تونس الشروق : لأننا نؤمن بأن المبدع لا يموت طالما انه محفور في ذاكرة الناس... وهو الحال بالنسبة الى الراحل صالح جغام الذي لا يزال صوته الصادق يدوي في آذان الناس الى اليوم. ستشهدون به عندما يتحدثون عن الاعلامي المثقف والجريء والذي يحب المهنة كما يحب المهنة أحد... وقد كان أصدقاؤه يطلقون عليه الصحفي الفدائي لأنه شق طريقا شاقة ومتعثرة دون كلل او ملل، كان ينظر الى المهنة بقناعات المدينة الفاضلة، كان يعطي من وقته ومن راحته دون ان ينتظر مقابلا... لن نضيف كثيرا عما قلنا لأن الحديث عن صالح يطلب مسلسلا بحاله ومجلدات.. فحكايته مع الصحافة لا تلخص... فقط أردنا بمناسبة الذكرى لوفاته ان نتوقف مع شقيقه الاذاعي حبيب الذي يعتبره بعض الناس من الجمهور ومن أصدقاء المرحوم انه يحاول ان يكون في عمله «أخوه صالح جغام» هو ينهج طريقه ويتوخى أسلوبه. مكتب حبيب جغام عندما تدخل مكتب زميلنا حبيب جغام يخيّل اليك منذ الوهلة الاولى بأنك في مكتب الراحل صالح جغام.. نظرا للصورة التي توشح جدرانه في هذه الصور يلفت انتباهك في الصور الوجوه المصاحبة لصالح جغام.. هؤلاء هم عبد الحليم، محمد عبد الوهاب، مارسيل خليفة.. ومن الاسماء تعرف القيمة وتحدد الحظ... لكن في هذا المكتب أيضا شدتنا أسطر تحمل امضاء صالح جغام وهي : «من كلمات المستمعين كنت أستمد طاقتي للعمل.. وكان صوتهم هو الصوت الذي أعيش على رنته وموسيقاه وصداه.. واليوم أنا أستعد لحمل حقائبي في سفر لا أعرف كم يطول وكم يقصر... أريد أن أقول لهم شكرا»... وهذه الكلمات بقدر ما هي اعتراف ضمني بالعلاقة الحقيقية بين الاعلامي وجمهوره بقدر ما فيها احساس بالسفر الأبدي... وقد سافر فعلا صالح جغام الى الأبد. صالح جغام ونجيب الخطاب : درس في التنافس في هذا الباب بالذات يقول حبيب : «رغم أنني لا أريد أن أتحدث عن هذا الموضوع بالذات لكن سأسمح لنفسي ببعض العموميات بخصوص علاقة أخي صالح بنجيب، فنجيب الخطاب كانت له مساحات تنشيط هامة في التلفزة ومع ذلك كان لا يريد ان ينجح غيره في الاذاعة.. وأذكر ذات مرة في أروقة الاذاعة قال له أنت بتلفزة كبيرة وأنا ب»ترنزيستور» صغير.. وسنرى النتيجة. والتنافس بينهما يترجمه حماس كل واحد منهماوحرصه على السبق وأذكر سنة 1991 عندما صدرت أغنية «من غير ليه» لعبد الوهاب تحصل نجيب على شريط منها من مصر.. ودعا أخي صالح ضيفا في برنامجه لا لشيء الا ليسمعه جزء من الشريط.. وكان أخي صالح لم يتحصل على هذا التسجيل وفي نفس اليوم كانت له حصة ليلية.. أشار عليه نجيب بأن يدعوه لحصته حتى يسمعه الجزء الثاني من أغنية «من غير ليه» وفعلا وافق صالح... وفي الاثناء قام باتصالاته بالقاهرة واستحضر في ساعات قليلة شريط «من غير ليه».. ودعا نجيب لحصته وعلى الهواء قال له هل جلبت معك شريط من غير ليه فأجاب نجيب طبعا.. فرد عليه احتفظ به لأنني سأسمعك أنا الجزء الثاني من هذه الأغنية. عموما نجيب كان يركز على الابهار والجمالية وكان ناجحا في ذلك وصالح كان يفهم هذه اللعبة لكنه لم ينخرط فيها نظرا لتوجهه.. وحتى في حصصهما المشتركة كان التباين واضحا في الاذواق على مستوى الاختيارات الموسيقية والضيوف. سابقة في الجرأة والوضوح يذكر حبيب عن صالح جغام ايضا بعض المشاكسات مع الصحافة سواء في الحوارات التي يجريها او في الرد على النقد الذي يوجه اليه... وفي سابقة أولى من نوعها نشر ذات مرة كشف لجرايته في أحد الحوارات التي أجراها معه الشاعر الصغير أولاد أحمد... وعن هذه السابقة يعلق حبيب جغام قائلا: «هذا ينم عن جرأة صالح.. هو من الذين لا يخجلون عندما يقول أنني لا أملك سيارة ولا بيت.. بالنسبة اليه أمر عادي... هو يريد ان يبرز ان جرايته لا تعكس مجهوده وتعبه ونجوميته.. وفي احدى حصص رؤوف كوكة أظهر على الشاشة فاتورة الهاتف وكانت كلفتها باهظة ولم يستطع تسديدها.. أخي صالح كان يطلب الفنانين في الخارج من البيت لإعداد منوعته». خصام حاد مع عادل إمام وبخصوص الحادثة الشهيرة بينه وبين النجم المصري عادل إمام يذكر حبيب شقيق صالح «أن عادل إمام جاء في احدى دورات أيام قرطاج السينمائية كضيف. واتفق مع أخي صالح على دعوته لبرنامج «يوم سعيد»... لكن عادل إمام استخف بالامر ولم يحضر حسب الاتفاق للأستوديو، كان يعتبر انه نجم وبرنامج اذاعي لن يضيف له شيئا. باختصار أخل بالموعد ولم يأت وبعد ان أنهى صالح الحصة توجه له الى النزل أين يقيم وشتمه وقال له اذا كنت أنت عادل إمام في مصر فأنا صالح جغام في تونس.. وقد سوّى وصالح الامر بينهما أحد العاملين في الجامعة العربية باعتباره صديق الطرفين.. وتقابلا في ما بعد وأنجزا حصة تلفزية كانت فريدة من نوعها». من صالح «إجرام» الى صالح «غرام» كتبت احدى الصحف مع كاريكاتور لصالح جغام تحت عنوان «صالح اجرام» لأنه كان ينشط سلسلة «ابحث معنا» للمخرج عبد الرزاق الحمامي. وقد تقدم بقضية ضد هذه الجريدة.. أما عبد المجيد بوديدح فقد كتب عن صالج جغام في جريدة «كل شيء بالمكشوف» صالح غرام لأنه كان يمرر أغاني الحب لعبد الحليم حافظ.. ومن الطرائف الاخرى ان احدى الجرائد انتقدت صالح جغام وقارنت بينه وبين رافائيلا كارا وبين التلفزة التونسية والتلفزة الايطالية.. فخاطب صالح جغام مديرها قائلا له : «يا سي فلان التلفزة التونسية ليس لها امكانيات التلفزة الايطالية.. وصالح جغام ليس له مؤهلات ومفاتن رافائيلا كارا». بشارة الخوري والمتنبي ومن الطرائف في المسابقات وفي مكالمات المستمعين.. حصلت مع احدهن بينما يمرر صالح جغام بعض الأبيات بصوت بشارة الخوري وكان يسأل عن الصوت فأجابت مستمعة بأنه صوت المتنبي.. فغضب غضبا شديدا.. ولم يتمالك نفسه. تذمر... فتفكير في العمل بالخارج بعد دخوله الاذاعة لقي صالح جغام بعض المصاعب خاصة من كيفية التعامل والتأقلم مع بعض العقليات في الاذاعة، ويقول حبيب جغام أن هذا مثبت في رسائل بعث بها الى أحد أفراد العائلة يخبره فيها انه قرر العمل بإحدى الاذاعات العربية... وقام بمساع للعمل بإذاعة القاهرة ووجه رسالته الى مديرها.. لكن عارضه في الفكرة بشدة عمه.. ورغّبه في مواصلة العمل الاذاعي بتونس صديقاه الشاعر أحمد اللغماني والسيد عبد العزيز قاسم.. هما كانا بالنسبة اليه خير دافع لمواصلة العمل بأكثر نشاط وعزم وبدأ بعدها يتحصل على مواقع أفضل في البرامج ومساحات التنشيط وفي قلوب المستمعين. صالح جغام يفاجئ العائلة في الاذاعة من دون ان تعلم العائلة بذلك، دخل صالح جغام ميدان الاذاعة وتفاجأت وسمعت بذلك لأول مرة عبر أمواجها كأي مستمع آخر يقول حبيب حغام في هذا الصدد : «كان دخول أخي صالح للميدان الاذاعي مفاجأة بالنسبة الى العائلة.. أذكر أن الوالد كان قد رسّمه في المعهد الفلاحي بسيدي ثابت على أمل ان يصبح مهندسا فلاحيا.. لكن في رمضان 1964 وبينما كنا حول مائدة الافطار ورفيقنا ككل العائلات التونسية وقتها المذياع.. واذا بصوت أخي صالح على أمواج الاذاعة يقرأ الاخبار ويقدم البرامج... وقد بهتنا للأمر.. ثم أعلمنا بعد ذلك أنه اختار العمل الاذاعي وأنه أجرى امتحانا ناجحا للدخول اليها.