طارق ذياب الذي كان لاعبا فذّا ومحلّلا بارعًا ولا أحد يجادل في ذلك، وبعد الانتخابات ووصول النهضة إلى الحكم، لم تجد خيرا منه للحقيبة الرياضية ربّما املا منها في تلميع صورتها وإيهام الرأي العام بتفتحها على كل الطاقات والكفاءات والاستفادة في آن واحد من شهرة وإشعاع طارق. وقد أثبتت الأيّام أنّ طارق ذياب ليس الرجل المناسب في المكان المناسب، وأنّ حصاد أكثر من سبعة أشهر تساوي صفرا من الانجازات بل مثّل خيبة أمل كبيرة للذين راهنوا على نجاحه، وكان احدى بواطن الخلل الفاضح في الحكومة النهضاوية. لكن طارق لم يتنكر للنعمة، وسارع الى ردّ الجميل، فتحوّل بقدرة قادر الى عرّاف لا يشق له غبار يفقه في الغيب ويتنبأ بأنّ حكومته ستحكم لسنوات وهو يقصد أنّ حكم العمامة الزرقاء حل ولن يقلع قريبا.. أكثر من ذلك أتقن وبسرعة قياسية فنون التشهير والتهجّم على الخصوم السياسيين وزاد في انفعاله وحماسته ليؤكد أنّ أي نقد يوجّه للحكومة دليلا على نجاحها وفشل المعارضين؟ ما شاء اللّه! أي حكمة هذه؟ ونكتفي بسؤال هل جاء لخدمة الرياضة أم حزب النهضة؟ هل المهمّة وطنية أم حزبية ضيّقة؟ هل تحول من لاعب ومحلّل الى تاجر دين ومفتي؟ من خوّل له أن يعطي صكوك الطهارة والنزاهة؟ ولن يشفع له ولاؤه وانتماؤه إلى النّهضة على فعل ذلك؟ ماذا فعل معاليه طيلة أكثر من سبعة أشهر غير التجول في الملاعب والفضاءات الرياضية مصطحبا حرسه الشخصي ليستمتع بمشاهدة المباريات وحيدا في غياب الجماهير حتى لا تثور عليه؟ لم نشاهده إلا وهو يهرول بمعيّة جحفل من الوزراء الى مطار قرطاج ليركب على الحدث ويحاول الايهام بإنجازيْ الملولي والغريبي لينسبهما الى حكومته، لكن الصفحة كانت في حجم الخطيئة حين أهدى أسامة نجاحه الى أسرته. ولأنّ أسامة الملولي أحببنا أم كرهنا ما كان ليصبح بطلاً أولمبيا وعالميا لولا إرادته وعزيمته أولا، والعناية الخاصة التي وجدها من نظام بن علي ثانيا.. سمعنا جعجعة عن ملفات فساد داخل الوزارة ولم نر طحينًا رغم أنّ الفساد وسوء التصرّف معشّش في كلّ مفاصل رياضتنا، ولم يبذل جلالته مجهودا يذكر لتطهير الأندية من الفاسدين واللصوص والغرباء الذين أثروا على حساب جمعياتهم وجامعاتهم وأغرقوها في الأزمات المادية دون أن يقدّموا لها شيئا سوى أنّهم يحظون بدعم وتأييد فلان وزيد وعمرو... كما تجاهل معاليه الكشف عن قائمة المناشدين في القطاع ومحاسبة من كانوا يتسابقون في إهداء الألقاب الى صانع التغيير وراعي الرياضة والرياضيين، ويتهافتون على قصر قرطاج لنيل البركات والهبات.. بالتوازي مع هذا، لم يحرّك هذا المسؤول ساكنا إزاء عمليات ووقائع خطف الرياضيين وتحويل وجهاتهم بين النوادي في مشهد مقرف بلغ درجة عالية من الإسفاف والانحطاط.. ولم يتحرّك ليوقف مسلسل إهدار المال العام بالعملة الصعبة على أشباه اللاعبين ونكرات القارة الافريقية وشيوخ تونس في القارة الأوروبية ثمّ أي استراتيجية لصاحب العمامة تتيح عودة الجماهير الى الملاعب والتي تسبّب غيابها في مشاكل مادية لا حصر لها للأندية ومنها محدودية الدخل والموارد لما نعلم أنّ قرارًا آتخذ لعودة البطولة دون جمهور بعد كارثة ستاد سوسة الأولمبي؟ وهل وجد مصادر جديدة لتمويل هذه الأندية الفقيرة مع ارتفاع نفقاتها وتضخّم أجور اللاعبين والمدرّبين؟ وأي موقف للوزير من ظاهرة التزكية والتعيين على رأس الجمعيات الرياضية؟ وهل آن الآوان للجوء الى صندوق الاقتراع ومبدأ الانتخاب لتكريس الشفافية وإقصاء الطامعين والمتمعشين واللاّهثين وراء الشهرة والأضواء؟ وهل له خطط ما يكشفها للرأي العام لمعالجة معضلة العنف المادي واللفظي الذي بات خبزنا اليومي في ملاعبنا، وأصبحت الجماهير تردّد الأغاني والأهازيج التي تمجّد ذلك ما غذّى الاحتقان والتوتر والتعصّب والجهوية خاصة بين العاصمة والساحل؟ وماذا سيفعل هذا الوزير الحاضر الغائب إزاء غياب المصداقية عن مسابقاتنا الوطنية وسياسة توجيه الألقاب من وراء السّتار ومظاهر الرشوة والمحاباة والمحسوبية والعلاقات العامة، ومهازل وفضائح التحكيم التي تطبع المشهد الرياضي، علاوة على غياب العدالة بين النوادي وذلك بوجود شق له حصانة قانونية وميزانيات ضخمة وتسهيلات غير محدّدة، وشق مستهدف، يعاني أزمات مادية خانقة، عرضة للعقوبات.. وبين هذا وذاك تحيّز دائم ومفضوح لمصلحة الشق الأول في تأويل القوانين المنظمة للعبة كلّما تعارضت مع مصلحة الشق الثاني. إذا بعد مرور أشهر بقيت دار لقمان على حالها، ولم يفتح أي من هذه الملفات الخطيرة وكأنّ لدى سيادته رؤية استشرافية من نوع خاص تستدعي تأزيم الوضع أكثر وتجذير الفيروسات والآفات والأمراض والمشاكل ليس لغياب إرادة الاصلاح والعمل الجاد، بل لإفتقاد الحلول الناجعة والوصفة الطبية للعلاج أولا، ولغايات انتخابية ثانيا، وهو حال كل الفريق الحكومي الذي تعوزه الكفاءة عدا كفاءة السجون والمعتقلات. وإذا كان الأمر كذلك وهذا يقين فالوزير النهضاوي مطالب بالتنحّي والرحيل الفوري حتّى لا يقف الأمر على غير القادرين. فهل سيأتي الخلاص والفرج بعد أشهر أم سيطول أمد الأزمة؟ هل ستكون سنوات الجمر مع بن علي سنوات عزّ وهناء مقارنة مع ما ينتظرنا على أيدي تجار الدين وعقول عصور ما قبل التاريخ؟