تضارب الأنباء بشأن مصير حسن نصر الله بعد 'هجوم الضاحية'    عاجل/ رئاسة الحكومة تقر هذه الإجراءات..    المكنين: الاحتفاظ بنفر من أجل محاولة القتل العمد    زغوان: انطلاق الدورة 34 للمهرجان الجهوي لنوادي المسرح بدور الثقافة ودور الشباب والمؤسسات الجامعية    البرلمان يصادق على تنقيح بعض أحكام القانون الانتخابي    هيئة شبيبة العمران تهدّد بالإنسحاب من مباراة النادي الصفاقسي    سيدي بوزيد : حجز كمية من الحليب غير صالح للاستهلاك    القبض على 15 عنصرا تكفيريا محل مناشير تفتيش في مختلف ولايات الجمهورية    ليل الجمعة.. سحب بأغلب الجهات تكون محليا كثيفة بالمناطق الغربية    مكتب الرابطة يسلط عقوبات مالية على 3 فرق    حمدي بن عربية إبن أحمد بن عربية في ذمّة الله    عاجل/ غدا السبت: أمطار رعدية مصحوبة برياح قوية في هذه الجهات    الحمامات: الاحتفاظ ب 3 أشخاص من أجل تعاطي الرهان الرياضي    العاصمة: الاطاحة بأحد أخطر مروجي الخمور بهذا الحي    نتنياهو امام الامم المتحدة: "لا مكان في إيران لن تطوله أيدينا.. ولن تملكوا النووي"    قابس : الاحتفال باليوم العالمي للسياحة    كيف أعرف لون عيون طفلي    عاجل : مونديال الأندية 2025 مهدد بالإلغاء    الرابطة الأولى: النادي الصفاقسي يستعيد خدمات أبرز ركائزه في مواجهة شبيبة العمران    النادي البنزرتي: تنقيحات بالجملة في القانون الأساسي    تصفيات الكان: تغيير ملعب مباراة تونس وجزر القمر    عالم السحرة يفقد أسطورة التمثيل ماغي سميث    ماهي القنوات الناقلة لمباراة الأهلي والزمالك في كأس السوبر الإفريقي ؟    مؤشر الابتكار العالمي 2024..من حصد المرتبة الأولى عربيا ؟    لأول مرة بمستشفى مدنين.. استعمال حقنة "توكسين بوتوليك" لفائدة مريض بشلل نصفي    غدا.. خيمات بيطرية مجانية لتلقيح الكلاب والقطط    في أوّل مجلس وطني منذ نشأته: اتحاد الكتاب التونسيين يقرر استراتيجية عمل جديدة    تحفيزا للنمو: الصين تسعى لدعم السيولة النقدية    لجنة المالية تقرّر الاستماع إلى وزيرة المالية    الكاف: اتحاد الفلاحة يطالب المزوّدين بتوفير مستلزمات الموسم    مدنين: لقاء حول "درع جربة" ضمن مشروع "ماكلتي تونسية"    تكريم المسرحي السعودي ابراهيم العسيري في المهرجان الدولي للمسرح وفنون الخشبة بالمغرب    نائب بالبرلمان: "لا مانع من تعديل القانون الانتخابي حتى يوم الانتخابات نفسها"    تفكيك العبوات التي تستهدف جيش الاحتلال..السلطة الفلسطينية في خدمة إسرائيل!؟    الصغيري: مجلس القضاء المؤقت عبّر عن رفضه تعديل القانون الانتخابي    مهرجان الإسكندرية المسرحي : تتويج مسرحية تونسية    معاناة إنسانية كارثية في قطاع غزة    الحماية المدنية 471 تدخل منها إطفاء 40 حريق    قابس: تقدير صابة الزيتون لهذا الموسم ب70 ألف طن    القطاع البنكي التونسي: تماسك مالي يعزز الاستقرار الاقتصادي    في السعودية: وزارة الصحة تقدّم تلقيح ''القريب'' في المنازل    الرابطة الأولى: برنامج وحكام الجولة الثالثة    عام 2100: وضع المناخ مخيف وهذا ما ينتظر البشرية...    عاجل : صاحب أغنية ''كأس العالم 2010 '' الشهيرة متهم بالاعتداء الجنسي    مجلس الوزراء يوافق على عدد من مشاريع المراسيم والقوانين والاوامر    قربة: العثور على شخصين سقطا في حفرة عميقة...أحدهما على قيد الحياة    تفاصيل : الشركة التونسية للشحن والترصيف تتسلم معدات جديدة    تونس تعاني نقصا في أدوية السرطان    وزير الشؤون الخارجية يلتقي نظيره اللبناني ونظيرته الجامايكية    رغم الانتقادات اللاذعة.. تنفيذ ثاني إعدام بالنيتروجين في تاريخ الولايات المتحدة    وزير خارجية لبنان يدعو لتطبيق المقترح الأمريكي الأوروبي لوقف إطلاق النار بشكل فوري    هذا موعد انطلاق حملة التلقيح ضد 'القريب'    خطبة الجمعة...المسؤولية أمانة عظمى    اسألوني    مدينة مساكن .. أجيال أسسوا تاريخها وشيدوا حاضرها    في ديوان الإفتاء: إمرأة أوروبية تُعلن إسلامها    مدير عام وكالة الدواء: سحب كميات من المضاد الحيوي "Augmentin" اجراء احتياطي ومتبع في كل دول    الارض تشهد كسوفا حلقيا للشمس يوم الأربعاء 2 أكتوبر 2024    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



معنى النصر والهزيمة في حروب اسرائيل
تقرير فينوغراد: ماجد كيالي
نشر في الشعب يوم 23 - 02 - 2008

اثارت الجدالات الحاصلة، بشأن تقرير فينوغراد، مجددا التساؤل عن معنى النصر والهزيمة في القاموسين العربي والاسرائيلي، اذ ان غالبية ردود الفعل العربية (السياسية والاعلامية) رأت ان هذا التقرير بمثابة انتصار للعرب، او تأكيد لغلبتهم على اسرائيل.، في نظرة مبسطة ورغبوية ومتسرعة للأمور.
اثارت الجدالات الحاصلة، بشأن تقرير فينوغراد، مجددا التساؤل عن معنى النصر والهزيمة في القاموسين العربي والاسرائيلي، اذ ان غالبية ردود الفعل العربية (السياسية والاعلامية) رأت ان هذا التقرير بمثابة انتصار للعرب، او تأكيد لغلبتهم على اسرائيل.، في نظرة مبسطة ورغبوية ومتسرعة للأمور.
وقد تناسى اصحاب وجهة النظر هذه أن من اصدر التقرير المذكور هو الطرف الاسرائيلي بالذات، ما يشكل نقطة تفوق وتميز له، وان هذا النصر ليس له تعبيرات او تمثلات سياسية ملموسة على الارض، وانما هو مجرد انتصار معنوي (لا نقلل من اهميته) بالقياس لموازين القوى والحروب العربية الاسرائيلية، التي كانت جد محبطة ومخيبة للآمال والتوقعات.
وفي كل الاحوال فقد فات وجهات النظر هذه ان اسرائيل باصدارها هذا التقرير، الذي تعين فيه اسباب اخفاقها في حرب لبنان (تموز 2006) انما تمارس نوعا من التحدي للعرب في طريقة رؤيتهم للمسائل، وفي رفضهم الاعتراف بتقصيراتهم، وممانعتهم للروح النقدية المسؤولة. كما يمكن القول ان اسرائيل باصدار هذا التقرير انما تمارس نوعا من الاستعلاء على العرب، فهي لا تخشى البتة ثغراتها ونواقصها في النقاش العلني، وحتى لو كان الامر يتعلق بقضايا تمس أمنها القومي و «قدس الأقداس» بالنسبة لها وهو الجيش؛ في حين ان العرب يراوغون بالكلمات بشأن نتائج حروبهم مع اسرائيل، وخساراتهم امامها، برغم الفارق الكبير في الامكانيات (المساحة وعدد السكان والموارد).
فوق كل ما تقدم فان الغاية من هذا التقرير (وبالاصح الدراسة)، بالنسبة لاسرائيل (وغيره من التقارير)، انما تتعلق بتحديد المسؤولية عن بعض القرارات العملياتية غير الصائبة، التي جنح اليها الجيش الاسرائيلي، كالمبالغة بالتعويل على القوة الجوية لحسم الحرب ضد حزب الله، او مثل الزج بقوة برية غير مناسبة في الحرب في مراحلها الاخيرة، وفي التخبط في اصدار القرارات بين المستويين السياسي والعسكري. كما تتعلق بكيفية تقوية الجيش الاسرائيلي، وتمكينه من تجاوز نقاط ضعفه، التسليحية واللوجستية والعملياتية.
والغرض من هذا التقرير / الدراسة ليس ابداء النقد فقط او تحميل المسؤولية لأشخاص معينين في لعبة التصارع على النفوذ والسلطة (كما لدينا)، وانما اعادة بناء الجيش، وتأهيله كي يكون اكثر قوة في مواجهة التحديات الجديدة، او اعداده لتحقيق النصر في الحروب القادمة كما جاء في التقرير حرفيا.
هكذا فان النصر والهزيمة في القاموس العربي السائد يقصر في الاحاطة بالواقع، وبدلا من الاحتفاء بالتقرير والتشفي باسرائيل والشماتة بجيشها، ينبغي التحول نحو الاحاطة بالمخاطر التي يطرحها مستقبلا في المنطقة وتبين المغزى الحقيقي له، ولغيره من التقارير والدراسات التي تصدرها مراكز الابحاث الاسرائيلية، المتخصصة والمهنية والمسؤولة، والتي تكاد الساحة العربية تفتقد لمثيلاتها ويكفي ان نذكر هنا ان اسرائيل تنفق ما مقداره 5.3 بالمائة من ناتجها القومي على البحث والتطوير وهو مبلغ يعادل 5 مليارات من الدولارات، وهو ضعف ما بنفقه العالم العربي. كما ان صلة هذه المراكز بصانع القرار جد عضوية، ووثيقة، في حين ان صلة مراكز الابحاث في بلداننا العربية بأصحاب القرار تكاد تكون مقطوعة، ان لم تكن مشوبة بنوع من الاستخفاف والاستهتار (وياللأسف).
وأهم من كل ذلك ان بعض المهللين بالتقرير والذين رأوا فيه تأكيدا لوجهة نظرهم بشأن هزيمة اسرائيل في حرب تموز / يوليو (2006)، لم يمعنوا جيدا في تفحص صحة هذا الاستنتاج على الارض. فمن البديهي ان اسرائيل لم تستطع القضاء على حزب الله، وانها لم تستطع تحرير الجنديين الاسيرين، وقد أخفقت من الناحية العملياتية في صد صواريخ حزب الله، كما تخبطت في المعارك البرية، بحيث شكلت هذه الحرب إخفاقا للجيش الاسرائيلي، بالقياس للحروب السابقة.
لكن مع اهمية كل ما تقدم فان هذا الوضع، والاحتفاء به، ينبغي ان لا يصرفنا عن التعامل مع هذه الحرب بمسؤولية عالية، وبروح نقدية مناسبة، تتناسب والتضحيات التي قدمت فيها.
وفي الواقع فان اسرائيل في هذه الحرب حصدت مكاسب سياسية استراتيجية (رغم اخفاقاتها العسكرية ضمنها):
1 اعتراف حزب الله مجددا بالخط الازرق، اي بأن حدود مقاومته للعدو الاسرائيلي تتوقف عند حدود لبنان، او عند استرجاع مزارع شبعا وتحرير الاسرى اللبنانيين من السجون الاسرائيلية، والرد على الاعتداءات التي قد يقوم بها الجيس الاسرائيلي ضد لبنان، وواضح من هذا الامر ان ذلك انكفاء للدور المفترض لهذه الحزب في مقاومة وجود اسرائيل، باعتباره يرى ان ارض فلسطين وقفا اسلاميا، وان اسرائيل دولة غير شرعية في المنطقة (دينيا وقانونيا).
2 لقد اضطر حزب الله لايقاف هذه الحرب الى الانصياع، ولو الاضطراري، لقرار مجلس الامن الدولي (1701 12/8/2006)، الذي يقضي ببسط سلطة الدولة على اراضيها كاملة، من خلال قواتها المسلحة الشرعية (وكان يرفض ذلك سابقا)، بحيث لا يعود هناك وجود لسلاح من دون موافقة الحكومة اللبنانية وسلطة غير سلطة الحكومة اللبنانية.
3 اضطر لبنان (ومعه حزب الله) بعد الحرب المذكورة للموافقة على نشر قوة دولية مسلحة تابعة للأمم المتحدة، بحيث بات ثمة حاجز دولي بين مقاومة حزب الله واسرائيل.
4 اضطر جزب الله للالتزام بوقف العمليات الحربية بموجب قرار مجلس الامن الدولي (اي ايقاف المقاومة) بما في ذلك التراجع حوالي 20 كلم داخل الاراضي اللبنانية، لفسح المجال امام الجيش اللبناني والقوة الدولية.
5 وأخطر وأهم من كل من ما تقدم ان هذه الحرب أدت الى خلخلة وضع لبنان، الدولة والمجتمع، فلم يعد لبنان موحدا حتى ولو بالنسبة لفترة ما قبل الحرب. وفوق ذلك فان مقاومة حزب الله التي انكفأت في مواجهة اسرائيل، كما تبين معنا، باتت غارقة في مشكلات السياسة اللبنانية.
ومعلوم ان هذه الحرب، التي استمرت طوال ثلاثة وثلاثين يوما (12/7 14/8/2006) تضمنت 15 الف غارة جوية اسرائيلية، أدت الى مصرع اكثر من الف من اللبنانيين، واصابة عدة ألوف منهم باصابات متفاوتة، وهدم وتخريب 15 الف منزل، عدا المؤسسات العامة والمرافق والمصانع، كما ادت الى نزوح حوالي مليون من اللبنانيين من مناطق سكناهم، اما اجمالي الخسائر، المباشرة وغير المباشرة، فقدرت بحوالي 5.9 مليارات من الدولارات، وهو ما يشكل 40 بالمائة من اجمالي الناتج القومي للبنان.
أما على الصعيد الاسرائيلي، فقد كانت خسائر اسرائيل معنوية على الاغلب، وسياسية الى حد ما، أما من الناحية المادية فقد ادت هذه الحرب الى مصرع حوالي 160 اسرائيليا (ضمنهم 117 من العسكريين)، بمعنى ان 39 اسرائيليا من المدنيين سقطوا جراء القصف الصاروخي (حوالي 3970 صاروخا) من قبل حزب الله، والذي استهدف المستوطنات والبلدات الاسرائيلية، اما عدد الجرحى فبلغ خمسة الاف، وقد تضررت جراء القصف الصاروخي حوالي 12 الف شقة. وبالاجمال فقد قدرت الخسائر الاقتصادية الاسرائيلية بحوالي 7.5 7 مليارات من الدولارات)، وهو ما يشكل نصف موازنة الدفاع الاسرائيلي، وحوالي 6 7 من اجمالي الناتج القومي الاسرائيلي. (يديعوت أحرونوت 15/8/2006).
يستنتج من ذلك ان هذه الحرب كانت حرب خاسرين، بالنسبة للطرفين، مع ملاحظة ان الخسارة المادية والبشرية والسياسية الاكبر كانت من نصيب لبنان. اما بالنسبة للتقرير فمن الواضح انه تعبير جديد عن استمرار اسرائيل في تحدي الواقع العربي، في الرؤية والارادة، فإلى متى يبقى هذا الواقع قاصرا عن مواجهة هذا التحدي؟!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.