يمنحنا كتاب الشريف الادريسي، نزهة المشتاق في اختراق الآفاق »توصيفًا مغريًا لمدينة سبيبة، إذ يقول عنها »هي مدينة أزلية كثيرة المياه والاجنة وعليها سور من حجارة حصين ولها ربض فيها الاسواق والخانات وسكانها شربهم من عين جارية كبيرة عليها جناتهم وبساتينهم وغلاتهم من الكمون والكروياء والبقول... ولهم ماشية كثيرة وبها طرق رئيسية جادة تربطها بالقيروان وقرطاج...« وقد اتخذ عقبة ابن نافع من مدينة سبيبة عاصمة وقتية قبل تأسيس القيروان. مدينة سبيبة التي تبعد عن مركز ولايتها، القصرين قرابة 70 كلم وتحدها جنوبا معتمدية سبيطلة وغربًا مدينة العيون وشرقًا الروحية وجلمة لم »تنبتّ« عن طبيعتها الفلاحية طيلة عصور طويلة، لكن رياح »التغيير النوفمبري« أبّدت أفقها المدني والحضاري وحوّلت رائحة التفاح إلى ما يشبه »الكربون« الذي خنق أحلام شاباتها وشبانها وكل مواطنيها حدّ الاحباط... لولا بوارق الامل المتوثبة في عيون من تعطّرت اياديهم برائحة الارض وتعتقت عقولهم بالافكار والرؤى، رغم رواسب »العروشية« والتجهيل المعرفي الذي مورس عليها باعتبارها مدينة تنتمي الى القصرين... ❊ الإرث الثقيل سبيبة حاليا، ومن خلال برامج التنمية المتوارثة على امتداد نصف قرن لا يمكن لها ان تلبي بأي حال من الأحوال طموحات وحاجيات أبناء المنطقة من حيث المنظومة التشغيلية فهي إلى اليوم تعتبر منطقة فلاحية صرفته تقليدية في التسيير وفي منظومة الانتاج (ذات طابع قروي عائلي) ومثل »شعار« »سبيبة كويت تونس« حاجزًا حقيقيًّا أمام الاختلال التنموي الذي أضرّ بالمنطقة والمتمثل أساسًا في سوء استغلال الثروة المائية وتعصير أدوات الانتاج إذا استثنينا من ذلك الافراط في استخدام المواد الكيمياويّة التي اضرت بالمنتوج الفلاحي أكثر من نفعه. ❊ مأسسة العزلة ربما من أهم المعوقات التي جعلت مدينة سبيبة في عزلة هو عدم اعتماد مختلف محاور التنمية خاصة منها البنية التحتية اي شبكة الطرقات والماء والكهرباء وافتقارها إلى حد اليوم لخطوط ذات ضغط عال فمنذ 1989 بُترت محاولات فك عزلة المنطقة وربطها بالموانئ والمطارات والشريط الساحلي والاكتفاء بانجاز مسلك فلاحي بطول عشرين كلم يربط سبيبة بخنقة »زڤالا« باعتبار ان هذه المسافة تمثل منفذا بين سبيبة وسوسة والمقدرة بحوالي 170 كلم عوضًا عن 250 كلم حاليا. هذا فضلا عن افتقار المنطقة لنسيج صناعي تحويلي او مجمعات تخزين الانتاج مما أثّر سلبا على مردودية الانتاج وعائداته على اقتصاد الجهة فمثلا سنة 1986 كان سعر الكلغ الواحد للتفاح 600 مليم تقريبا في حين كان سعر الكلغ الواحد من السردين حوالي 200 مليم اما الان فقد قفز سعر السردين الى حوالي 2000مي للكلغ الواحد وظلّ سعر كلغ من التفاح يتراوح بين 650 و700مي فقط ويعود هذا إلى أن مخازن التجميع والتبريد في سبيبة لا تغطي الا قرابة 10٪ من الانتاج الجملي للجهة من التفاح. ❊ إعاقة تشغيلية هذا النمط أعاق بشكل كبير ومباشر الامكانية التشغيلية في المنطقة وساهم في مضاعفة حركة الهجرة الداخلية خاصة نحو العاصمة والمدن الساحلية للصنفين من المعطلين عن العمل (اصحاب الشهائد والعملة العاديين) وهو ما ساهم في تفكك النسيج العائلي وجعل المنطقة مجرد قرية ريفية لا تستجيب لمقومات العيش المدني ولا تتوفر على هيكلية واضحة المعالم ببرامج مستقبلية ثقافيا واجتماعيا واقتصاديا وحضاريا... حيث اجتمعت مختلف المعوّقات في مختلف القطاعات فقطاع التعليم يعاني من قلة فضاءاته واتجهيزات المكتبية وهو ما أثر سلبًا على النتائج النوعية والكمية للتلاميذ كما ان المنطقة وعلى المستوى الصحي تشكو من عدم توفر طب الاختصاص بتجهيزاته وخاصة التوليد وطب الاطفال هذا فضلاً عن ارتباط المستشفى المحلي بمراكز الولايات القريبة والعاصمة، أما في المجال الثقافي فما عدا مهرجان »التفاح« الصيفي، الذي لا يقدّم إلاّ البرامج »الشعبويّة« فإن معتمدية سبيبة تفتقد لنوادي السينما والمسرح والموسيقى وإلى كل الفضاءات العومية التي من شأنها ان تغذّي الافاق المعرفية والفكرية... ❊ الآثار المنسيّة تعتبر ولاية القصرين سادس قطب سياحي في تونس بما تزخر به معتمدياتها خاصة سبيطلة وحيدرة وتلابت وسبيبة من مادة سياحية (الآثار والطبيعة) غير ان الايادي العابثة حوّلت المساحات الاثرية إلى حفر فارغة بعد أن تجاهلتها وزارة السياحة ولم تقم بابراز المدن والمواقع الموجودة تحت الارض وتدمجها في المسالك السياحية والمواقع الأثرية... ❊ معطّلون وعاطلون تعاني سبيبة، كغيرها، من المدن المنسية، من تزايد أعداد المعطلين عن العمل بصنفيهما اصحاب الشهائد العليا وغير الحاملين للشهادات، وتعاني هذه الفئة الواسعة من ظلم وحيف في طريقة وعدد الانتدابات وأيضا في تجاهل الامكانات التنموية التي من شأنها ان تقضي على البطالة وقد تم في الاسبوع المنقضي توحيد جمعية العاطلين عن العمل وجمعية المعطلين عن العمل في صف واحد وتم تكوين جمعية الانماء الديمقراطي وحق الشغل والذي سيكثف نضالاته لا من أجل توفير الشغل فقط وانما ايضا من اجل الدفع بأفق مدينة سبيبة نحو المدينة والديمقراطية... ❊ عين الخمايسية عين الخمايسية تقع بين سبيبة وسبيطلة ومن بين المشاكل التي تعاني منها دار الثقافة فهذا الفضاء مغلق بصفة دائمة ما عدا يومي الجمعة والاحد ولمدة ساعتين فقط وهو ما جعل تلاميذ المدارس والمعهد يقضون أوقات راحتهم في المقهى الوحيد بالمنطقة!! كما ان هذا الفضاء يفتقد لمختلف التجهيزات كما ان المسؤول عن هذا الفضاء هو مجرّد حارس معين من طرف المعتمدية او الولاية ويتقاضى 80د شهريا!! ❊ معضلة الماء!! يعاني أهالي الشعابنية من منطقة العقيب بعمادة عين الخمايسية بمعتمدية سبيبة من الانقطاع في تزويد المنتفعين بالماء الصالح للشراب بصفة تكاد تكون منتظمة بسبب عدم قانونية الجمعيّة الادارية مثلما اعلمنا بذلك احد أبناء المنطقة وهو السيد محمد المنصف الصالحي الذي اشار إلى سوء تصرّف المسؤولين المشرفين على ادارة الجمعية المائية والاستيلاء على كميات كبيرة من الماء دون وجه حق الى جانب التلاعب بالاموال العمومية ويطالب أهالي الشعابنية بحل ادارة الجمعية المائية وانتخاب ادارة وقتية وتجهيز إدارة الجمعية بالنور الكهربائي واعادة هيكلة عملية توزيع الماء وترشيد الاستهلاك. ❊ أموال وأحلام المعروف أن في معتمدية سبيبة عدد لا بأس به من أصحاب الاموال وهو ما يجعل امكانات توظيف الاموال في المشاريع الصناعية التي من شأنها ان تخرج المدينة من ربقة النمط الفلاحي التقليدي وتحوّلها إلى قطب صناعي في قلب الوسط الغربي، كما ان روح المواطنة والمسؤولية التاريخية التي من المفترض اليوم وبعد 14 جانفي، ان يتحلّى بها كل رأسمالي في سبيبة قد تفتح الابواب على امكانات اشعاع ثقافي وحضاري للمدينة من خلال دعم المشاريع الثقافية وتبنّي مبدعي الجهة..