برزت السيدة آمال الحمروني بأدائها للأغنية الملتزمة في الجامعة منذ 1984 صلب مجموعة البحث الموسيقي وواصلت بعد تخرجها تجربتها الموسيقية داخل الجامعة وخارجها لتمثل أبرز الوجوه الفنيّة التي برزت في الجامعة نشأة ونشاطا، التقيناها لتحدثنا عن تجربتها الثرية فكان الحوار التالي: آمال الحمروني كيف تقيمين تجربتك الفنية داخل الجامعة؟ انطلقت تجربتي الفنيّة داخل الجامعة منذ دخولي للمرحلة الجامعية حيث تزامن تأسيس فرقة البحث الموسيقي مع نجاحي في الباكالوريا والتحاقي بالجامعة والامر ليس صدفة إذ تزامنت تجربة البحث الموسيقي مع بداية نضج المجموعة بعد تجربة مدرسية ناضجة بعيدة عن المدرسة في الوقت الحالي. والحقيقة أن المدرسة أسهمت بشكل كبير في نحت التجارب ونضجها وتقدم وعيها ويعود ذلك الى عدّة أسباب منها مضمون ما يدرس من خلاصة المعارف والحضارات الانسانية التي تكسب التلميذ وعيا كبيرا بواقعه وتاريخه وطبيعة الاشياء، فضلا عن المدرسين الذين هم في الغالب الطلبة الذين عاشوا في الجامعة في مرحلة أواخر الستينات وتربوا في تلك الفترة المليئة بالاحداث فكانوا أصحاب أفكار ومشاريع نقلوها لنا بشكل أو بآخر من خلال علاقة الاستاذ بتلميذه فكانت النقاشات والدروس تحمل مضامين. كما أثرت طبيعة المرحلة الحبلى بالاحداث والمتغيرات في طبيعة التلميذ وتكوينه وتطلعاته وشخصيته فمثلا يعرف الجميع ما كانت تعيشه الجامعة في بداية السبعينات من أحداث هامة ومضامين كبرى ومشاريع متضادة أثرت بالضرورة في شخصيتنا بعد أن وصلتنا عبر محيطنا ممن يكبرنا سنا وأثرت فينا بشكل مباشر فسرنا على خطى الجامعة ونظمنا الحلقات التلمذية وخضنا النضالات والاضرابات ونحتنا شخصيتنا وأصبحنا نطرح مسألة محتوى برنامج التكوين ونريد المساهمة في التسيير وأمام هذا النضج والزخم كان من الضروري والبديهي ان تكون التجربة الثقافية الجامعية ناضجة ومتطوّرة حيث كانت هناك نوادي السينما والمسرح والموسيقى وكانت فضاء تؤثر فيه وتتأثر بنشاطه وهو ما أنتج عددا محترما من الرسامين والموسيقيين والمسرحيين والسينمائيين وبصفة عامة فإنّ المدرسة والجامعة كانتا مدرسة بأتمّ معنى الكلمة وكان لهما التأثير الكبير في تكوين أجيال كاملة لانه وعدى بعض الاستثناءات فإنّ العائلة لم تكن تضيف الكثير من الناحية المعرفية والقيميّة لأبنائها بل وعلى العكس فإنّ الجامعة والمدرسة أثرتا في العائلة وأصبح الابن هو صاحب الاضافة وهو من يحمل آمال وتطلعات العائلة في التغيير والارتقاء ولا أقصد المادي فقط وإنما الجوانب الاخرى فالمدرسة هي من أدخلت مفاهيما وقيما جديدة كالمساواة بين الرجل والمرأة والحرية والعدالة الإجتماعيّة. وبالنسبة لإختيار الموسيقى في تجربتي الجامعية فيعود الى وجود الموهبة منذ الصغر وقد كان بالإمكان ان أختار أي مجال آخر من الثقافة ولكن ولعي بالغناء منذ الصغر جعلني أختار الموسيقى وبالنظر لطبيعة التكوين الذي تلقيته والافكار التي أحملها كما يحملها جيل كامل فقد كان من غير الممكن أن أنخرط في السائد خاصة بعد اكتشافي للشيخ إمام وأنا في سن 14، ففهمت أن أتبع ذلك النهج أو أن لا أغني لأنّ تلك الموسيقى تتماشى مع ما لدينا من تطلعات وأفكار. ومع تطور وعينا ونضج تجربتنا برزت لدينا فكرة فرقة موسيقية بعد أن إطلعنا على التراث الموسيقي منها فرقة »إيمازغن« و»أصحاب الكملة« و»ناس الغيوان« فأخترنا نوع الموسيقى التي نريد رغم تواضع تكويننا الموسيقي »الأكاديمي« وكنا نعرف ماذا نريد أو على الأقل كنا ندرك جيدا ما يجب أن لا نفعله. هل يعني كلامكم هذا أن الالتزام هو الدافع وراء تكوين المجموعة وأن إختياركم للجامعة كفضاء للعرض كان نتيجة إلتزام الجامعة وميل الطلاب للاغنية الملتزمة؟ لا أعتقد ذلك فالمسألة لم تكن بهذه الأوتوماتيكية فإنشاء الفرقة تزامن مع دخولنا للجامعة كطلبة وفي هذا الحالة ومن الناحية العملية والمادية فإنّ أقرب جمهور لنا لنعرض أمامه كان زملاءنا الطلبة، فمن سيستمع الى مجموعة هاوية بآلات بسيطة، هم أصحابهم وأقرانهم وزملائهم في الدراسة، فالحقيقة أننا أسمعنا صوتنا لأوّل جمهور كان في متناولنا فكان العرض في الجامعة مسألة موضوعية مفروضة بحكم حداثة التجربة وتواضع إمكاناتنا وكان ايضا خيارا باعتبار انخراطنا الواعي في الحياة الجامعية بصفتنا طلبة وقد مكنتنا التجربة الجامعية من صقل مواهبنا وتحسين آداءنا الموسيقي بعد أن غنينا في كل الجامعة التونسية تقريبا وأمام الجمهور الطلابي. وهو ما سمح لنا بعد ذلك بمواصلة العرض خارج الجامعة وقد يكون ذلك دليلا على نضج التجربة وجديتها. كيف تقيمين العمل الثقافي داخل الجامعة الآن؟ لا أستطيع أن أقيم العمل الثقافي داخل الجامعة بصفة موضوعية لأني أقر بأنّ اطلاعي بسيط ومصدره من ألتقي بهم من الطلاب من أبنائنا وأخوتنا وجيراننا. ورغم أننا قمنا بالعرض بعد إنقطاع دام 10 سنوات فإني لا أستطيع أن أقيم فالمدرج في آخر مرة عرضنا خلالها ليس المدرج الذي عرضنا أمامه في السنوات الأخيرة بل هما مختلفان إلى حدّ كبير جدا، ولكي لا أعمم وأظلم الطلاب في حكمي فإنّ من تسنت لي فرصة الإلتقاء بهم والحديث معهم من الطلبة في الغالب يخيبون الآمال فهم جيل مختلف وجيل تكنولوجيات الاتصال الحديثة، وربما له ثقافته الا أنّه غيرمهتم »بالهم« العام ومع ذلك فإنّ هناك بوادر أمل في بعض الطلبة ممن يذكروك بالأجيال السابقة لذلك أعتقد أنّ هناك من سيحمل مشاريع وأفكار فجامعتنا ولادة ولابد أن يبرز من يحمل الأمل. ماذا لو تحدثنا عن إنتاجك الحالي وعن الشريط الذي أصدرته حديثا؟ كما ذكرتم فإن هناك شريط جديد فيه اغنيتين قديمتين أما الباقي فهي مجموعة من الأغاني الجديدة لُحنت في السنتين الأخيرتين ومثل لقاؤنا مع الشاعر الطيب بوعلاق إضافة هامة للمجموعة فرغم أنّه شاعر غير معروف ولم ينشرسابقا فإن أشعاره جميلة ورائعة وهو ما دفع الملحن خميس لتلحينها، وقد قام في الستة أشهر الاخيرة بتلحين مجموعة من أشعار الشاعر بوعلاق ومن المنتظر أن تكون كل أغاني الشريط القادم من أشعاره. ماهو الجديد موسيقيا في الاغاني الجديدة؟ الواضح والمؤكد في الأغاني الجديدة هو العناية بالتنفيذ الموسيقي فأغانينا القديمة وصلت لوجدان المستمع والبعض يرددها ويطرب لسماعها رغم بساطة الإمكانات الموسيقية في ذلك الوقت، لذلك قلنا أنّه من الضروري أن نطور أغانينا كي لا نحرم هذا المستمع من إمكانية موسيقى أفضل ما دامت ممكنة، فركزنا على التنفيذ الموسيقي الجيد الذي لم يكن متاحا في وقت سابق، رغم أن هناك ثقلا ماليا نتيجة لذلك الاّ أنّ حب الوصول الى وجدان الناس وإطراب المستمع يدفعنا للتضحية حتى نستحق مكانتنا وحتى نقدم إنتاجا قادرا على أخذ موقعا في المشهد الموسيقي حاضرا ومستقبلا. أما الاضافة الثانية فهي عامل الزمن والتجربة الذي أثرفي أدائنا فألحان خميس في سن 24 أو 25 ليست هي ألحانه في سن ال 50 بعد كلّ التراكمات والزخم الذي مرت به تجربتنا وفي الخلاصة فنحن نحافظ على مضمون مشروعنا مع العناية بالتنفيذ الموسيقي وفي الحقيقة فنحن حملة مشروع ثقافي بديل ولكننا لا نطرح على أنفسنا أكثر من الالتزام والموسيقى الجميلة لان الجميع يدرك أن الموسيقى تبقى في النهاية فنا وليس وسيلة لتغيير الواقع ولكنّها تعبيرة فنية عن اللحظة ونحن أبناء هذه اللحظة ونريدأن نكون أوفياء لها كما نراها ومن الطبيعي أن يكون صدقنا وإخلاصنا للحظة مصدر ثقة الجمهور وحبه لأغانينا، وهو الدافع لنا في أن نواصل نهجنا رغم ضعف الامكانيات وعدم القدرة على الترويج لأشرطتنا ولاننا مقتنعون بنهجنا ولا نريد الا ان نكون أنفسنا. لمن تتوجه مجموعة »عيون الكلام« بموسيقاها؟ الجمهور الذي نتوجه له هو كل الجمهور الذي يشبهنا فنحن جزء من هذا الشعب، وأعتبر نفسي معنية بالقدرة الشرائية والبطالة وضيق الافاق أمام الطاقات وخريجي الجامعات ولا يمكن لي أن لا أهتم بإحتلال العراق ومعاناة أهل غزة وأنا منشغلة بالمضاربات المالية العالمية والأزمات التي تخلقها وتفقير الشعوب والإستثراء الفاحش وتغول البنوك وسطوة البورصة ورأس المال الافتراضي الذي يمتص الثروات المنتجة، فأنا إبنة واقعي وزمني وأعبر بموسيقايا عن هذا الواقع الإنساني بكل جوانبه الجميلة والرديئة، وجمهوري هو كل من يرى نفسه في أغانينا فأنا لست غريبة عن الهمّ العام وسأظلّ أغني وفقا لانتمائي ما دام الحلم مشروعا وما دام الدليل على عدم تحقيق الحلم غير موجود. وأودّ في الاخير الإشارة الى ملاحظة بعض الأصدقاء حول غياب الأغاني العاطفية بالقول أننا لسنا ضدّ أغاني الحبّ والحياة ولكننا لا نريد الوقوع في السائد ونريد الغناء للحبّ وفق رؤيتنا.