بامكانهم قطف كلّ الورود لكن ليس بإمكانهم ايقاف الربيع... «نيرودا» فوجئت كما فوجئ كتّاب تونس ومثقفوها والرأى العام التونسي عموما ببلاغ الهيئة المديرة لاتحاد الكتّاب التونسيين الذي تناقلتْهُ وسائل الاعلام يومي السّبت 29 والأحد 30 ماي الماضيين... ومصدر المفاجأة ليس في ميقات البلاغ فحسب وانما في طبيعته ومضمونه. من حيْث الميقات فإنّ البلاغ صادرٌ عن اجتماع هيئة مديرة لإحدى أهمّ الجمعيات الثقافية في تونس (إتّحاد الكتّاب التونسيين) يومين فقط بعد ان اصدر الاتحاد الجهوي للشغل بتونس العاصمة بلاغا يعْلم فيه الكتاب بتاريخ انعقاد المؤتمر التأسيسي لاوّل نقابة لعموم كتاب تونس يوم الاحد 13 جوان 2010 ويبدو ان هذا البلاغ صدم أعضاء الهيئة المديرة لاتّحاد الكتّاب فاعتقدُوا أنّ مشروع النقابة هذا »تْسونامي« جديد سيأتي على الاخضر واليابس في نهج سيف الدولة (مقرّ اتحاد الكتاب)، فكانت انتفاضتهم الاخيرة في شكل اجتماع صدر عنه بلاغ لا فائدة منه بلْ على العكس نرى انه يضرّ باتحاد الكتاب وبتاريخه كيف لا وهو بمثابة جملة من الفرمانات الاستبدادية التي تتنافى وطبيعة المجتمع المدني وتتعارض مع دولة المؤسسات والقانون التي أقرّها دستور البلاد. ❊ خطوة الى الأمام تتكرّر في الايام الاخيرة في تصريحات أعضاء هيئة اتّحاد الكتاب ورئيسته عبارات الافتخار بإنجاز تاريخي هو تشغيل خمسة كتّاب عاطلين عن العمل (رغم أنّ القائمة السّنة الماضية كانت تضم اثنا عشرة ملفا عمد أعضاء الهيئة إلى إلغاء بعض الاسماء منها وأساسا المجازين وهذه حكاية أخرى!!!) وإننا إذ نبارك اهتمام سيادة الرئيس بأوضاع التّاب كما نبارك تدخّل السيد وزير الثقافة لتفعيل القرارات الرئاسية المتعلقة بالكتّاب، كما نشكر السيدة جميلة الماجري وأعضاء هيئتها على المجهودات التي بذلوها لتشغيل جزء من الكتّاب العاطلين (رغم أنّها جاءت متأخرة وفي سباق محموم لسحب البساط من تحت مشروع النقابة!!!) ولكن لا بد ان نتساءل أين ذهبت بقية الملفات ولمَ تعمّدت الهيئة المديرة للاتحاد اخفاءها وعدم ايصالها الى سيادة الرئيس والى معالي وزير الثقافة. أما تنديد هيئة الاتحاد بما ورد في بيان المجموعة الداعية الى تكوين نقابة واساسا الجملة المتعلقة بأوضاع الكتّاب وغياب هيكل يدافع عنهم، فإنّ من صاغوا بيان النقابة ليسوا ناكري جميل ويعرفون ما تحقق لتونس والتونسيين ومنهم الكتاب في السنين الاخيرة من استقرار ورفاه، ولكن هذا لا ينفي ان عددا كبيرا من كتّاب تونس يعيشون ظروفا صعبة اجتماعيا وسكنيا وصحيا اما إبداعيّا (وهنا المفروض دور اتحاد الكتّاب) فمازالت ساحتنا الادبية تفتقر الى المجلات والدوريات والجرائد المتخصصة ومازال الكتاب يعانون من جشع الناشرين ومازال من يطبع منهم على الحساب الخاص يدفع الاقساط للمطابع، ومازال الكاتب التونسي لا يستطيع السفرالى الخارج ويعتذر عن بعض الدعوات للتعريف بنصه وبالادب التونسي... أليست هذه الاوضاع مزْرية؟.. لم نجدْ نعتا لصورتنا في المرآة!!! ❊ خطوة الى الوراء يبدو ان الشغل الشاغل لهيئة الاتحاد في شهر ماي الماضي كان كيفية عرقلة نقابة كتّاب تونس فلم تنشط الهيئة ولم تجتمع مثلما فعلت فى الشهر الاخير؟ وهذا تقليدٌ عربيّ بامتياز حيث لا نجتمع للبناء بقدْرما نجتمع للهدم والتحطيم ووأد المشاريع الطّموحة، لذلك أتْحفتنا هيئة الاتحاد بقرار مثير في خاتمة بلاغها يقول: »انّ كلّ عضو من أعضاء الاتحاد ينخرط في أيّ جمعية أو منظّمة أو هيكل يشترك مع اتحاد الكتّاب في التكوين والاهداف يعتبر منسحبا من الاتحاد«. إنّه قرار مضحك... إعلان »تراجيكو ميدي« لأنّه يتنافى ودستور البلاد وحقّ الكاتب والمثقف في أن يكون مشعا وأن ينخرط في مؤسسات المجتمع المدني، قرار يقْمع الحرية ويتعارض مع ما أرْسي في تونس من قيم القانون والمؤسسات. قرار ينمّ عن جهل أو تجاهل لأبسط قواعد العمل الجمعياتي، للنظام الداخلي لاتحاد الكتاب، جهل في التفريق بين العمل النقابي والعمل الجمعياتي وجهل بتاريخ وبطبيعة الاتحاد العام التونسي للشغل.. وما دمْتُ ذكرتُ هذه المنظمة العتيدة التي وافقت على احتضان ورود كتاب تونس وزهورها علمنا أنّ هيئة اتحاد الكتاب بعثت رسالة الى الاخ الامين العام للاتحاد العام التونسي للشغل تستنكر فيها تدخل المنظمة في شؤون اتحاد الكتاب... غريب (!). كان الاجدى بهيئة اتحاد الكتاب أن تشكر المنظّمة الشغيلة وان تساعد على بعث نقابة إنْ لم تنْفع الكتّاب فلن تضرّهم... نقابة يمكن أن تساعد اتحاد الكتاب في تطوير الحياة الابداعية والمادية والاجتماعية لكتّاب تونس... إنّها فاشيةٌ ثقافية... خلْناها ذهبتْ دون رجعة مع الانظمة الاستبدادية البائدة لكن ها أنّ هيئة اتحاد الكتاب تتحفنا بالعوْدة إليها... عالمة كما هي بأن لا مجال لايقاف الرّبيع...