في حفل تكريم الفائزين بجائزة الشيخ زايد: الثقافة لا تلتفت للظلام، تحمل شعلة بهائها بخطى راسخة أبوظبي – ديما أنولاين – صالح سويسي وسط حضور عدد هامّ من الكتّاب والمثقفين والإعلاميين العرب والأجانب، سلّم الشيخ هزّاع بن زايد آل نهيان مستشار الأمن الوطني ونائب رئيس المجلس التنفيذي لإمارة أبوظبي جوائز الدورة السادسة لجائزة الشيخ زايد للكتاب. وفي أجواء تعطي للكتاب قيمته الحقيقية انطلق الحفل في أجواء موسيقية لفرقة بيت العود التي قدمت النشيد الوطني الإماراتي. ركح قاعة المؤتمرات الأول بمركز أبوظبي للمعارض كانت أشبه بمكتبة ضخمة تطلّ منها أمهات الكتب ودرر المراجع، ومن خلال تلك الشاشة العملاقة تابع الحضور فكرة مصورة عن رؤية الجائزة وأهدافها في تصوير ممتع ومبتكر، كما تمّ تقديم عرض ضوئي تعانقت فيه الموسيقى بالضوء بالحرف العربي لتفرز لوحة باهرة الألوان تشكّل مفاهيم الجائزة وهي "أول الغيث قطرة، ثقافة، رؤية، فكر، تراث" لينتهي العرض بكتاب يحمل غلافه شعار الجائزة. إثر ذلك صعد الدكتور علي بن تميم الأمين العام للجائزة معددا في كلمته مناقب الشيخ زايد ودوره البارز في دعم الثقافة والإبداع العربي بشكل عام. حيث قال "للكتاب جائزة تحمل اسمه، جائزةٌ تتقدُّم نحو العالمية بخطىً واثقة، وبهمة عالية لتكون في مصاف أرقى الجوائز وأكثرها تميزاً" ويضيف أنّ الجائزة تنطلق من "منظومة القيم الإنسانية الرفيعة، والرؤية الحضارية المبدعة، والبحث العلمي الخلاق. جائزةٌ تسعى لتكريس مفاهيم الانتماء والحرية المسئولة، حين نتأملها نكتشف طاقاتها الفاعلةَ في بناء الإنسان، وتكريم المبدعين والمؤسسات الثقافية، إنه الرُّقي الذي نقبنا عنه في أرضية القيم الأكثر إضاءة..." الكتاب مجرة كونية ويواصل بن تميم حديثه عن الدورة الحالية قائلا "ها هو ذا الغيث ينهمر، وها هي الانطلاقة الجديدة للجائزة، تتصاعد فوق مدارج الرِّفعة ومراقيها، لتؤكِّد الدور الحضاري والحيوي لأبوظبي عاصمة الإمارات العربية المتحدة". ورحب بن تميم بضيوف الجائزة مضيفا "مرحبا بكم في أبوظبي هذه المدينة الآثرة النابضة بالأمل والحرف والتجدد، عاصمة أشرقت فيها شمس الثقافة وتناغمت في تطورها المعاصرة بالأصالة والتسامح بالكبرياء، والوداعة بالمهابة، والمحبة بالمحبة، كل هذا غرس نابض بالحياة، أزهر من بين يدي صاحب هذه الجائزة الراحل الشيخ زايد.." وواصل "مرحى ثم مرحى لكم أيها الفائزون، وأنتم تحملون وشاح الثقافة، فتكريمكم دعم لمن يؤمنون بأن الثقافة تتطلب الحماية مما يهدد مشروعها المعرفي والإنساني.. إنها ثقافة لا تلتفت للظلام، تحمل شعلة بهائها بخطى راسخة، لا تعبأ بأنصاف الظلال التي تظن أنها قد توقف العجلة الدائرة، إنها ليست حماية للثقافة فحسب بل دفاع عن شرف الكلمة ونقائها المتأصل التي جعلت أصابعكم حصونا شاهقة أمام كل ما يعكر ملامح الماء ويغلق شرايين المخيلة والفكر، ما أجمل أن يكون الكتاب لغة مشتركة بيننا، ما أجمل أن نحتفل هذا المساء بالحروف ونصفق للكلمات وهي تورق آمالا ورؤى، الكتاب مجرتنا الكونية تجمعنا اليوم نسير نحو الغد بكل إشراقاته وطموحاته، إنه عرس الكتاب الذي يضئ بفوزه ويومئ شراعا لموانئ الفرح". تكريم الفائزين وكرّم الشيخ هزاع الكتّاب الفائزين وهو على التوالي، الكاتب اللبناني عبده وازن الفائز بفرع أدب الطفل عن روايته "الفتى الذي أبصرَ لون الهواء"، وهي رواية للفتيان تدور حول فتى ضرير يدعى "باسم"، في الثالثة عشر من عمره يغادر قريته إلى معهد المكفوفين في بيروت، ويتعلَّم الكتابة بطريقة برايل، كما يتعلَّم الحاسوب، فتتفتح موهبته، ويغادر حياة الاستسلام للإعاقة. والكاتبة التونسية ليلى العَبيدي في فرع المؤلِّف الشاب عن كتابها "الفَكَهُ في الإسلام"، لما يمثِّله من دراسة تحليلية جادّة للفكاهة في الإسلام، وفي الموروث العربي الإسلامي، وهي دراسة تقوم على تحليل عميق للنُّصوص والوقائع، وتنحى منحىً حضارياً يبين ما تنطوي عليه الحضارة العربية الإسلامية من تسامح، وسعة أفق للترويح عن النفس. وينتمي الكتاب الذي هو من منشورات "دار الساقي" إلى أنثروبولوجيا الثقافة، وإلى آفاق معرفية مفيدة لآليات تحليل النُّصوص، وفصوله الستة تكشف عن عمق وتنظيم علمي ومنهجي منضبطين يقومان على التوثيق الدقيق والتحليل المنهجي للنُّصوص، كما يقومان على التنامي الحسن لموضوعاته، فضلاً عن أن الكتاب مزوَّد بالمصادر والمراجع وبفهارس دقيقة لكل ما ورد فيه من معلومات كما كرّم الشيخ هزّاع مُحمَّد الدكتور الحبيب أبو يعرب المرزوقي من تونس أيضا، والذي فاز في فرع الترجمة عن ترجمته لكتاب الفيلسوف الألماني إدموند هوسرل "أفكار ممهدة لعلم الظاهريات الخالص وللفلسفة الظاهراتية"، الصادر عن "منشورات جداول" في بيروت، حيث ذكرت "الهيئة العلمية" بأن ترجمة أبو يعرب المرزوقي لكتاب الفيلسوف الألماني إدموند هوسرل تعدُّ إنجازاً كبيراً، وخدمة للقارئ العربي، نظراً لأهميتها الفلسفية، ولما تنطوي عليه من دقة وأمانة. ومما لاشك فيه أن إنجاز مثل هذه الترجمة لعمل معقَّد ورفيع يتطلُّب بذل جهود مصطلحيه، ولغوية، وأسلوبية ضخمة، ويصدر عن مشروع علمي وفكري يطمح إلى الارتقاء بالثقافة العربية المعاصرة، ويدل على روح المترجم الابتكارية لتعريف القارئ العربي بأصول فلسفة الظاهريات الذي وضع هوسرل لبناتها الأساسية. وفاز الدكتور شاكر عبد الحميد من مصر في فرع جائزة الشيخ زايد للكتاب فرع الفنون، عن كتابه "الفن والغرابة: مقدِّمة في تجليات الغريب في الفن والحياة"، الصادر عن "الهيئة العامة المصرية. وفي فرع أفضل تقنية في المجال الثقافي فازت "مدينة كتاب باجو" الكورية، حيث تسلّم الجائزة رئيس مجلس إدارة المدينة كي يونغ يي، ويذكر أن "مدينة كتاب باجو" تأسست في عام 1989 ضمن رؤية شاملة لوضع حجر الأساس للمعرفة والمعلوماتية اللتين تلعبان دوراً رئيساً في التنمية الوطنية وفي فرع النشر والتوزيع فقد فازت دار"بريل للنشر" الهولندية، ويأتي تكريم "بريل للنشر" في إطار الدور التاريخي الذي لعبته في تحقيق المخطوطات العربية ودراسة التراث العربي وترجمتها إلى اللاتينية، وإلى اللغات الأوربية الحية وفي فرع شخصية العام الثقافية مُنحت الجائزة هذا العام إلى "منظمة الأممالمتحدة للتربية والعلم والثقافة "اليونسكو"، وتسلّم الجائزة إريك فولك نائب مدير اليونسكو. هذا وأعلن الدكتور علي بن تميم، أمين عام الجائزة، عن قرار "مجلس الأمناء" بحجب الجائزة في فرع "الآداب"، وفي فرع "التنمية وبناء الدولة". ويُذكر أن الجائزة استقبلت في دورتها الحالية 560 عملاً في فئاتها المختلفة لمبدعين وباحثين ومترجمين يمثلون 27 دولة من مختلف أنحاء العالم. وتجدر الإشارة إلى أنّ الفائز بلقب "شخصية العام الثقافية" يحصل على جائزة قدرها مليون درهم إضافة إلى "ميدالية ذهبية" تحمل شعار "جائزة الشيخ زايد للكتاب" وشهادة تقدير، بينما يحصل الفائزون في الفروع الأخرى على 750 ألف درهم (300 ألف دينار تونسي) إضافة إلى "ميدالية ذهبية" تحمل شعار الجائزة وشهادة تقدير. هذا وشهد الحفل حضورا رسميّا تونسيّا من خلال سعادة سفير تونس في أبوظبي السيد طارق بالطيب وحرمه، فضلا عن عدد من الإعلاميين التونسيين الذين شاركوا في الحفل كضيوف. وقد لقي المتوجان بجائزة الشيخ زايد للكتاب اهتماما من قبل وسائل الإعلام الإمارتية وكذلك العربية فضلا عن سيل الصور التذكارية قبل الحفل وبعده. وكان سعادة سفير تونسبالإمارات قد نظم حفل استقبال على شرف الوفد التونسي.