الصهاينة يعدّون للاجتياح البري للبنان؟    إعلام عبري يكشف كيف خطط الصهاينة ونفذوا اغتيال نصر الله    رئيس أركان الجيش الإيراني: قريبا يتحدد مصير فلسطين والمنطقة    الحكومة اللبنانية تعلن نزوح مليون مواطن عن الجنوب جراء الضربات الإسرائيلية    بسبب تأخير مقابلة زويتن ومنع الجمهور من الحضور ...هيئة العمران تثور وتهدّد بالتّصعيد    أخبار الترجي الرياضي ...لقاء «البقلاوة» أفضل اختبار لتوجهات «كاردوزو»    أخبار مستقبل قابس: تخفيض في أسعار التذاكر وعزم على تحقيق أول انتصار    إيران تدعو لعقد اجتماع طارئ لمجلس الأمن الدولي بعد اغتيال نصر الله    تحسّن رصيد المعاملات الخارجية لتونس    «تونس ليك» مسابقة لأفضل فيديو إبداعي في المجال السياحي    كرّمه منتدى الفكر التنويري .. المفكّر محجوب بن ميلاد أوّل من عرّب الفلسفة ودرّسها بالجامعة التونسية    وفاة الروائي والمناضل الفلسطيني رشاد أبو شاور    الشاعر بوبكر العموري.. القضاء على الفساد وبناء الدولة رهين مشروع ثقافي    شراكة بمنفعة متبادلة    مجلس وزاري حول التوازنات المالية لمشروع قانون المالية لسنة 2025    تونس تدين العدوان الغاشم    بعد الأمطار الاخيرة: نسبة امتلاء السدود التونسية    حسن نصر الله...مسيرة الجهاد والشهادة    في بيانين منفصلين: حركة الشعب و التيار الشعبي تنعيان نصر الله    الحوثيون: قصفنا مطار بن غوريون أثناء وصول المجرم نتنياهو إليه    البطولة الوطنية لكرة السلة: نتائج مباريات الجولة الثانية    طقس الليلة.. سحب احيانا كثيفة مع خلايا رعدية بهذه المناطق    الرصد الجوّي: رصدنا تساقط ''التبروري'' و''البرد'' بولايتين    مباراة ودية: فوز مستقبل المرسى على الأولمبي الليبي 3-1    هيئة الانتخابات توجّه تنابيه وتحيل هؤلاء على النّيابة العمومية في مخالفات انتخابيّة    تنبّؤات جوّية: أمطار غزيرة تشمل تونس مع بداية أكتوبر    بيّة الزردي : مانيش بطالة والظهور ككرونيكوز كان لمتطلبات مادية    من هو حسن نصر الله    الترجي يتصدر المشهد: ترتيب البطولة الوطنية قبل الجولة الثالثة    مشروع تونسي عن الرقمنة والوساطة الثقافية في قصر النجمة الزهراء ضمن القائمة القصيرة للأعمال المرشحة لجائزة إيكروم الشارقة لحفظ وحماية التراث في المنطقة العربية    قرمبالية: قافلة صحية متعددة الاختصاصات بالمدرسة الابتدائية ببلحسن    صدور القانون الأساسي الخاص بتنقيح القانون الإنتخابي بالرائد الرسمي    سيدي بوسعيد: وزير السياحة يعاين وضعية الميناء الترفيهي و النزل السياحي بالمنطقة    سيدي بوزيد - رئاسية 2024: تسجيل 21 مخالفة انتخابية    ايطاليا : مشاركة وزير الفلاحة في أشغال منتدى الزراعة لمجموعة ال7    وزير الشؤون الدينية يدعو إلى التقيّد بتعاليم الإسلام في المحافظة على المياه وعدم الإسراف في استعمالها    أبرز مباريات اليوم السبت في الدوريات الأوروبية.    وزارة الفلاحة ّأمنت منذ 1 سبتمبر2024 تلقيح اكثر من 143 الف كلب و39 الف قط    نادرة التومي تتحصّل على جائزة أفضل أداء نسائي دور أول ضمن فعاليات الدورة 14 من مهرجان الإسكندرية المسرحي الدولي    الولايات المتحدة: تراجع التضخم يحفز جهود تخفيض نسب الفائدة    عاجل/ تونسية مقيمة في لبنان تطلق نداء استغاثة    الرالي السياحي "رايد" في دورته الرابعة بتونس من 9 الى 18 أكتوبر 2024    طقس اليوم: تغيرات جوية منتظرة خاصة في هذه المناطق    معطيات إحصائية: انخفاض قروض الأسر لدى البنوك    ر م ع شركة الRFR يكشف موعد انطلاق استغلال الخط D    رجة أرضية في سليانة    المرسى : محاصرة مجرم خطير مورط في عدة قضايا ومحل تفتيش    لمعلوماتك الشخصية .. قصة القهوة !    المكنين: الاحتفاظ بنفر من أجل محاولة القتل العمد    ليل الجمعة.. سحب بأغلب الجهات تكون محليا كثيفة بالمناطق الغربية    القبض على 15 عنصرا تكفيريا محل مناشير تفتيش في مختلف ولايات الجمهورية    كيف أعرف لون عيون طفلي    لأول مرة بمستشفى مدنين.. استعمال حقنة "توكسين بوتوليك" لفائدة مريض بشلل نصفي    مدنين: لقاء حول "درع جربة" ضمن مشروع "ماكلتي تونسية"    في السعودية: وزارة الصحة تقدّم تلقيح ''القريب'' في المنازل    تفاصيل : الشركة التونسية للشحن والترصيف تتسلم معدات جديدة    في ديوان الإفتاء: إمرأة أوروبية تُعلن إسلامها    الارض تشهد كسوفا حلقيا للشمس يوم الأربعاء 2 أكتوبر 2024    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قرقنة الجزيرة الساحرة.. بين مد التغيرات المناخية و جزر الهجرة غير النظامية
نشر في باب نات يوم 27 - 03 - 2022

وات - تحرير درة بن عبد القادر - محمد، بحار قد تخطى عتبة الاربعين ببضعة اشهر، خبر البحر منذ ربيعه19 ،ووجد فيه مبتغاه لسد لقمة العيش ولم يتكبّد عناء البحث عن أي عمل آخر كغيره من سكان جزيرة قرقنة في تونس.
حال الامس قد ولّى ومحمد اليوم يجلس على حافة إحدى المراكب الراسية على رمال البحر ، وتعلو محياه اثار التعب وخشية الضياع ، يلقى بنظره بعيدا في الأفق في توجّس من غد مجهول ومصير غامض ، وحين تبادره بالحوار تكتشف أنه غارق في واقع لم يعتده ولم يعهده، فخلال السنوات الأخيرة تراجعت الثروة السمكية وقلّت، لقد أصبح الإنتاج شحيحا والعمل صعبا.
...
يتلعثم لسانه تارة و يتيه نظره طورا ليغوص بين نفسه أو بضعة منها ،وهو من كان بالأمس القريب ينشرح صدره عند الخروج للصيد و العودة بالغنيمة والصيد الوفير. "كنت أتجه نحو البحر للصعود على مركبي والإبحار بعيدا في أعماق المياه فأصطاد كميات وفيرة من أنواع السمك و في مختلف المواسم، لكن خلال السنوات الأخيرة أصبح الصيد قليلا و غير كاف و كأن بالبحر قد اطلق صفارة إنذار ليعلن للجميع أن الثروة التي بداخله في طور النفاذ" ،هكذا تحدث محمد بكل حسرة و تذمر من الوضع الذي أصبح عليه.
جزيرة قرقنة أمام التحديات المناخية
تقع جزيرة قرقنة التابعة لولاية صفاقس، شرقي البلاد التونسية وهي عبارة عن أرخبيل يمتد من الجنوب الغربي إلى الشمال الشرقي على مسافة 40 كلم و لا يتجاوز عرضه 5 كلم و يمسح 150كلم مربع.
و يعد هذا الجزء من البلاد التونسية من المناطق التي تزخر بالثروات الطبيعية، ولكن أثرت التغيرات المناخية تأثيراً كبيرا على الثروة السمكية التي تعد مورد رزق لأغلب سكان المنطقة.
يذكر ان جزيرة قرقنة تندرج ضمن قائمة المناطق الأكثر تأثرا بالتغيرات المناخية في منطقة البحر الأبيض المتوسط، حيث يرتفع منسوب مياه البحر و يتقدم تدريجيا، بسبب ظاهرة الاحتباس الحراري، ليغمر أجزاء من الأرخبيل و كأن الطبيعة تسترد حقها من البشر وتقوم بالرد على الاعتداءات التي طالتها. كما أن ارتفاع درجات الحرارة تؤثر سلبيا على تكاثر حوالي 60 بالمائة من جميع أنواع الأسماك و بالتالي سيكون له الأثر السيئ على الثروة السمكية.
وأمام هذا التغيّر المناخي الذي يزداد سوءا يوما بعد يوم خاصة بالنسبة لأهالي جزيرة قرقنة ، منهم من جابه المتغيرات ولم يبقوا مكتوفي الأيدي بل سعوا للتأقلم و البحث عن أسلوب جديد للحياة وخلق مورد رزق اخر يضمن لهم العيش الكريم
محمد كان مع السرب في رحلة البحث عن لقمة العيش ، لكنه لم يقطع وصله بالبحر ،فكان في تماه مع حركة البحر و مزاجه، وسكونه و ثورته ، تنقلاته ومواعيده، وفق أحكام البحر، فينسل من فراشه و يغدو يومه ليبدأ رحلة قوته اليومي إلى حين جمع الصيد الوفير.
"لقد أصبح ذهابي إلى البحر يقتصر على لحظات تأمل في الأفق البعيد و في مستقبل غامض. لا أدري إن كنت قد أصبت في قراري التخلي عن مركبي ورفيق دربي في رحلة البحث عن قوتي أم أني إرتكبت خطا لا عودة معه"، هكذا واصل محمد سرد قصته وهو في حيرة من أمره.
للخروج من هذه الأزمة الخانقة و أمام تراجع الثروة السمكية بسبب التغيرات المناخية التي تعاني منها الجزيرة، قرر محمد، بعد تردد، بيع مركبه بغية الحصول على مبلغ مالي هام يفوق القيمة الحقيقية للمركب ليبيع "رفيق دربه" كما يحلو له تسميته ، إلى أحد منظمي الهجرة غير النظامية في الجهة
حسب التقارير الأخيرة لخبراء الأمم المتحدة للمناخ، من المتوقع أن يعيش أكثر من مليار شخص بحلول سنة 2050 في مناطق ساحلية مهددة بارتفاع منسوب المياه و الفيضانات. كما أكد الخبراء أن الأضرار الإقتصادية للتغير المناخي تمس عدة قطاعات و أنشطة و من بينها الصيد البحري، و تؤثر بالتالي على الأمن الغذائي و ينجر عنها فقدان موارد الرزق.
تنامي ظاهرة الهجرة غير النظامية في جزيرة قرقنة
منذ أحداث الثورة التونسية سنة 2011 تطور عدد المهاجرين غير النظاميين في اتجاه السواحل الإيطالية. حيث وصل إلى جزيرة لمبادوزا الإيطالية بين شهري جانفي و مارس 2011 أكثر من 20 ألف مهاجر غير نظامي.
تنطلق "قوارب الموت" كما يطلق عليها ،من عدة مناطق ساحلية في تونس منها المهدية، نابل، و أيضا صفاقس و تحديدا قرقنة حيث تطور عدد الرحلات غير النظامية بصفة ملحوظة في المدة الأخيرة حسب ملاحظات سكان الجزيرة.
و أكد رمضان بن عمر، الناطق الرسمي باسم المنتدى التونسي للحقوق الإقتصادية والإجتماعية، أن سنة 2021 كانت سنة استثنائية في علاقة بالهجرة غير النظامية، حيث وصل أكثر من 15 ألف مهاجر غير نظامي تونسي إلى السواحل الإيطالية و في 2020 وصل ما يقارب 12 ألف مهاجر غير نظامي، و هي أرقام مفزعة
وافاد يانه تم إحصاء حوالي 30 ألف مهاجر غير نظامي في ظرف عامين، دون اعتبار من تم منع اجتيازهم للحدود خلسة وهو ما يقارب أكثر من 25 ألف مهاجر سنة 2021
و أكد بن رمضان أن حوالي 40 بالمائة من عمليات الإبحار خلسة نحو السواحل الإيطالية تتم إنطلاقا من جهة صفاقس، أين نجد نسبة هامة من الشباب الذي يتوق إلى الهجرة نظرا إلى عدة أسباب من بينها البطالة، بالإضافة إلى تزايد نشاط شبكات و محترفي الهجرة غير النظامية في المنطقة و الذين يلجئون إلى أساليب متطورة للإفلات من الرقابة الأمنية.
و الحديث عن صفاقس كنقطة إنطلاق لاجتياز الحدود خلسة يشمل أيضا عمليات الهجرة التي تنظم انطلاقا من جزيرة قرقنة.
شريط من الذكريات يستحضره محمد فيعود بنا إلى فترة اشتد فيها الكساد وتراجع الإنتاج، ليذكّر البحر مرة أخرى سكان الجزيرة بأن الوضع يسوء يوما بعد يوم و بات من المفروض التحرك في كل الاتجاهات لإيجاد الحلول اللازمة والتفكير في مورد آخر للرزق.
" أمام هذا الوضع المتردي بدأت تخامرني فكرة الانطلاق نحو السواحل الإيطالية عسى أن يحالفني الحظ وأغنم بعمل ينتشلني من ضيق الحال وتستقر أوضاعي المادية و أنعم أنا و عائلتي بالعيش الكريم" ،سرد محمد هذه الكلمات بنبرات مختنقة و كأنه يتخبط بينه وبين نفسه و يصارعها حتى يبقى على قيد الحياة.
"لقد حاولت ركوب قوارب الموت، أملا أن أغير أوضاعي و أتجاوز مصاعب الحياة، و لكن لم أفلح. لقد تم ترحيلي حال وصولي إلى الضفة الأخرى، عندها اقتنعت بوجوب التخلي عن "رفيق دربي"، هكذا واصل محمد حديثه وهو على يقين أن مركبه الذي كان يمتطيه للبحث عن رزقه و جمع قوته سيكون أيضا مصدر للرزق و المال الوفير.
رمضان بن عمر، الناطق باسم المنتدى، أكد في هذا الصدد، أن موجة الاحتجاجات التي عرفتها جزيرة قرقنة سنة 2016 و التي كانت للمطالبة بالحق في التشغيل بعد تفاقم نسبة البطالة، مما انجر عن هذه الأحداث فراغ أمني تسبب في تزايد عدد الرحلات الغير النظامية. و ذكر نفس المصدر أن المنطقة سجلت فاجعة بحرية سنة 2017 و تلتها الأخرى سنة 2018، و منذ تلك الأحداث وعد رئيس الحكومة آنذاك بدعم أمني في الجهة مع تعزيز المراقبة الأمنية عند الدخول إلى الجزيرة.
دور المجتمع المدني أمام تردي الأوضاع في الجزيرة
احمد السويسي، ناشط بالمجتمع المدني و ممثل عن جمعية القراطن للتنمية المستدامة والثقافة و التنمية و الترفيه، أكد أن أغلب سكان جزيرة قرقنة يقتاتون من البحر وأن الوضعية الإجتماعية للبحار في قرقنة كانت في السابق أحسن بكثير من موظف عمومي لدى الدولة، مؤكدا أنه لولا النشاط البحري في قرقنة لما كانت هذه الجزيرة اهلة بالسكان، بما أن النشاط الأساسي هو الصيد وتبقى بقية الأنشطة الأخرى في علاقة بخدمات مسداة للناشطين في هذا الميدان.
و لكن انخفضت الثروة السمكية للبحر خلال السنوات الأخيرة لعدة عوامل من بينها التلوث و خاصة عامل التغيرات المناخية، حيث أصبحنا نعيش موسمين صيف حار و شتاء جاف و هو ما كان له الأثر الكبير على البحر و الثروة السمكية. أمام هذه الوضعية المتردية و انقطاع أنشطة معينة كنشاط جمع الإسفنج الذي لم يعد موجود، أصبح تفكير الكثير من السكان متجها نحو خلق موارد رزق أخرى لتوفير مقومات العيش الكريم.
و حسب نفس المصدر فإن أغلب الشبان في المنطقة لجئوا إلى الانضمام إلى عمليات الإبحار خلسة. و بين السويسي أن عمليات الهجرة الغير النظامية إنطلاقا من جزيرة قرقنة لم تكن في الماضي سهلة بما أن وسيلة الإبحار، و هي المركب، كان يستعملها صاحبها للصيد و تأمين قوته.
و لكن منذ 2017 ، و بتفاقم البطالة وتدهور الثروة السمكية، أصبحت الرحلات غير النظامية تسجل بكثافة في المنطقة، حيث يمكن إحصاء معدل ثلاث رحلات في اليوم في صيف 2017 و ذلك بمساهمة البحار الذي فضل بيع مركبه لشبكات منظمي الرحلات السرية. بعد الحصول على مبلغ مالي يعيد البائع استثماره ليخلق به مورد رزق آخر دون الإبحار في أعماق البحر و مصارعة الموج للعودة إلى اليابسة بصيد لا يغطي احتياجاته و لا يؤمن له أدنى مقومات العيش الكريم.
لم تكن هذه الظاهرة موجودة في الجزيرة، كما أكد أحمد السويسي، لأن العمل في البحر الذي اعتاد عليه السكان رجالا و شبانا، كان يوفر الخير الكثير و لكن بعد التراجع الملحوظ للثروة السمكية اضطر أغلبهم إلى هذا الحل وهو بيع المركب، لا سيما و أن عملية البيع تتم صوريا و دون عقد بيع ليبلغ الصياد في وقت لاحق عن سرقة مركبه بعد التأكد من أن عملية الهجرة قد تمت.
كان ذلك أيضا اختيار محمد، الذي قام ببيع مركبه بمبلغ مالي محترم مكنه من اقتناء مركب آخر صغير و استثمار بقية المبلغ في مشروع لبيع مواد التنظيف وغيرها.
و حسب أحمد السويسي فإن سكان الجزيرة تجاوز احتياجهم الحملات التحسيسية، و كناشط في المجتمع المدني و من خلال الجمعية التي يترأسها، يتم تقديم الدعم الإجتماعي للصياد مثل المساعدة على التمسك بطرق صيد تحترم التنوع و الراحة البيولوجية في البحر حتى لا ينخرط البحار في تصحر البحر و ذلك من خلال المساعدة على توفير تكلفة شبكة الصيد التي يجب ملاءمتها مع نوع السمك الذي يتم صيده و حسب مواسم الصيد. كذلك مساعدتهم على الحصول على المنح والامتيازات التي توفرها الدولة.
هل من حلول..؟
يؤكد حمدي حشاد مهندس بيئي و مختص في الشأن المناخي، أن المناخ في جزيرة قرقنة قاس بطبعه حيث يمكن القيام ببعض الأنشطة الفلاحية و الإعتماد بالأساس على الصيد البحري و لكن مع بروز ظاهرة التغيرات المناخية، ازداد الوضع سوءا.
تؤكد بعض الدراسات أن 40 بالمائة من الجزيرة ستغمرها المياه، بالإضافة إلى ظاهرة التسبخ التي تعاني منها المنطقة و كذلك إرتفاع درجة حرارة المياه التي أثرت على أنواع السمك وأدت إلى ظهور أنواع جديدة أخرى "غازية" ، كل هذه العوامل أدت إلى تغيير نوع الأنشطة التي يمارسها السكان.
و في هذا الإطار يعتبر حمدي حشاد أن الحلول المقترحة يمكن أن تكون حلولا تقنية للتخفيف من حدة تأثير التغيرات المناخية مع وجوب التأقلم مع الوضع بالإضافة إلى المرونة المناخية لتحضير المجتمع المحلي لتقبل الوضعية الجديدة.
و من بين الحلول المقترحة حسب حمدي حشاد المهندس البيئي والمختص في الشأن المناخي، يمكن جمع "الضريع" الذي يلفظه البحر ليتم تشكيله على شكل جبل صغير للحد من قوة الموج ،و بالتالي إيقاف عملية تقدم البحر على حساب اليابسة. كذلك من بين الحلول الأخرى حسب حمدي حشاد التشجيع على جمع مياه الأمطار وهي من العادات القديمة التي اضمحلت تقريبا، وذلك لاستعمالها في سقي الأشجار والزراعات أوقات الجفاف. و كذلك العودة إلى الفلاحة التقليدية و زراعة النخيل التي تساهم في حماية التربة أكثر من زراعة الزيتون.
مقاومة التغيرات المناخية في اتصال وثيق بمقاومة أسباب ظهورها و بالأساس التلوث البيئي. ولم يتهاون سكان جزيرة قرقنة لإعطاء هذا الموضوع الأهمية اللازمة. عمر خشارم أحد شبان الجزيرة فضل مواجهة الواقع بطريقته عوضا عن الهروب إلى الضفة الأخرى، فجعل من النفايات البلاستيكية و الضارة للطبيعة و لمياه البحر والكائنات التي تعيش فيها و منها السلحفاة البحرية، مورد رزق. اقتنع عمر بأهمية الاقتصاد الأخضر والاقتصاد الدائري وأن جمع النفايات البلاستيكية من شأنه أن يساهم في مقاومة التلوث على أرض الجزيرة بل تكون مورد رزق هام. أنشأ عمر خشارم شركته الخاصة لجمع النفايات البلاستيكية مساهما بذلك في الحد من التلوث البيئي في محيط الجزيرة و بحرها. لم يفكر عمر في الربح المادي فقط بل انخرط كناشط في المجتمع المدني في القيام بعمليات تحسيسية للتلاميذ في المؤسسات التعليمية لإبراز أهمية مقاومة التلوث والمحافظة على الجزيرة كوجهة سياحية. كما قام بتشريك التلاميذ في تنظيم حملات لجمع القوارير البلاستيكية مع مراعاة الجانب الترفيهي لهم. كذلك إستغلال شباك الصيد التي يستغنى عنها البحار لصنع سلات، يقع تركيزها في عدة مناطق من الجزيرة كنقاط لجمع القوارير البلاستيكية وذلك في إطار "فري بلاستيك قرقنة". هي مبادرة تندرج ضمن استراتيجية كاملة تم إطلاقها في إطار مشروع "دفلوك" وهو مشروع للتنمية المحلية في جزيرة قرقنة ممول من قبل الإتحاد الأوروبي و ساعد على القيام بالعديد من الأنشطة البيئية للمساهمة في حماية الجزيرة.
كل ركب هواه في تحقيق أحلامه و تجاوز مصاعب الحياة و خلق مورد رزقه. بالرغم من تحقيق تطلعاته وطموحاته، لا يزال محمد يتحسر على بيعه "رفيق دربه" الذي أبحر عليه العديد من المرات و طيلة سنوات. كما يؤنبه ضميره باستمرار لمساهمته بطريقة غير مباشرة في تشريد عائلات وفقدان آخرين خلال رحلة سرية على متن مركبه ، نحو الضفة الأخرى حيث تظل عنوانا للموت وتبقى نسبة النجاة ضئيلة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.