للمتلوي تاريخ حافل يذكر مساهمة أهلها في مقاومة الاستعمار الفرنسي وكانت مشاركتها في صياغة عمل نقابي تونسي حثيثة. قدّمت شهداء كثر. كانت موقعا لحراك سياسي واجتماعي مُهِمٍّ خاصة خلال السبعينات والثمانينات من القرن الماضي. المتلوي عاصمة للمناجم كانت قبلة كلّ التونسيين من بنزرت حتى بنڤردان باعتبار تمركز ادارة أكبر مشغل لليد العاملة في تاريخ تونس. كان يقصدها كلّ التونسيين من كل الجهات طلبا للشغل. تعايش فيها التونسيون من مختلف الأنساب وحتى الأجانب طيلة ما يزيد عن القرن من الزمن. طيلة هذه الحقبة من تاريخها المعاصر تعايش سكانها وتصاهروا حتى توطّدت علاقاتهم ممّا أحالها الى مدينة عاصمة. اختلطت فيها أنساب كثيرة دون ضياع ملامح أصحاب الأرض فيها. ترعرعت وعاشت على أرضها كفاءات وقدرات علمية، ثقافية، سياسية ونقابية... من المتلوي عبر العديد من الاطارات للبروز خاصّة في الحقل النقابي. فيهم من تبوأ مراكز متقدّمة بالاتحاد العام التونسي للشغل وحتى بالكنفدرالية حتى ضاقت بمتساكنيها. أخرجوها من التاريخ بفعل ما أصاب إرثها النقابي المناضل الذي ساهم في مقاومة الاستعمار الفرنسي وشارك في التأسيس لحركة نقابية وطنية. أخرجوها من التاريخ نقابيا بفعل ممارساتهم التي قلبت مفهوم النقابة المناضلة رأسا على عقب. كانوا طيلة العشرين سنة التي تلت الانقلاب النوفمبري »نقابيين« حماليين لكل أوجه الرداءة. أتوا كلّ الأفعال ما عدا العمل النقابي الذي ينفع العمّال ويمكث في الأرض. كانوا موصومين بالانتهازية، الوصولية، الرشوة... باختصار أهملوا كلّ الشأن العمّالي بمختلف جوانبه المطلبية والانسانية وأبعاده السياسية واحترفوا النفعية. تمكّنوا من مفاصل إدارة البلاد فغذوا فيها العروشية وأباحوا التفريق ليسودوا وتربّعوا على عروش النقابات الخاوية ليقبضوا أثمان بيعهم لذممهم أوّلا ومشاغل العمّال ثانيا ومصلحة المتلوي ثالثا... أخرجوها من الجغرافيا بفعل تفقيرهم للمنطقة على مستوى التنمية. روجوا لمفاهيم تنمية لا تراعي في جوهرها إلاّ تكديس الأرباح في جيوبهم وجيوب حلفائهم. أخرجوها من الجغرافيا بإشاعتهم لمنوال تنمية تراكم طيلة ما يزيد عن العشرين سنة جحافل من العاطلين عن العمل من ذوي الشهائد من مختلف الدرجات والاختصاصات. أورثوا المتلوي عددًا لا يُحصى من البطالين الذين كانت دواليب إنتاج الفسفاط وحدها تستوعب أضعافهم دون النظر إلى مأتاهم. أخرجوها من الجغرافيا حتى أصبح شباب المتلوي الذي يأبى على نفسه الغبن يتصيد فرص »الحرقان« ويكتفي في أحسن الحالات بهجرة داخلية ترسي به في إحدى المدن الأخرى بحثًا عن عمل موسمي في قطاعات هشة كالبناء والسياحة والفلاحة الموسمية. أخرجوها من الجغرافيا حتى أصبح شباب المتلوي ينشد حتى مجرّد عمل يومي لا يجده في موطنه. أخرجوها من اللغة بفعل إدماجهم لمستحضرات لغوية مبتذلة في قاموس الاستعمال اللغوي اليومي. أخرجوها من اللغة حتى أصابنا نفور عضال من مصطلحات مثل التحوّل، التحدّي... قرّعونا بمفردات أخرجتنا من اللغة حتى صرنا نتحاشى استعمالها. أصبحنا نفر عبر ثنايا اللغة من كلمات الدولة، القانون، المؤسسات. صَمُّوا أسماعنا بلغة مستهجنة قوامها »شرعية الإنجازات« لأنّهم يفتقدون لشرعية إدارتهم للمنطقة.أخرجوها من اللغة وكادوا يصادرونها باسم »ماركة مسجلة« لترويج خطبهم المنتهية صلاحيتها والمستنفذة أغراضها. وحتى تستعيد المدينة مكانتها يجب أن تتغيّر بنيتها من بنية عروشية إلى بنية مواطنية. وعلى أساس المواطنة يمكن للمتلوي أن تنهض من جديد وأن تتسّع لكل قاطنيها الذين يتوجّب عليهم العمل على تطويرها بعضهم مع بعض وتجاوز نقائصها في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية... وتعود بذلك إلى تاريخها يجب أن تتغيّر مستويات التعامل بين قاطني المتلوي والهياكل التي تجمعهم أو تمثّلهم بمختلف تلويناتها وترتكز على الحقوق والواجبات المواطنية. وحتى تعود للجغرافيا على المدينة العريقة أن تعيد صياغة علاقاتها بمعتمديات الجوار ومركز الولاية والسلطة المركزية حسب احتياج هؤلاء إليها واحتياجها إليهم. يجب أن تعيد التوازن لعلاقاتها حسب ما تقتضيه ضرورات التنمية المشتركة. وحتى تعود الل.غة وجب على أهلها أن يعيدوا صياغة قوالب جديدة لتعاملهم تستند أساسا لقيم المواطنة التي تقتضي فيما تقتضي التلاحم والمشاركة في بذل المجهودات الضرورية لانتشالها من إخفاقاتها. إيمانًا منّا بقيمة المواطنة وعملا على ترسيخها بمدينتنا فإنّنا نعوّل على علاقاتنا المفتوحة على كفاءات المتلوي بالنشأة والإقامة في شتى المجالات العلمية والقانونية والثقافية... لنساهم في بناء وعي مواطني جديد يمكننا من تجاوز هذه المحنة والخروج منها أكثر صلابة وإيمانًا بمستقبل أفضل. المتلوي يا بلادي يا »مينة الفسفاط« لا مناصَ من أن تظلّي واقفة لو جهنّم صُبَّتْ على رأسك.