اتصالات تونس تنخرط في مبادرة 'سينما تدور'    رياض دغفوس: لا يوجد خطر على الملقحين بهذا اللقاح    بمناسبة اليوم العالمي لغسل الأيدي: يوم تحسيسي بمستشفى شارل نيكول حول أهمية غسل الأيدي للتوقي من الأمراض المعدية    فيديو/ تتويج الروائييْن صحبي كرعاني وعزة فيلالي ب"الكومار الذهبي" للجوائز الأدبية..تصريحات..    تصنيف اللاعبات المحترفات:أنس جابر تتقدم إلى المركز الثامن.    مدنين: استعدادات حثيثة بالميناء التجاري بجرجيس لموسم عودة أبناء تونس المقيمين بالخارج    الفنان محمد عبده يكشف إصابته بالسرطان    نسبة التضخم في تونس تتراجع خلال أفريل 2024    الفنان محمد عبده يُعلن إصابته بالسرطان    بطولة الرابطة المحترفة الثانية : برنامج مباريات الجولة الثانية و العشرين    وزارة الشؤون الثقافية تنعى الفنّان بلقاسم بوڨنّة    مواطنة من قارة آسيا تُعلن إسلامها أمام سماحة مفتي الجمهورية    خطبة الجمعة ..وقفات إيمانية مع قصة لوط عليه السلام في مقاومة الفواحش    ملف الأسبوع .. النفاق في الإسلام ..أنواعه وعلاماته وعقابه في الآخرة !    العمل شرف وعبادة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل تعرّض رمضان إلى عملية سطو واختطاف ؟
نشر في الحوار نت يوم 14 - 06 - 2016

لا شكّ أنّ الغاية الأساسية من شعيرة الصّيام إنّما هي تحقيق التقوى كما ورد ذلك مفصّلا في كتاب الله. غير أنّه لا يمكننا عمليّا إدراك ذلك إلاّ إذا نزّلنا رمضان في سياقه الموضوعي الذي يجب أن يتنزّل فيه من ذكر وتلاوة قرآن وقيام وتأمّل وصبر على المكاره والشهوات وتجنّب للغيبة والنّميمة ومنكرات القول. فمنسوب التقوى يعلو بقدر تهيئة الظروف الملائمة للضيف الكريم وإيلائه المكانة المتميّزة الخاصّة به، بل واستقباله واحتضانه بما يستحق من أحاسيس ومشاعر صادقة. ولكن هل مازلنا اليوم على العهد، نولي رمضان ما يستحق من مكانة خاصّة ؟
في الحقيقة لقد تغيّرت سلوكيات النّاس تجاه رمضان بمقدار ابتعادهم عن الالتزام بثوابت الدين عموما و بمقدار انصرافهم إلى الشهوات والملذّات.
بداية الانحراف جاءت من الدولة نفسها التي لم تدّخر وسعا في تحييد رمضان ومنعه من التأثير الإيجابي في حياة النّاس. حيث أنّه، قبل حلول شهر رمضان بحوالي ثلاثة أشهر تعلن الحكومة أنّها قد اتّخذت كلّ الإجراءات اللّازمة لتأمين الاكتفاء الذّاتي من اللّحوم والخضر والغلال والمياه المعدنية وما سواها من المواد الغذائية خلال شهر رمضان ! بما يوحي وكأنّ رمضان جاء خصّيصا لإشباع شهواتنا من مختلف المأكولات والمشروبات. ألا يعدّ هذا السلوك تعدّ صارخ ومفضوح على حرمة شهر رمضان ؟ ثمّ ألا يعدّ هذا السلوك الرسمي من جانب الحكومة مؤشّرا على بداية تحويل وجهة الشهر الكريم من شهر للابتهالات والتأمّلات والخشوع والتقوى إلى شهر يتميّز بالحرص الشديد والمبالغ فيه على إشباع الشهوات ؟
للأسف، لقد تعمّق هذا الشعور الذي لمسناه و نلمسه من خلال سلوكيات شريحة واسعة من النّاس، تلقّفت بسرعة سياسة الدولة (العميقة) وانخرطت في المشروع، مشروع التحويل،ؤسواء كان ذلك بحسن نيّة أو بسوء نيّة ("وما توصّي يتيم على نواح" كما يقال) ثمّ هي أضافت إلى ذلك سلوكيات غريبة هي الأخرى. فبحلول شهر رمضان يتبادل النّاس التهاني وتتبادل عديد النسوة التهاني بقدوم الشهر الكريم وهنّ كاسيات عاريات دون أن يشعرن بالإحراج. وما ذلك إلّا لأنّ رمضان أصبح عنوانا للتبرّج والتمتّع بتذوّق أصناف المأكولات والمشروبات والاستجابة للشهوات بدل الإكثار من الابتهالات والتأمّلات. لذلك بات من المألوف أن نلاحظ في الأيام الأولى من رمضان أنّ المغازات والأسواق تكاد تنضب من المواد الغذائية والخضر والغلال لأنّ البوصلة أصبحت معدّلة على الأكل والشرب وحسب.
كما أنّ في رمضان يتكثّف بثّ المسلسلات الهابطة والبذيئة والفوازير والكاميرا الخفية وألعاب القمار والمسلسلات والسكاتشات الهزلية المملوءة بذاءة وقبحا وقلّة حياء. فما أن يحين موعد الإفطار حتّى يجد الصّائم نفسه، دون إرادة منه، منخرطا في إحدى هذه المسلسلات القبيحة أو ألعاب القمار. ثمّ يحين موعد صلاة العشاء فيذهب الصّائم لأداء صلاة العشاء وبعض الركعات من صلاة التراويح ثمّ يخرج مسرعا متّجها للمقهى ليروّح عن نفسه بطريقة ثانية خلال الفترة الموالية من السهرة بترشّف فنجان قهوة وبتدخين النرجيلة ("الشيشة"). فالمقاهي منتشرة بكثرة. وحول كلّ مسجد ينتصب العشرات من المقاهي. ويمكن القول أن الشيء الوحيد الذي نملك منه الاكتفاء الذّاتي وزيادة في تونس (وربّما في كامل الوطن العربي) إنّما هو المقاهي بكلّ أنواعها. حتّى أنّ بعض السياسيين أصبحوا ينافسون المشاهير من الفنّانين والرياضيين على الإستثمار في المقاهي الفاخرة بالأحياء الراقية. وقد تابع التونسيون، مؤخّرا، باندهاش وذهول، عمليّة تدشين مقهى فاخر لأحد المتنفّذين السياسيين من قبل 5 وزراء ينتمون لحزبه. فيما أنّ المشاريع المنتجة لا يدشّنها عادة إلّا وزير واحد. بما يعني أنّنا مجتمع إستهلاك لا إنتاج.
هذا، وأنّ القنوات التلفزية (التونسية) لم يفتها أن تتحفنا ببعض البرامج والدروس الدينية. في هذا السياق نلاحظ أنّ المنشّط بعد أن يستقبل الفنّانات المتبرّجات الكاسيات العاريات بالقبلات ويودّعهنّ بالقبلات، يستقبل مباشرة شيخ علم بالجبّة و"الشاشية" التونسية لكي يؤكد للمشاهدين أنّه فعلا انتقل إلى إعطاء موعظة ولولا ذلك لما فهم المشاهدون أنّ صاحبنا انتقل على الجدّ بعد الهزل والتفسّخ. لذلك يحقّ لنا أن نتساءل هل هان شهرالصّيام وعبادة الصوم، وهل هان الدّين على القنوات التلفزية وعلى الدولة حتّى تتمّ معاملته بهذا الشّكل وبهذا الأسلوب؟ وهل أصبح الدّين يتيما وبدون سند حتّى يعامل باستفزاز وبلا مبالاة ؟
الأغرب من ذلك كلّه أن يقع ازدراء الدّين من طرف البعض ممّن يسمّون أنفسهم علماء. لقد شاهدت شيخ علم على إحدى القنوات التلفزية بصدد إلقاء درس حول الصّيام. فطرح عديد الأسئلة من مثل هل الصيام عادة أم عبادة وهل الصيام فرض أم سنّة وهل يصوم النّاس في رمضان أم لا ؟ وقال لنتعرّف على رأي الشارع في التقرير التّالي. ولكن، متى كان الدّين يخضع لرأي الشّارع ؟ فهل نحن بصدد متابعة مقابلة في كرة القدم حتّى يمدّوننا بتعاليق المتابعين وانطباعاتهم على أطوار المقابلة ؟ والغريب أنّ أجوبة المستجوبين توزّعت بين العادة والعبادة وبين الفرض والسنّة. وما أدهشني في التقرير أنّ شيخا قال "إنّ الصوم جاء ليدفعنا إلى الإحساس بالجوع. وبما أنّنا جوعى وفي جوع متواصل ونعرف الجوع جيّدا فلا فائدة إذا من الصّيام. ومن هذا المنطلق فأنا لم أصم في حياتي ولو يوما واحدا" ! وقال شاب في العقد الثالث من العمر : "أنا أصوم وأفطر ولكن إذا أفطرت في اليوم الأول فحتما سأفطر بقية الأيام('إذا فطرت في اليوم الأول نلعج عليه الكل')" فأيّ خور هذا ؟ شيخ علم يسمح لنفسه بتمرير لقطات، وهو يضحك. أليس في ذلك إساءة إلى رمضان وحطّا من منزلته العليا ؟ فهل أصبح رمضان محلّ تندر البعض بمن فيهم العلماء ؟؟؟
لقد أدركت عديد الأطراف أنّه لا مفرّ من الانخراط في،"مشروع"،رمضان (الحكومي) تماهيا مع مقدّسات البلاد والعباد وإلاّ خسرت الكثير. فاختطفت الاسم وحافظت عليه بدون تبديل ولا تحريف وحوّلته من علامة مميّزة للتجارة في كلّ أنواع البرّ والإحسان إلى تجارة بالقيم وإلى صناعة مختصّة في محاربة الدّين ومحاربة رمضان نفسه. فالاختطاف ليس مقتصرا على استهداف الأشخاص و الطّائرات بل يمكن أن يطول المقدّسات أيضا.
منجي المازني


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.