على إثر المقال اللاذع وشديد اللهجة الموجّه إلى الجامعة العامة للتعليم العالي والبحث العلمي والذي أمضاه السيد جمال الدين الشيشتي تحت عنوان الموعد المهدور ونشرته جريدة «لابراس» يوم الأحد 8 أفريل 2007، نرى من اللزام علينا الرّد عليه لإنارة القرّاء، خصوصا وأنّ الأمر يتعلّق بمسألة ذات بعد وطني وأن الجريدة المذكورة سكتت عن الندوة الصحفيّة التي نظّمتها الجامعة العامة للتعليم العالي والبحث العلمي عشية يوم الثلاثاء 3 أفريل2007 بل تنكّرت لحق الرّد الذي تقرّه مجلّة الصّحافة، ضاربة عرض الحائط واجبها في معالجة موضوعيّة ومتوازنة للمعلومة. 1) لقد أهدر كاتب المقال موعده مع الأخلاقيات الجامعيّة بعد كيله الشتائم لزملائه وإخلاله بالموضوعيّة وبالنقاش المتعارض وبقيم التسامح والإحترام التي تميّز الجامعي. ومرّة أخرى، ينتصب مؤتمنا مكلّفا بحمل المبخرة لمطاردة الأرواح الشيطانيّة التي كانت سببا في الإضراب الإداري سنة 2005 وتوبيخ أعضاء بما يسميهم «القوّة الزائفة الأقلية» و «الستالينية» التي نظّمت إضراب 5 أفريل 2007 لم يكن الإضراب الإداري الذي قام به الجامعيون إخفاقا نقابيا كما زعم ذلك الكاتب ولكنّه كان حقا إخفاقا للتصوّر «القهري» الذي تبرّأ منه رئيس الدّولة بإلغائه حجز المرتبات الذي أقدمت عليه وزارة الإشراف. وإن لم يقم بإضراب 5 أفريل سوى 9،8 من الجامعيّين كما تزعم الوزارة فلم كلّ ذلك العنف اللفظي وذلك التشنّج المفرط والمثلب؟ وهل للكاتب أن يفسّر لنا أسباب حالة الإستنفار التي وضعت فيها مختلف الإدارات وممارسة التخويف إزاء الشبان من الزملاء وصنصرة البيانات النقابيّة؟ أفلا تكمن «المغالاة» و «فرط الحساسية» و «زيف الرّأي» في لهجة الكاتب وألفاظه القذيعة التي تفنّد دعوته «للحوار التوفيقي والبنّاء» والتي لا تتناسب مع نسبة 9،8 التافهة التي أعلنتها وزارة الإشراف؟ إنّ الحقيقة التي يعرفها الجميع، وبالخصوص السلطات السياسيّة والإداريّة العليا، هي أنّ80 من الجامعيّين القارّين العاملين في المؤسسات التي تضم هياكل نقابيّة والتي تمثّل أغلبية المدرّسين من بنزرت إلى جربة قامت بإضراب 5 أفريل بعزم ومسؤوليّة .ورغم الضغوط العديدة وحملة التشويه الإعلامي والإخافة، غير القانونيّة، على شبكة الأنترنت، فقد قام الجامعيون التونسيّون بذلك الإضراب الذي بذلت الجامعة العامة للتعليم العالي والبحث العلمي، عبثا، قصارى جهدها لتفاديه، من خلال إلحاحهاعلى إعادة فتح التفاوض بضعة أيام قبل شنّه. لقد أضرب الجامعيون من أجل مطالبهم المشروعة المعنويّة منها والماديّة والمتعلّقة بالخصوص بحقّهم في الإستشارة حول مراجعة قوانينهم الأساسيّة وحول القانون الإطاري للتعليم العالي والترفيع في مقدرتهم الشرائيّة التي ما فتئت تتدهور والتي هي دون ما هي عليه في بلدان أقلّ نموا من بلدنا. كلّها مطالب مهنيّة صرفة سينتفع بها كلّ الجامعيين في صورة تلبيتها، مضربين كانوا أو غير مضربين بل وحتى أولئك الجامعيين من أمثال السيد الشيشتي، وعددهم من حسن الحظ ضئيل، الذين ينصحون بالتخلي عن الحقوق ويغتنمون لحظات التوتّر تلك لضرب النقابيّين ومنظّمتهم .وهي وللأسف ممارسة عوّدنا عليها بعض الزملاء الذين أشرفوا على التقاعد أو يصبون إلى ترقية أو إلى ردّ إعتبار. وإلا فلم يتحمّس السيد الشيشتي، الذي لم ينخرط قطّ في النقابة، فجأة للعمل النقابي من خلال تصرّفاته العنيفة وأسلوبه الشاتم وهو الذي لا يتوانى، على إنفراد، في الثناء على زملائه النقابيّين. ولنذكّر بأنّه لم يتردّد خلال تركيز هيكل نقابي في المؤسّسة التي يعمل بها في التشويش على إنعقاد المؤتمر بالتفوّه بألفاظ إستفزازيّة بمجرّد دخول مدير المؤسّسة إلى قاعة المؤتمر. ولنتساءل أيضا عن سبب كتابته لمقال أكثر حدّة غداة المؤتمر التوحيدي وعن سبب معاودته اليوم من خلال هذا المقال اللاذع الذي هو أشبه بمطلب إعادة توظيف. 2) ثمّ أهدر بعد ذلك موعده مع الذاكرة الوطنيّة ومع الإحترام و «الإعتراف بالجميل» اللازمين للمنظّمات الوطنيّة التي نحتت التاريخ المعاصر لهذه البلاد. فبقدحه، عشيّة الإحتفال بعيد الشهداء، في منظّمة وطنيّة في حجم الإتحاد العام التّونسي للشغل، الذي يكاد يكون المنظمّة الوحيدة التي يحق لها الإفتخار بتنظيم مؤتمرات شفّافة وديمقراطيّة (جربة 2002 أو المنستير (2007 والوحيدة التي تأخذ على عاتقها مطالب كلّ الشغالين، نفى السيد الشيشتي نفسه عن المجتمع المدني. إنّ ما يسميه كاتب المقال «الأقلية « التي أعلنت إضراب 5 أفريل هي هياكل منتخبة بصفة ديمقراطيّة داخل أطر تعمل بأكثر الطرق شفافيّة وتضمن إنخراط أكبر عدد من النقابيّين في تطبيق القرارات التي تؤخذ خلال جلسات مفتوحة للصحافة التّونسيّة مثلما كان الحال يوم 24 فيفري 2007 عند عقد المجلس القطاعي الذي قرّر الإضراب. لقد إكتشف السيد الشيشتي، الذي لم ينخرط البتة في النقابة، فجأة مزايا «الإتصال المباشر والمتكرّر» وذلك للتنديد بالهياكل المهترئة «العقيمة « و» الرّجعيّة» وها هو ذا يُنَصّب نفسه داعية للتعدّديّة النقابيّة ويقوم ب «التسويق النقابي» لفائدة الهيئة «المستقلة» للمدرسين التكنولوجيين التي ينعتها ب « الدليل القاطع عن المنحى الجديد للتاريخ النقابي بالبلاد التّونسيّة « متناسيا أولا أنّه لا وجود لما يُسوًّق في المجال النقابي ثمّ متظاهرا بجهله أنّ تلك النقابة المزيّفة إلتحقت علانيّة بإضراب 5 أفريل قبل أن تتراجع. أخيرا وليس آخرا، لا يتوانى عن إستعراض خصاله الإستشرافيّة للتنبؤ بإنتصار هياكل نقابيّة «أكثر نجاعة وليبراليّة وديمومة» ولدفن «المنتهين» والمُسقَطين. 3) وأخيرا أهدر صاحب المقال بالخصوص، موعده مع الجامعة العموميّة التي كان عليه خدمتها والدّفاع عنها ضدّ الإصلاحات المسقطة. إنّ خطب المدح وألفاظ التملّق تجاه الوزارة التي يدور في فلكها تستخف بطموحات مدرّسي التعليم العالي ولا تخدم البتّة «المصلحة الوطنيّة « أفلا يقال أنّ المسايرة تخلق الأصدقاء؟ إنّ القطيعة، وإن وجدت، فهي بين الذين يسعون دوما إلى ضمان ديمومة المؤسّسة وإشعاعها وأولئك الذين يحاولون إخضاعها وتوظيفها، تحقيقا لغايات مبهمة وإشباعا لرغبات شخصيّة جامحة ومهما يكن رأي السيد الشيشتي، فلن يَكتُب تاريخ جامعتنا ولن يُحدّد مستقبلها. وليوفّر عنّا تقلّباته وأحقاده رأفة بنا، وأما الجامعة التّونسيّة فسوف تعرف حُماتها. سامي العوادي الكاتب العام للجامعة العامة