حكايتي بهم بدأت في تفقدية الشغل عندما جاء أعضاء نقابتهم الأساسية لحضور جلسة مع العرف. كانت وجوههم مفعمة بالأمل وعيونهم تتقد إصرارا على المطالبة بحقوقهم لكن لم يكونوا أبدا يتوقعون الغدر... جلسنا مع العرف وأخذنا منه وعودا كثيرة بتسوية وضعية العمال وتسديد ما عليه لهم تحاورنا حول عدد من المطالب وتعهد العرف بتسوية كل ذلك في أجل أقصاه الأسبوع الأول من شهر جانفي. ساءلناه كما سبق وساءلته ممثلة تفقدية الشغل عما يتردد من العزم على تغيير اسم المؤسسة فلم ينف ولم يقطع كليا. بعد أسبوع رجعنا لنجلس معه في تفقدية الشغل بناء على طلب تغيير اسم المؤسسة، ومعنا مستندات من الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي تحمل أشهرا وسنوات للعمال لم يقع خلاصها ونحمل كل ما تعهد به العرف في الجلسة الفارطة ولم يسدده، نحمل أيضا ملفات عالقة تتعلق بحقوق المتعاقدين في ظل تمديد عطل العمال، نحمل معنا الكثير من الموقوفين عن العمل بموجب وبدون موجب، نحمل معنا معاملة مهنية سيئة وتجريح مستمر للكرامة وترهيب وتجاوزات قانونية وتلاعب بحقوق العمال في التوقيت والأجر.. الجلسة حضرها الممثل القانوني للشركة وقد عبّر عن الكثير من الانفعال والتوتّر منذ بدأت الجلسة لم نستطع أن نتّفق حول أي نقطة وأمام إصرارنا كطرف نقابي على عدم تغيير اسم المؤسسة إلا في حالة تسوية كل ديون الشّركة القديمة دياناتكس في حقّ العمّال ثارت ثائرة الايطالي وغادر القاعة غير محترم للطّرف النقابي. وما كان أمامنا إلا الاستماتة في الدفاع عن حقوق العمال وان نقرر الاعتصام أمام مؤسسة أغلقت أبوابها أمام من بذلوا أعمارهم من اجلها وتحمّلوا من العرف المهانة والاستغلال وسوء المعاملة حدّ السبّ والشّتم وهتك الأعراض خوفا من الجوع والفاقة وقلّة ذات اليد وغدر الزمان. في يوم الاعتصام طلبت منا تفقدية الشغل العودة للتفاوض مع العرف من جديد من أجل مصلحة العماّل. لكنّنا فوجئنا كما فوجئت بأنّ شركة دياناتكس قد أعلنت إفلاسها بمقتضى حكم من المحكمة منذ 22 ديسمبر والعرف مازال يتحيّل ويطلب يوم 30 ديسمبر لأسباب اقتصادية إخراج العملة في عطلة، وهو تحيّل بائن. بل يأتي ويريد أن يجلس معنا ولا صفة قانونية لديه. أجّلت الجلسة للمساء والعمال في اعتصام تمسّكنا معهم بحقّهم جميعا: متعاقدين ومترسمين في العودة بأقدميتهم إلى المؤسسة التي قرر تغيير اسمها. لكنّ الممثل القانوني للشركة أبدى استعداده لقبول المترسمين فقط فلا شأن له بمتعاقدين يتجاوز عددهم المائة أفنوا أعمارهم في خدمة المؤسسة، شغف أصحابها بتغيير اسمها كل أربع سنوات بل بأكثر دقة قبل انتهائها بأسبوع تهربا من ترسيم العمال إذا بلغوا الأربع سنوات وفيهم من زامنوا لعبة التغيير بكل مراحلها (عشر سنوات أقدمية). هكذا وجد العمال أنفسهم في الشارع وكما وقع التلاعب بكرامتهم وحقوقهم طيلة سنوات وقع التلاعب والتحيل على خبزتهم ليقذف بهم غدرا نحو التجويع والبؤس. لهذا هم هنا أمام مصنعهم بقدر ما يضحكون يتألمون أصوات الحق فيهم مرتفعة متضامنون ملتفون حول بعضهم البعض: مترسمين ومتعاقدين حتى أصابوا عرفهم بالدهشة من صمودهم فقال لهم: »أحنا كنا هكذا؟« لكن الجائع والمظلوم قد يباغت حتى نفسه أحيانا عندما يتعلق الأمر بالخبز والكرامة معا... أكثر من أسبوع مرّ على اعتصامهم وهم يهتفون باسم الاتحاد العام التونسي للشغل كنا معهم بذواتنا وقلوبنا وأصواتهم مرتفعة تنادي ضد الطرد والاهانة. تمتعنا معهم برفع الشعارات كما تمتعنا معهم بسماع أم كلثوم وقراءة الشعر اكتشفنا فيهم مواهب وطاقات شبابية متعددة وتعلمنا معهم كم يكون المطالب بالحق أصدق عندما يكون دون كلفة ولا تعقيد. اكتب هذه السطور وهم في نضال ونحن ننتظر معهم: ما ستتمخض عن الجلسة مع ممثلي مؤسساتهم في مقر ولاية بن عروس. وكثيرة هي الجلسات لكنها ليست بقدر كثرة مشاكل العمال في بلدنا وكثرة أشكال استغلالهم والتلاعب بحقوقهم. ويبقى مع ذلك السؤال الأكثر شرعية: إلى متى تظل حقوق العمال أمام ثغرات القانون موكلة فقط إلى ضمائر المستثمرين الأجانب في حضور الغياب خصوصا إذا كانوا أجانب؟