تحت عنوان «تنافس من العيار الثقيل في فرع تونس ومفاجأة كبرى في العمادة» كتبنا في العدد قبل الماضي مقالا يتناول مجمل السيناريوات المتعلقة بالتحالفات السياسية وحظوظ المترشحين، مؤكدين على وجود مفاجأة على مستوى الترشحات للعمادة. وان لم نعلن في ذلك المقال ترشح العميد منصور الشفي فإن باب الترشحات لم يفتح وقتها بصورة قانونية حتى نتأكد من المعطيات، فلقد هزّ ترشح الاستاذ منصور الشفي أوساط المحامين وخلخل مجمل السيناريوهات التي بنتها التحالفات الانتخابية وتوقفت عندها مقاربات المحللين والمتابعين. فالأستاذ منصور الشفي الذي وصل الى دفة العمادة كمؤسسة دستورية أربع مرات يحمل معه رصيدا نضاليا كبيرا ورأس مال رمزيا ظلّ محفورا في الذاكرة الجماعية للمحامين، اذ يغدو اليوم الشخصية الاقوى ضمن التشكيلة المتقدمة لمنصب العميد خاصة بعد خروج العميد الحالي الأستاذ عبد الستار بن موسى واكتفائه بدورة واحدة، فهو الرجل المعبأ بتجربة عقود من النضال الحقوقي والمفعم بالروح النقابية مبدأ وممارسة إضافة الى متابعته اليومية لمشاغل أهل المهنة ولا سيما عماله صلب لجنة العمداء وخاصة فيما يتعلق بالقانون الداخلي للمحاماة والذي قوبل بالرفض في الجلسة العامة الاخيرة. فقبل ترشح العميد منصور الشفي، كانت جل المواقف تصب في وصول الاستاذين شرف الدين الظريف وبشير الصيد الى الدورة الثانية دون استبعاد مفاجأة عادة ما احدثتها الاستاذة راضية النصراوي عند ترشحها الى عضوية الهيئة الوطنية، لكن بترشح العميد منصور الشفي ستنقلب كل التحالفات الى ما قبل الشهر الماضي، لتدخل البورصة الانتخابية بأسهم جديدة قابلة للنزول تماما وللارتفاع . فالعميد منصور الشفي يحظى على الدوام بدعم من جهتي صفاقس وسوسة اضافة الى حضوره القوي في تونس فهو رجل خبر المهنة بقدرما خبر المحامين ومختلف الجهات التي لها علاقة بأصحاب العباءات السوداء. عميد يوصف بقربه من التيار اليساري المستقل وبإيمانه بالديمقراطية التي لا تقلص من مكانته الرمزية. عميد أقدم على وضع رصيده في ميزان انتخابي يصل فيه عدد المحامين باجيالهم الجديدة التي لم تواكب مسيرة عمادته الى نحو 5 آلاف محام. هذه العملية التي أقدم عليها الاستاذ الشفي لم تكن ارتجالية ولا مجانية على اعتبار ادراكه العميق ان اللحظة الراهنة لم تحقق الاجماع حول مترشح يذاته إضافة إلى أنّ العديد من المترشّحين سيتنافسون على رصيد انتخابي مشترك سيقلص من حظوظ كل مترشح كان بالامس حليفا للآخر ومصدرا من مصادر قوّته الانتخابية تماما كما يدرك العميد منصور الشفي وجود خلل داخل موسسة العمادة يمثل خلال الدورات الماضية في الفشل الذي طبع الحوار ومزّقه اربا إربا ليجعل كل طرف في اتجاه معاكس للطرف الآخر . وبمعنى آخر، فإن العميد منصور الشفي يقدم نفسه كمرجع للمحاماة قادر على مد جسور التحاور مع السلطة في اطار من المسؤولية والجدية. العميد منصور الشفي شخصية طبعت مؤسسة العمادة بصورة ناصعة امتدت على مدار زهاء عقدين، لكن هل هي قادرة على العودة من جديد الى هذا الموقع وضمان النجاح في ظلّ تغير الخارطة السياسية والذهنية الانتخابية وتوسع دائرة السمسرة والاحتياج في صفوف المحامين. خارطة يمثل فيها الشباب كتلة قوية وتتمركز فيها المرأة بغالبية صامتة ولكنها قابلة لتغيير موازين القوى عند المحطة الانتخابية التي تستوي فيها كل الاصوات الصاخبة والصامتة على حدّ السواء.