يقول الحق سبحانه وتعالى : {حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين. فإن خفتم فرجالا أو ركبانا فإذا أمنتم فاذكروا الله كما علمكم ما لم تكونوا تعلمون} (البقرة/الآيتان 238239). بعد أن تحدث الخالق سبحانه تعالى حديثا مستفيضا في الآيات السابقة على هاتين الآيتين عن الطلاق وأحكامه وآدابه، أمر سبحانه وتعالى بالمحافظة على الصلاة وبالمداومة على طاعة الله، وبالملازمة لذكره عز وجل. ولعل السر في توسط هاتين الآيتين بين آيات الأحكام التي تحدثت عن الطلاق والعدة والرضاع والخطبة كمايقول الدكتور محمد سيد طنطاوي شيخ الازهر في تفسيره الوسيط للقرآن الكريم ان هذه الامور كثيرا ما تكون مثار تنازع وتخاصم وتقاطع بين الناس، فأراد القرآن بطريقته الحكيمة، وبأسلوبه المؤثر ان يقول للناس : ان محافظتكم على الصلاة، ومداومتكم على طاعة الله وذكره، كل ذلك سيعرض في نفوسكم المراقبة له سبحانه، والخشية من عقابه، وسيعينكم على ان قضاياكم التي تتعلق بالطلاق وغيره بالعدل والاحسان التسامح والتعاطف، لأن من حافظ على فرائض الله وأوامره، انصرفت نفسه عن ظلم الناس، وعاملهم معاملة كريمة حسنة، وقد بين القرآن في كثير من آياته ان المحافظة على الصلاة بخشوع وخضوع لله تعالى، وان المداومة على ذكره، والملازمة لطاعته كل ذلك من شأنه ان يمنع الانسان من الوقوع فيما نهى الله عنه، وقال تعالى : {اتل ما أوحي اليك من الكتاب وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر». وقال تعالى : {واستعينوا بالصبر والصلاة وانها لكبيرة الا على الخاشعين}.. وقال تعالى : {وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين}. فكأن الله سبحانه وتعالى يقول للناس : لقد أمرتكم بالمحافظة على الصلاة، وبالمداومة على طاعتي وذكري خلال حديثي عن أحكام كثيراما تكون هذه الاحكام مثار تنازع بينكم، وذلك لكي يحل التسامح والتواصل والتقارب محل التشاحن والتدابر والتجافي، لان من شأن المحافظة على هذه العبادات ان تهدي الناس الى أكمل الاخلاق والصفات. وقوله سبحانه : {حافظوا} من الحفظ بمعنى ضبط الشيء وصيانته عن كل تضييع، وهو خلاف النسيان، والخطاب لجميع المكلفين من أفراد الأمة. والمعنى : حافظوا يا معشر المسلمين والمسلمات على أداء الصلوات في أوقاتها بخشوع وخضوع واخلاص لله رب العالمين، وحافظوا بصفة خاصة على الصلاة الوسطى لمال لها من منزلة سامية ومكانة عالية. يقول الدكتور طنطاوي : لقد أمر الله تعالى عباده بالمحافظة على الصلوات بصفة عامة وافراد الصلاة الوسطى بالذكر تفخيما لشأنها واعلاء لقدرها من بين أفراد جنسها، والمسلم يكون محافظا على الصلاة اذا أداها في وقتها مستوفية لآدابها وسننها وشرائعها وخشوعها وكل ما يتعلق بها أما اذا قصر في شيء من ذلك فإنه لا يكون محافظا عليها تلك المحافظة التامة التي أمر الله تعالى بها. وفي قوله تعالى {حافظوا} تنبيه الى ان الصلاة في ذاتها شيء نفيس ثمين تجب المحافظة عليه. ولكن ما هي الصلاة الوسطى التي أكد الخالق عليها وحث على المداومة على أدائها في أوقاتها؟ للعلماء أقوال في المراد بالصلاة الوسطى التي أفردها الله تعالى من بين الصلوات.. فجمهور العلماء يرون انها واحدة من بين الصلوات الخمس المفروضة، وان الوسطى مؤنث الأوسط، اي الشيء المتوسط بين شيئين فالصلاة الوسطى هي الصلاة المتوسطة بين صلاتين الا انهم اختلفوا في تعيينها. فأكثر العلماء على ان الصلاة الوسطى هي صلاة العصر، لأنها تقع في وسط الصلوات الخمس، اذ قبلها اثنتان وبعدها اثنتان ولأنها وسط بين صلاتي النهار وصلاتي الليل فمعنى التوسط فيها واضح ولأنها مظنة التقصير لمجيئها بعد وقت الظهيرة الذي يكون في الغالب وقت كسل. وفضلا عن ذلك فقد صرحت بعض الاحاديث بأنها صلاة العصر وقد ساق الامام ابن كثير عددا من الاحاديث ومنها ما جاء في صحيح مسلم ومسند الامام احمد عن علي بن أبي طالب قال : قال رسول الله ص يوم الاحزاب : «شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر ملأ الله قلوبهم وبيوتهم نار» ثم صلاها بين العشاءين : المغرب والعشاء. وقال البعض من العلماء والمفسرين ان المراد بالصلاة الوسطى صلاة الصبح، وقيل صلاة الظهر، وقيل غير ذلك من الأقوال التي لا تبلغ في قوتها مبلغ قول القائلين بأنها صلاة الظهر. وقوله سبحانه : {وقوموا لله قانتين} مؤكدا لما قبله من المحافظة والمداومة على أداء الصلاة والقنوت : لزوم الطاعة مع الخضوع الخشوع : أي قوموا الى الصلاة مطيعين لله تعالى مؤيدين لها على وجهها الكامل في خشوع وخضوع واطمئنان. ومعنى قوله : {فإن خفتم فرجالا أو ركبانا} حافظوا على الصلاة في كل وقت وأدوها بخشوع واطمئنان فإن كان بكم خوف من عدو في حال الحرب او لسبب آخر من الأسباب، فصلوا راجلين اي ماشين على الأقدام، او راكبين على ركائبكم بإيماء، سواء وليتم وجوهكم شطر القبلة أولا. فالآية الكريمة تدل على شدة عناية الاسلام بشأن الصلاة، فقد أمر الله تعالى عباده بأن يحافظوا عليها في حالتي الأمن والخوف والصحة والمرض والسفر والاقامة.