وزير الشؤون الخارجية يلتقي نظيره اللبناني ونظيرته الجامايكية    في قضية تتعلق بتبييض الأموال: الإفراج عن رضا شرف الدين بضمان ماليّ    المترشحان زمال والمغزاوي يدعوان نواب الشعب الى رفض مشروع تنقيح فصول من قانون الانتخابات    منها إحداث مدينة الأغالبة الطبية بالقيروان: مجلس الوزراء يصادق على عدد من القوانين والأوامر    المنتدى المتوسطي للقضاء على الكربون...تونس ترسّخ مسار التنمية المستدامة    حزب الله ينعى القيادي محمد حسين سرور إثر غارة إسرائيلية على الضاحية الجنوبية    بطولة إفريقيا للأصاغر في كرة اليد ... المنتخب يخسر اللّقب    طقس الجمعة: ارتفاع في درجات الحرارة    حدث غير حياتي ...الممثلة سميّة السعيدي .. المسرح غيّر نظرتي إلى الحياة !    لثقافتك الشخصية .. خصائص الكلاسيكية... !    كلام من ذهب .. جميل راتب وثلاثة أشخاص أثروا في حياته !    مدينة مساكن .. أجيال أسسوا تاريخها وشيدوا حاضرها    خطبة الجمعة...المسؤولية أمانة عظمى    اسألوني    قريبا رقمنة مسار الأدوية    تونس الجميلة ..ولاية سيدي بوزيد...الشامخة الأبية... !    بن عروس: حجز طن من اللحوم البيضاء تعمد صاحبها الترفيع في أسعار البيع    إنجاز طبي لافت في المستشفى الجامعي الرابطة    اختتام مشروع "تراث" للكشافة التونسية: 25 ألف مشارك من الشباب استفادوا من هذا المشروع (مديرة المشروع)    بطولة قطر - يوسف المساكني هداف مع العربي امام الريان    عاجل: لجنة التحاليل المالية بصدد إعداد قائمة ثانية في التمويلات المشبوهة لذوات معنوية وأشخاص    وزير الخارجية يؤكد في نيويورك دعم تونس لجهود منظمة التعاون الإسلامي من أجل تحسين أوضاع المسلمين في أوروبا والإحاطة بهم    البنك الأوروبي لإعادة التعمير يتوقع أن يظل النمو في تونس عند 1.2 بالمائة    تونس تتّجه نحو تحيين التشريعات المتعلقة بتربية الكلاب والحيوانات الخطرة    رئاسية 2024: توجيه 5 إشعارات للتنبيه بمخالفات في ولاية تونس    ندوة علمية بجرجيس حول التنوع البيولوجي في خليج قابس وصيد الاسفنج    الرابطة الاولى.. الملعب التونسي ينتصر على نجم المتلوي    عاجل/ الجزائر تفرض تأشيرة دخول على المغاربة    بولت تنظم لقاء تشبيك يهدف لتعزيز الشراكات مع الشركات في تونس    السجن مع المنع من دخول الملاعب لمشجّع أهان لاعبا في اسبانيا    عاجل : العالم سيرى قمرين بسماء واحدة    قبلّي: حجز كمّيات من البطاطا وتحرير محاضر من أجل الزيادة في أسعارها    ديوان البحرية يدرس مشروع ربط السفن التجارية بالشبكة الكهربائية بميناء حلق الوادي للحد من الانبعاثات الغازية    عاجل - يهم التونسيين : جملة من الاجراءات لتخطي أزمة قطاع الدواجن    حيّ هلال: القبض على شخص ''نطر'' هاتف تلميذ    مدير عام الحي الوطني الرياضي يكشف عن حقيقة غلق ملعب رادس    في ديوان الإفتاء: إمرأة أوروبية تُعلن إسلامها    الزهروني القبض على نفر محل 43 منشور تفتيش ومحكوم ب 109 سنة سجن    معرض الرياض الدولي للكتاب ينطلق اليوم ودور نشر تونسية في الموعد    اهلي طرابلس الليبي ينهي التعاقد بالتراضي مع التونس شكري الخطوي    تونس: إنخفاض في أسعار تلقيح ''القريب''    يهم النادي الصفاقسي والترجي تأجيل انطلاق دوري ابطال افريقيا وكأس الكونفدراليه دور المجموعات لموعد جديد    حمة الهمامي يصدر كتابا جديدا من تقديم ميلانشون    لسبب غريب: إعدام 125 تمساحًا    حي هلال/ القبض على مرتكب عملية السرقة بالنطر لتلميذ بمحيط مدرسة إعدادية..    الطريق السريعة تونس-حلق الوادي: إصابة 7 ركاب في انقلاب سيارة نقل جماعي..#خبر_عاجل    العمران الاحتفاظ بنفرين أحدهما محل تفتيش من أجل ترويج المخدرات    بالأرقام: قيمة صادرات الأدوية في تونس    ايداع المتهم بالسطو على فرع بنكي في الوردية السجن..#خبر_عاجل    نظارات الواقع المعزز...مؤسس الفايسبوك يعلن عن تكنولوجيا المستقبل !    وزير الشباب والرياضة يؤدّي زيارة معاينة لملعب الشاذلي زويتن.    سليانة: انزلاق حافلة على متنها 25 تلميذا وتلميذة    بايدن وماكرون يطالبان إسرائيل ولبنان بتلبية الدعوة الدولية لوقف إطلاق النار    يوسف طرشون: 89 نائبا يؤيدون مقترح تعديل القانون الانتخابي    الجزائر تسلم الرباط 39 مغربيا    الولايات المتحدة تمول مبادرة شبابية لإكتشاف التراث الثقافي في القصرين    التيكتوكوز ''وحش الكون'' وبناتها في قبضة الامن    الارض تشهد كسوفا حلقيا للشمس يوم الأربعاء 2 أكتوبر 2024    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تجارة الفتاوى ..
نشر في حقائق أون لاين يوم 23 - 04 - 2013

أخيرا أفاق عثمان بطيخ مفتي الجمهوريّة من سباته الطّويل و أقرّ بعدم جواز "جهاد المناكحة" معتبرا فلسطين دون غيرها أرضا للجهاد دون أن يجرؤ على تحريمه صراحة في سوريا. هل كان غافلا عن الأحداث؟ ألمْ يكن مفتي الجمهوريّة على علم بأن العديد، بعضهم من بائعي الخُضر وبعضهم من أصحاب السّوابق وجلّهم لا يحسن القراءة والكتابة، قد اختصّوا باختصاصه و امتهنوا مهنته وأجازوا لأنفسهم حقّ الإفتاء ؟ لمَ لمْ يفتِ بعدم جواز فتاويهم ؟
خلافا لنسق النّمو الاقتصادّي و ظروف التّعليم ومستوى المعيشة وسلامة المواطنين، يشهد "مجال الإفتاء" ازدهارا لا يضاهيه إلا ازدهار تجارة كُتب عذاب القبر ورواجا لا يقلّ عن رواج حبوب الفياغرا. جميع المؤشّرات تبعث على الاعتقاد أنّ له مستقبلا واعدا في تونس. الافتاء صار قرِين الفُتوّة، وإذا القومُ قالوا من فتىَ خال الأئمة أنّهم معنيّون فلم يكسلوا ولم يتبلّدوا. بين عشيّة وضحاها أصبح الإفتاء من تفاصيل الحياة اليوميّة، أصبح المُحدّد والمرجعيّة.
الإفتاء، تماما كتجارة السّلاح وتجارة الزّطلة وتجارة التّهريب وعصابات العنف السّياسي ومِنح أعضاء المجلس التّأسيسي وغيرها من الظّواهر الثّوريّة الحديثة، تعامله السّلط بمبدأ "دعه يعمل، دعه يمرّ". يكفيها تشجيعا له أن توفّر له المستنقع اللاّزم حتّى يترعرع وأن تغضّ عنه الطّرف حتّى يكون متماسكا قويّ البنيان ساعة تدقّ طبول الحرب. إنّه العنصر الأخير من عناصر المعادلة.
الإفتاء سلطة تشريعيّة و قضائيّة موازية. إنّه لا يُحدّد فقط الجوانب الدّينيّة و الأخلاقيّة للمجموعة، بل هو اختزال دينيّ للقوانين الجزائية وقوانين المرأة والطّفولة والصّحافة وربّما كذلك، تعويضٌ لقوانين الطّبيعة بقدرته على تحديد منْ يحقّ له أن يحيا ومنْ يجب عليه أن يموت… إنّه باختصار، أخطر من أن يكون سَحقًا و تعويضًا للقوانين الوضعيّة. فهو باحتكاره النّطق باسم المقدّس، يُنصّب نفسه سلطةً مُطلقة تتجاوز رقعتها المنضوين في هذه المرجعيّة الدّينيّة.
قد يصعب أن نتخيّل أن يَحتكر الأئمّة سلطة القضاء وأن تندثر المحاكم. وقد يصعب أن نتخيّل أن تُسحب صلاحيّات التّشريع من السّلطة المُنتخبة لذلك ليختصّ بها "مجلس اسلامي أعلى" أو أن يكون هذا المجلس أشدّ بأسا من المحكمة الدّستوريّة. نعم، يصعب أن نتخيّل ذلك، ولكن هذه الصّعوبة لا تنفي المساعي الانزلاقيّة المُمنهجة والحميميّة لذلك. منذ وقت ليس بالبعيد، لم يكن من الممكن، بل كان من المستحيل أن نتخيّل مجموعات العنف السّياسي تشدّ أوزار رجال الأمن وتساهم معهم بما تيسّر من الرّكل والضرب والرّفس للمتظاهرين.
أثبتت الأحداث في تونس أنّ الثّورة هي فنّ الممكن و أنّ الإبداع الثّوري لبعضهم له القدرة على تجاوز جميع تحليقات الخيال. إن كان من الصّعب أن نتخيّل اندثار المحاكم، فمن الممكن جدّا أن نتوقّع يوما يجلس فيه المفتي إلى جانب القاضي وأن يتشاورا و يتبادلا الآراء حول القضايا والأحكام أو أن يُجبر القضاة على النّجاح في مناظرة من تنظيم كليّة الشّريعة و أصول الدّين.
لم لا ؟ السّلطة التّنفيذيّة تنازلت عن جزء كبير من مهامها لفائدة الجماعات الدّينيّة ولم يعد الأمن مجال اختصاص رجال الأمن ولم تعد القوات المسلّحة حكرا على أجهزة الدّولة فما الذّي يمنع السّلط الأخرى من ذلك؟ لا يمكن أن يكون ذلك صدفة أو انفلاتا لا يخضع للسّيطرة. إنّه خيار مدروس ونفس هذا الخيار هو الذّي يَرعى الآن رويدا رويدا تعويض سلطتيّ القضاء والتّشريع بسلطة الفتاوى. و مثلما ترك أولو الأمر منّا الحبل على الغارب لعصابات الشُرَطة (بفتح الرّاء) يتركونه الآن لمحترفي الإفتاء.
هذا الخيار المدروس هو الخطر الأكبر على العقد الاجتماعي. إنّه الأداة للإطاحة به تمهيدا لحرب الفتاوى.
** انيس منصوري جامعي تونسي مقيم بباريس


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.