انطلق هذا الأسبوع الحوار الشامل مع الشباب وقد تجنّدت له كل القوى الحيّة بالبلاد من أجل إنجاحه. ويمثّل هذا الحوار الذي سيجوب أرجاء الوطن كافة فرصة مهمّة لمعرفة كيف يفكّر الشباب؟ ماهي حاجياته في المرحلة الحالية والقائمة؟ لماذا يعزف عن المشاركة في الحياة السياسية والجمعياتية؟ كيف يمكن أن نحميه من أشكال التطرّف والتعصب؟ إنّ قرار الرئيس زين العابدين بن علي تنظيم هذا الحوار الشامل مع الشباب ووضوح رسالته إلى شباب تونس يؤكد أنّ رئيس الدولة يدعو الشباب إلى المصارحة والمكاشفة حول كل ما يعتريه من خوف من الحاضر ومن المستقبل... وفي رسالة رئيس الدولة مصارحة بأنّ المرحلة القادمة تستوجب «رؤية واضحة» عن الشباب و»التزاما» حقيقيا بين القوى الحيّة لتشريك الشباب في الفضاءات كافة. والمصارحة والمكاشفة تحتاج إلى الجرأة والصدق في الطرح من أجل «تونس أولا»، فحقيقة الأمور أنّ الشباب التونسي في فترة الألفية الجديدة يعيش عدّة تناقضات وصعوبات مرتبطة بالواقع العالمي المتسّم بسرعة المتغيّرات الاقتصادية والاجتماعية وبروز هجمة شرسة على الهوية العربية واستعمار جديد للعراق واحتلال متواصل لفلسطين ومتاعب متزايدة للعديد من البلدان العربية. هذه الظروف العالمية تؤثر في البنية الفكرية للشباب التونسي اضافة الى قضايا وطنية أخرى سنسردها تباعا. فالشباب اليوم يواجه عدّة صعوبات حول اثبات الذات في واقع شغلي صعب ومعقد للغاية. فعدد الطلبة اليوم فاق ال 300 ألف طالب وهم يفكّرون في مآلهم ما بعد التخرّج، لكن واقع الشغل الحالي ببلادنا مازال غير مساير لتدفّق المتخرجين في الجامعات التونسية. صحيح أنّ الدولة كوزارات وهياكل أقرّت تشجيعات كبيرة للمؤسسات لتشغيل أصحاب الشهائد العليا لكن هل سايرت هذه المؤسسات التمشّي العام؟ لنقر اليوم أنّ مؤسسات القطاع الخاص لم تكن مساهمة في تشجيع الشباب العاطل عن العمل والمتخرّج في الجامعة التونسية على الإنصهار ضمن المنظومة نتيجة تفشّي ظاهرة مرونة التشغيل التي لا تضمن الاستقرار الاجتماعي للشاب التونسي. واليوم ونحن على أبواب المفاوضات الاجتماعية للقطاع الخاص يواصل أصحاب العمل استهانتهم بالشباب عندما يقترحون ضمن مطالبهم أنّ فترة التجربة يجب أن تمتدّ إلى 8 سنوات عوضا عن 4 سنوات في حين أنّ الاتحاد العام التونسي للشغل يطالب بأن تقتصر فترة التجربة على سنتين فقط. هل يعقل إذن أن تتواصل تجربة عامل مختص لديه شهادة عليا من جامعة تونسية مدّة ثماني سنوات؟ كيف يمكن أن نضمن الاستقرار الفكري والاجتماعي للشباب التونسي بهذا المقترح؟ وأواصل الحديث عن دور المشرّع التونسي، في تعزيز غياب الاستقرار الفكري والاقتصادي والاجتماعي للشاب، عندما يقرّ مبدأ مرونة التشغيل واعتماد عقود شغل مرنة لا توفّر الحماية لهذا الشباب من أجل موقع عمل قار ومحترم وبأجرة قانونية، فهل يعقل أن يشغّل القطاع الخاص شبابا متخرّجا بأجور زهيدة تقارب في أغلب الأحيان أجرة «السميقار»؟! أين متابعة هياكل الدولة للمؤسسات التي استفادت من الهبات والقروض المالية والاعفاءات الجبائية لتشجيعها على التشغيل؟ إنّ ما نلاحظه أنّ هذه المؤسسات المستفيدة تستغل هذه الاعفاءات والامتيازات بانتداب شباب ثمه قبل الوصول إلى الأربع سنوات يتمّ طردهم وهو ما يخلق واقعا أكثر مرارة للشباب وقد يضطرهم للتوجه نحو الهجرة المنظمة أو الهجرة السرية أو السلفية أو الانحراف أو الهروب من الواقع للدخول في عالم الروحانيات أو البحث عن طرق سهلة عبر الرشاوى أو الوساطات!! ما أسرده هو من صميم واقعنا الشبابي التونسي الذي وجد اليوم فضاءً للتعبير عن هذه الآراء من خلال الفرصة التاريخية التي أتاحها له الرئيس بن علي الذي دعاهم للجرأة والصراحة وهو ما تحتاج إليه المرحلة المقبلة. على صعيد آخر، مازالت مشاركة الشباب في الحياة السياسية والجمعياتية ضعيفة حيث أبرزت احصائيات أخيرة للمرصد الوطني للشباب أنّ 83 من الشباب لا يهتمّ بالسياسة و73 لا يشاركون في المواعيد الانتخابية و64 لا تعنيهم انتخابات الجمعيات والمنظمات الوطنية!! هذه الأرقام لها دلالات سلبية على موقع الشباب في الحياة السياسية.. وإنّ حمايتهم من مظاهر التطرف والتعصّب تتطلّب البحث عن الأسباب الحقيقية للعزوف، والتساؤل إن كانت البطالة أو مرونة التشغيل هي أحد الأسباب؟ ألا يُوجد صدّ من القيادات داخل الأحزاب والمنظمات حفاظا على مواقعها وامتيازاتها دون التفكير في ضخّ دماء شبابيّة جديدة داخل مواقع القرار؟! ألا يمكن للدولة أن تبادر بتمكين اطارات عليا شابة من أخذ زمام المبادرة داخل الادارة التونسية وصلب مواقع القرار السياسي لأجل خلق نفس شبابي جديد؟ ألا يوجد خوف كبير داخل العائلة التونسية من انضمام أبنائها إلى العمل السياسي والجمعياتي ممّا قد يقلّل من فرص حصولهم على موقع اجتماعي أو قد يؤثر على العائلة ككل وبالتالي نعمل بمقولة «أخطى رأسي وأضرب»؟! إنّ هذه الأسئلة تتضمّن بطبيعتها أجوبة من واقعنا التونسي.. وإنّ مبادرة الرئيس بن علي اتسمت بالجرأة وبالصدق تجاه الشباب الذي عليه اقتناص الفرصة للتعبير بكل حرية ودون خوف.. فلنمكنه من الفضاءات ولنبحث عن مواقع الخلل لأنّ البطالة والعزوف عن الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية قد ترمي بشبابنا في مستقبل غير معلوم وهو ما وعد به الرئيس بن علي. إنّ هذا الحوار الشامل الذي يترأس لجنته الوطنية الأستاذ الصادق شعبان حوار محمود خصوصا أنّ الأستاذ الصادق شعبان عرف بجرأته في طرح الملفات ولامس ذلك في ندوته الصحفية عندما دعا الشباب إلى الانخراط في نشاط المنظمات والأحزاب والاهتمام بقضايا المجتمع المدني حتى لا تبرز على الساحة رموز وسلوكيات ومظاهر دخيلة على المجتمع التونسي قد يكون شباب الغد غير قادر على احتوائها وغير محصّن ضدّها. مثل هذه الاشارات تؤشر إلى نقاط ايجابية على أنّ الحوار سيكون صريحا والأهم أن تعي كل القوى السياسية والاجتماعية أنّ الشباب يريد أفعالاً وليس أقولا.