وزير الشؤون الخارجية يلتقي نظيره اللبناني ونظيرته الجامايكية    في قضية تتعلق بتبييض الأموال: الإفراج عن رضا شرف الدين بضمان ماليّ    المترشحان زمال والمغزاوي يدعوان نواب الشعب الى رفض مشروع تنقيح فصول من قانون الانتخابات    منها إحداث مدينة الأغالبة الطبية بالقيروان: مجلس الوزراء يصادق على عدد من القوانين والأوامر    المنتدى المتوسطي للقضاء على الكربون...تونس ترسّخ مسار التنمية المستدامة    حزب الله ينعى القيادي محمد حسين سرور إثر غارة إسرائيلية على الضاحية الجنوبية    بطولة إفريقيا للأصاغر في كرة اليد ... المنتخب يخسر اللّقب    طقس الجمعة: ارتفاع في درجات الحرارة    حدث غير حياتي ...الممثلة سميّة السعيدي .. المسرح غيّر نظرتي إلى الحياة !    لثقافتك الشخصية .. خصائص الكلاسيكية... !    كلام من ذهب .. جميل راتب وثلاثة أشخاص أثروا في حياته !    مدينة مساكن .. أجيال أسسوا تاريخها وشيدوا حاضرها    خطبة الجمعة...المسؤولية أمانة عظمى    اسألوني    قريبا رقمنة مسار الأدوية    تونس الجميلة ..ولاية سيدي بوزيد...الشامخة الأبية... !    بن عروس: حجز طن من اللحوم البيضاء تعمد صاحبها الترفيع في أسعار البيع    إنجاز طبي لافت في المستشفى الجامعي الرابطة    اختتام مشروع "تراث" للكشافة التونسية: 25 ألف مشارك من الشباب استفادوا من هذا المشروع (مديرة المشروع)    بطولة قطر - يوسف المساكني هداف مع العربي امام الريان    عاجل: لجنة التحاليل المالية بصدد إعداد قائمة ثانية في التمويلات المشبوهة لذوات معنوية وأشخاص    وزير الخارجية يؤكد في نيويورك دعم تونس لجهود منظمة التعاون الإسلامي من أجل تحسين أوضاع المسلمين في أوروبا والإحاطة بهم    البنك الأوروبي لإعادة التعمير يتوقع أن يظل النمو في تونس عند 1.2 بالمائة    تونس تتّجه نحو تحيين التشريعات المتعلقة بتربية الكلاب والحيوانات الخطرة    رئاسية 2024: توجيه 5 إشعارات للتنبيه بمخالفات في ولاية تونس    ندوة علمية بجرجيس حول التنوع البيولوجي في خليج قابس وصيد الاسفنج    الرابطة الاولى.. الملعب التونسي ينتصر على نجم المتلوي    عاجل/ الجزائر تفرض تأشيرة دخول على المغاربة    بولت تنظم لقاء تشبيك يهدف لتعزيز الشراكات مع الشركات في تونس    السجن مع المنع من دخول الملاعب لمشجّع أهان لاعبا في اسبانيا    عاجل : العالم سيرى قمرين بسماء واحدة    قبلّي: حجز كمّيات من البطاطا وتحرير محاضر من أجل الزيادة في أسعارها    ديوان البحرية يدرس مشروع ربط السفن التجارية بالشبكة الكهربائية بميناء حلق الوادي للحد من الانبعاثات الغازية    عاجل - يهم التونسيين : جملة من الاجراءات لتخطي أزمة قطاع الدواجن    حيّ هلال: القبض على شخص ''نطر'' هاتف تلميذ    مدير عام الحي الوطني الرياضي يكشف عن حقيقة غلق ملعب رادس    في ديوان الإفتاء: إمرأة أوروبية تُعلن إسلامها    الزهروني القبض على نفر محل 43 منشور تفتيش ومحكوم ب 109 سنة سجن    معرض الرياض الدولي للكتاب ينطلق اليوم ودور نشر تونسية في الموعد    اهلي طرابلس الليبي ينهي التعاقد بالتراضي مع التونس شكري الخطوي    تونس: إنخفاض في أسعار تلقيح ''القريب''    يهم النادي الصفاقسي والترجي تأجيل انطلاق دوري ابطال افريقيا وكأس الكونفدراليه دور المجموعات لموعد جديد    حمة الهمامي يصدر كتابا جديدا من تقديم ميلانشون    لسبب غريب: إعدام 125 تمساحًا    حي هلال/ القبض على مرتكب عملية السرقة بالنطر لتلميذ بمحيط مدرسة إعدادية..    الطريق السريعة تونس-حلق الوادي: إصابة 7 ركاب في انقلاب سيارة نقل جماعي..#خبر_عاجل    العمران الاحتفاظ بنفرين أحدهما محل تفتيش من أجل ترويج المخدرات    بالأرقام: قيمة صادرات الأدوية في تونس    ايداع المتهم بالسطو على فرع بنكي في الوردية السجن..#خبر_عاجل    نظارات الواقع المعزز...مؤسس الفايسبوك يعلن عن تكنولوجيا المستقبل !    وزير الشباب والرياضة يؤدّي زيارة معاينة لملعب الشاذلي زويتن.    سليانة: انزلاق حافلة على متنها 25 تلميذا وتلميذة    بايدن وماكرون يطالبان إسرائيل ولبنان بتلبية الدعوة الدولية لوقف إطلاق النار    يوسف طرشون: 89 نائبا يؤيدون مقترح تعديل القانون الانتخابي    الجزائر تسلم الرباط 39 مغربيا    الولايات المتحدة تمول مبادرة شبابية لإكتشاف التراث الثقافي في القصرين    التيكتوكوز ''وحش الكون'' وبناتها في قبضة الامن    الارض تشهد كسوفا حلقيا للشمس يوم الأربعاء 2 أكتوبر 2024    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سهام بن سدرين: حصاد هيئة الحقيقة والكرامة في تفكيك منظومة الفساد يحتذى به
نشر في باب نات يوم 14 - 05 - 2020


سهام بن سدرين
رئيسة هيئة الحقيقة والكرامة
تواترت في الأشهر الأخيرة حملات تشكيك في التجربة التونسية في العدالة الانتقالية وتخلط بين ما هي مأخذ على القانون والدستور وما هو انتقاد لأداء الهيئة. واعتمدت هذه الحملات على اتهام بهيئة الحقيقة والكرامة "بالفساد" خاصة فيما يتعلق بإدارتها لألية التحكيم والمصالحة. ولإنارة الرأي العام نقدم هذه التوضيحات لضمان الحد الأدنى من الموضوعية والجدية في التعاطي مع المعلومة ومصدقيه الخبر.
ما من شك أن إدارتنا لآلية الحكيم والمصالحة - مثلها مثل بقية أعمال الهيئة - هو عمل بشري يستدعي الفحص والتقييم وهو ليس خال من الأخطاء، ونحن مقتنعون أن المردود كان بالإمكان أن يكون أفضل. غير أن هذا الإقرار لا يبرّر فتح باب التجنّي والافتراء على أعمال هيئة الحقيقة والكرامة وتشويه مقاصدها وضرب التجربة التونسية في العدالة الانتقالية. وهذه بعض التوضيحات التي من شأنها رفع اللبس على مزاعم تضليلية طالت هيئة الحقيقة والكرامة:
توضيح رقم 1: التشويه عبر التطاول على المؤسسات الرقابية واستبلاه القراء
ينسب لتقرير دائرة المحاسبات، الذي خص مراجعة أداء هيئة الحقيقة والكرامة، ما لم يحتويه ؛ إذ يتسنّى للجميع التثبّت بالرجوع إلى التقرير الرسمي المنشور على موقع المؤسسة والصادر في 30 افريل 2019. هذا التقرير لا يتضمّن "ملاحظة رقم 361: أنه تبيّن للفريق الرقابي تعهّد رئيس اللجنة وزوجته بالملف المذكور وذلك من خلال وضع تأشيرتي مكتب الزوجة ومكتب رئيس اللجنة كشريك بشركة التوفيق للمحاماة على الملف التحكيمي".
كما يهمّنا التذكير بالبلاغ الذي أصدره الرئيس الأول لدائرة المحاسبات بتاريخ 29 مارس 2019 – في سابقة ملفتة - للتباين مع التسريبات والتأويلات التي سبقت صدور التقرير وحاولت التأثير على المحكمة. وكل ما عاينته الدائرة في تقريرها الرسمي لا يتجاوز سقف إخلالات وأخطاء تصرّف التي لا ترتقي إلى الفساد حسب تصريح الرئيس الأول في الندوة الصحفية التي عقدها بمناسبة صدور هذا التقرير.
توضيح رقم 2 : لقد بتّ مجلس الهيئة في موضوع التجريح في رئيس لجنة التحكيم والمصالحة وعيّن نائبة الرئيس للإشراف عليها
إنّ الوجاهة والإنصاف يقتضيان تمكين القارئ من الاطلاع على ردود هيئة الحقيقة والكرامة على المآخذ المتعلقة بشبهة تضارب المصالح التي طالت أعمال لجنة التحكيم والمصالحة وما اعتبرته دائرة المحاسبات "تأخيرا" في البت في طلب التجريح الذي تقدّم به رئيس اللجنة السيد خالد الكريشي في شخصه بتاريخ 3 نوفمبر 2017 طبق للفصل 61 من قانون العدالة الانتقالية والمنشورة في أعقاب تقرير الدائرة (ص43-45) حيث جاء فيها :
"في الجلسة العامة المنعقدة بتاريخ 28 ماي 2018 نظر المجلس في موضوع تجريح رئيس اللجنة في نفسه في "ملفات التحكيم والمصالحة المتعلقة بالفساد المالي التي يكون المكلّف العام بنزاعات الدولة طرفا فيها وذلك بسبب علاقة الشراكة المهنية بمكتب محاماة التي كانت تربطه بوزير أملاك الدولة والشؤون العقارية حينها"، إلا أن المجلس قرّر قبول التجريح في الملفات التحكيمية التي يكون موضوعها الفساد المالي والاعتداء على المال العام. وتم تعويضه بنائبة رئيس لجنة التحكيم والمصالحة التي ترأست الجلسات التحكيمية"…"إن في كل هذه الإجراءات التي تم اتخاذها من مجلس الهيئة تكريسا لمبدأ الشفافية في أعمال لجنة التحكيم والمصالحة وعلى حياد كافة أعضاءها وكل القرارات التحكيمية التي تم إصدارها من مجلس الهيئة تم بعد النقاش والتداول فيها بين كافة أعضاء المجلس باستثناء هذا العضو [أي خالد الكريشي]".
كما يتسنى التذكير بأنّ مجلس الهيئة هو الجهة الوحيدة (لا لجنة التحكيم والمصالحة ولا رئيسة الهيئة) التي قامت بالبتّ في القرارات التحكيمية المتعلّقة بالفساد المالي قبل أن تكسيها محكمة الاستئناف بالصبغة التنفيذية. إن وثائق القرارات التحكيمية المنشورة في سجلات محكمة الاستئناف بتونس تثبت ذلك.
توضيح رقم 3: إبرام الاتفاقيات المبدئية للصلح هو إجراء ثنائي بين طالب التحكيم والمكلف العام بنزاعات الدولة ودور الهيئة محكم بين الأطراف
خوّل قانون العدالة الانتقالية للمورطين في فساد مالي اللجوء إلى آلية التحكيم وعقد صلح مع الدولة شريطة الإقرار الكتابي والاعتذار وبيان الوقائع التي أدّت إلى استفادة غير شرعية وقيمة الفائدة المحقّقة (فصل46 من قانون العدالة الانتقالية)
لذا فان الاتفاقية المبدئية التي تسمح للجنة التحكيم بالانطلاق في إجراءاتها تمضى بين طالب التحكيم والمكلف العام بنزاعات الدولة وليس مع رئيس اللجنة، وتتعهد اللجنة بالملف بناء على هذه الاتفاقية المبدئية (الفصل 46 من قانون العدالة الانتقالية). ولا يمكن للجنة النظر في الملف إلا بعد موافقة الضحية أي الدولة (الفصل 26 من النظام الداخلي) في إطار الاتفاقية المبدئية. وهذا ما أدّى إلى عدد محدود من الاتفاقيات مقارنة بعدد الملفات التي تقدم بها المكلف العام بنزاعات الدولة في البداية باسم الدولة كمتضررة. ويتضمن مطلب التحكيم القبول المسبق واللا مشروط بالقرار التحكيمي واعتباره غير قابل لاي وجه من اوجه الطعن او الابطال (فصول 46 و50 من القانون).
ومن المهم التذكير بأن الهيئة في الأصل تقوم بدور محكم بين الأطراف. وكان على المكلف العام احضار حججه وأدلته وتأثيث ملفاته بوصفه محام الدولة. الا أن الملفات التي تقدم بها كانت خالية من مؤيدات وأن المكلف العام لم يمكننا حتى من نسخ الملفات المحالة أمام القضاء.
كما امتنع قضاة التحقيق بالقطب القضائي المالي عن تمكين الهيئة من حقها في نسخ الملفات موضوع تعهدها المنشورة امامهم. وكلفت الهيئة بعض الخبراء لإنجاز تقارير اختبار لملفات المعروضة أمامها والمقدمة من المكلف العام لنزاعات الدولة، إلا أنهم اعتذروا عن إنجاز هذه الاختبارات لعدم ترخيص قضاة التحقيق المتعهدين سابقا بهذه الملفات لهم. هذا ما دفع الهيئة الى تشكيل فريق من الخبراء داخلها ليقوموا بالبحث والتحليل المالي واقتراح على المجلس معايير تقييم الضرر الذي حصل للدولة في ملفات الفساد المعروضة على التحكيم.
توضيح رقم 4 : مبالغ التعويض مذكورة من قبل بعض الأطراف من محض الخيال
فيما يتعلّق بالمبالغ، تجدر الإشارة إلى أنّ المكلف العام طالب في جلسة 3 ماي 2018 مبلغ مالي قدره 50 مليون دينار في ملف السيد الازهر أسطى الذي قبل بالمبلغ. وفوّضت اللجنة النظر لمجلس الهيئة الذي رفض العرض باعتبار أنّه لا يقابل الاضرار التي حصلت للدولة حسب الاثباتات التي قدمها المحلّلون الماليون التابعين للهيئة وأقرّ في جلسته العامة بتاريخ 24 ديسمبر 2018 تحديد قيمة التعويض ب115 مليون دينار.
لقد رفع المكلف العام فيما يخصّ اتفاقية التحكيم التي ابرمت مع السيد سليم شيبوب، بجدول طلبات يحتوي على مبلغ 1200مليون دينار. وعند مناقشته في إطار اللجنة مع الطرف الثاني، اتضح انه قام بجمع العناصر المتعلقة بصخر الماطري وتلك التي تهم سليم شيبوب. فتراجع عن مقترحه وطلب من اللجنة مده بالجدول الذي أعده المحللون الماليون التابعون للهيئة وكان الأمر كذلك، كما مدت الهية المكلف العام باللائحة التي تحتوي على المعايير التي تستعملها لتقييم التجاوزات والأضرار الحاصلة للدولة قبل البت في ملفات الفساد المالي التي كانت الدولة طرفا فيها. وفي بعض النقاط طالبت الهيئة المكلف العام بتقديم مؤيدات (خاصة أرض ملف شركة نوتردام) لارتباطها بملفات أخرى إلا أنه رفض. وتوصّلت الهيئة، وفق الاثباتات التي تمكنت منها كما ينص على ذلك الفصل49 من القانون، إلى تحديد قيمة الضرر للدولة بمبلغ 307 مليون دينار واصدرت قرارها بتلك القيمة.
وفيما يخص القرار التحكيمي المتعلق بالسيد عماد الطرابلسي، فقد عقدت لجنة التحكيم والمصالحة 26 جلسة تحكيمية تغيّب المكلف العام بنزاعات الدولة عن الحضور في 12 منها بعدما أبرم اتفاقية مبدئية بتاريخ 09 ماي 2018. ثمّ تغيب منذ 12 جويلية 2018 عن جميع الجلسات التي خصّصت للتفاوض على الأضرار الحاصلة للدولة.
وحيث ساهم طالب التحكيم في تفكيك منظومة الفساد خلال جلسة الاستماع العلنية بتاريخ 19 ماي 2017 وقدّم اعتذاره الصريح للشعب التونسي طبقا لمقتضيات الفصل 46 واستوفى بذلك لجميع الشروط القانونية، قرّر مجلس الهيئة بجلسته المنعقدة بتاريخ 27 ديسمبر 2018 أنْ يدفع طالب التحكيم مبلغا جمليا قدره 235.408.592,414 دينار قيمة التعويض على الأضرار المادية والمعنوية الحاصلة للدولة التونسية.
كما تقرّر أنْ تتحمّل الشركات المصادرة قيمة الشيكات والخطايا موضوع القضايا ضد طالب التحكيم (والذي حُكم من أجلها بأكثر من مئة سنة سجن) وتُخصم كل هذه المبالغ من قيمة الأملاك المصادرة في تاريخ المصادرة. وذلك باعتبار ان هذه الشيكات ليست بدون رصيد بل برصيد مجمّد وكان على المتصرّف القضائي أنْ يسدّد هذه المبالغ من الأرصدة المجمّدة لعماد الطرابلسي مثلما فعل لتسديد الأجور المستحقة لأجراء هذه الشركات المصادرة وفق ما يقتضيه الفصل 6 من المرسوم ع13دد المؤرخ في 14 مارس 2011 المتعلّق بمصادرة أموال وممتلكات منقولة وعقارية، كما لم تطبق لجنة المصادرة الفصل 7 من المرسوم والقاضي بتحرير تقرير يبين قيمة الأملاك المصادرة بعد خصم الديون. وإنّ رفض استخلاص هذه الشيكات ومستحقات الدائنين كان من باب التنكيل المنافي لقواعد العدل والانصاف.
توضيح رقم 5 : تعاملت الهيئة مع موضوع المصادرة المدنية طبق القانون والمعايير الدولية
لقد اسست الهيئة موقفها في موضوع الأملاك المصادرة بالاعتماد على المعايير الدولية في المصادرة المدنية والتي تعتبر المصادرة إجراء تحفظيا إلى حين صدور قرار نهائي عن هيئة قضائية أو هيئة مستقلّة بعد ما أن يتاح للشخص المعني بالمصادرة تقديم دفعاته أمامها واستبيان الأموال المكتسبة بصورة مشروعة وفرزها عن الأموال المنهوبة، وهذا لم يحصل من قبل لجنة المصادرة.
وبالرجوع خاصة إلى التوصيات الصادرة عن مجموعة العمل المالي الدولية (FATF) المعنية بالإجراءات المالية المتعلقة بغسل الأموال والملزمة للدولة التونسية بصفتها عضوا في هذا الهيكل الأممي ومصادقة على توصياته، والتي تنصّ على : "أن انتقال الملكية لا يتحقّق بمجرّد صدور المرسوم وإنما رهين استعمال لجنة المصادرة لصلاحيات التقصّي والتتبّع لفرز الأموال المكتسبة بصورة مشروعة عن الأموال المنهوبة وتمكين الأشخاص المصادرة أموالهم من حق الدفاع".
كما استندت الهيئة الى فقه القضاء الإداري وخاصة الحكم الصادر عن المحكمة الإدارية بتاريخ 5 جويلية 2017 في القضية عدد 134914 القاضي بإلغاء قرار المصادرة المطعون فيه وعلّلت المحكمة قرارها بضرورة أنْ "تراعى الإجراءات أمام لجنة المصادرة مبدأ المواجهة الذي يقتضي سماع المعنيين بالأمر وتمكينهم من حق الدفاع بالإدلاء بحججهم وبياناتهم"
وحيث صدر عن هيئة الحقيقة والكرامة، بوصفها هيئة شبه قضائية تتمتّع بالاستقلالية، قرار تحكيمي بدفع المبلغ المستوجب وتم اكساءه بالصبغة التنفيذية وبٌني على جرد الممتلكات التي مصدرها غير شرعي. ولذا كان قرار الهيئة بخصم قيمة الأملاك المصادرة تطبيقا للمبدأ الذي يقتضي عدم معاقبة الشخص مرتين لنفس الأفعال. والادعاء بان هذه القرارات تجعل طالب التحكيم لا يدفع شيء للدولة، هو من باب التمويه ومناف للحقيقة حيث قيمة الأموال المصادرة لا تتجاوز 20 % من المبالغ المطلوبة للتعويض للدولة، وذلك صالح لكل الملفات.
توضيح رقم 6 :تجنّدت وزارة أملاك الدولة لتعطيل آلية التحكيم على خلفية قانون المصالحة.
وثّقت هيئة الحقيقة والكرامة في تقريرها الختامي مراحل امتناع مؤسسة المكلّف العام عن التعاون مع الهيئة على فصل ال685 شكاية التي تقدّم بها بتاريخ 15 جوان 2015 في حق الدولة كمتضرّرة ، غير أنّه تشبّث لأشهر طويلة في المماطلة وتولّى ممثلوه تأجيل ما يفوق 1000 جلسة في الغرض، وانجرّ عن ذلك إطالة في آجال المداولة في تلك الملفات من قبل اللجنة التي أُجبرت على الاكتفاء بتحرير محاضر تأجيل متكررة بطلب من المكلف العام. كما أحجم المكلف العام على تمكين الهيئة من الاثباتات والمؤيّدات التي بحوزته والمفيدة في معالجة الشكايات التي أودعها لدى الهيئة وفق ما يستوجبه القانون.
إنّ هذا التعامل تزامن مع إصرار الرئيس الراحل الباجي قائد السيسي على تمرير مشروع قانون المصالحة الاقتصادية الذي أعلن عنه في 20 مارس 2015 والذي واجه ردود فعل قوية من قبل المجتمع المدني (حركة مانيش مسامح) وبعض الاحزاب وبعد لجوء الهيئة إلى لجنة البندقية التي قدّمت رأيها الاستشاري أثناء دورتها ال104 القاضي بتضارب هذا المشروع مع قانون العدالة الانتقالية.
تمكّنت الحكومة من تمرير صيغة معدّلة من المشروع حيث صادق مجلس نواب الشعب (الاغلبية الحاكمة) على قانون المصالحة الإدارية في سبتمبر 2017 الذي يضمن الإفلات من العقاب لمن تورّط في الاعتداء على المال العام. والغريب في الامر أنّ الآلية المنبثقة عنه والتي تشتغل منذ ذلك التاريخ في غياب تام للشفافية وبعيدا عن اهتمام الإعلاميين ولا تطالها انتقادات ب"التبييض للفاسدين" ولا يستطيع أحد تقييم مردودها في "استرجاع الأموال المنهوبة" كما روج لها.
وعلى خلفية التمتع من الافلات من العقاب، تراجع بعض طالبي التحكيم والمصالحة (خاصة إطارات عليا بالدولة سابقا) ممن أضرّوا بالدولة عن استكمال ملفاتهم في إطار التحكيم والمصالحة مّما حرم الدولة من كشف أساليب الفساد والمتورّطين في ذلك ومن التعويض عن الأضرار اللاحقة بها جراء تجاوزاتهم.
من جهته، تراجع المكلف العام عن إبرام اتفاقية مبدئية في الصلح لاسترجاع الأموال المنهوبة مع كل من سخر الماطري وبلحسن الطرابلسي اللذان تقدما بطلب للهيئة وفوّت على الدولة نصيبا من الأموال المنهوبة تقدّر بمئات ملايين الدنانير حيث يعد الاثنان من أكبر المعتدين على المال العام في عهد زين العابدين بن علي. وهذا ما بينته الهيئة بالوثائق الملحقة في بلاغها الصادر في 10 افريل 2019 بعنوان "الحكومة فوتت على الدولة استرجاع الأموال المنهوبة" . وصرح المكلف العام بنزاعات الدولة القاضي لزهر الجويلي المعفى من مهامه نهاية جانفي 2017 (اي أسابيع قليلة بعد مباشرته لها) خلال ندوة صحفية عقدها في شهر ماي 2017 ان "مؤسسة المكلف العام بنزاعات الدولة كانت في قلب التوظيف السياسي في سياقات مختلفة لتحقيق بعض المصالح الخاصة" وان ذلك هو سبب خلافاته مع كاتب الدولة لأملاك الدولة والشؤون العقارية أنذاك، السيد مبروك كرشيد، معتبرا أن إصلاح هذه المؤسسة يمرّ عبر تكريس استقلاليتها و"التعاطي معها بمنطق الدولة وليس السلطة". وبقيت المؤسسة بدون مكلف عام إلى حدود شهر فيفري 2018 أي خلال 16 شهر حيث عين السيد علي الهمامي على رأسها. والجدير بالذكر أنّ خلال شغور المنصب بقيت المؤسسة تحت التسيير المباشر للسيد مبروك كرشيد.
وختمت وزارة أملاك الدولة هذا التمشي السلبي بتوجيه مراسلة للهيئة بتاريخ 31 ماي 2018 لتبلغها بإيقاف المفاوضات لجميع الاتفاقيات التحكيمية المبرمة. مما دفع الهيئة الى تطبيق الفصل 46 من القانون بإصدار قراراتها التحكيمية في غياب المكلف العام الذي وجهت له الهيئة استدعاء لحضور تلك الجلسات.
توضيح رقم 7 : الهيئة أحالت على القضاء المتخصص ملف فساد متعلّق بالكرامة هولدينغ.
اكتشفت هيئة الحقيقة والكرامة، خلال معالجتها لبعض الملفات شبهة فساد تتعلّق بالتصرّف في الأملاك المصادرة من قبل الكرامة هولدينغ وأحالت هذا الملف إلى الدوائر القضائية المتخصصة في العدالة الانتقالية بتاريخ 31 ديسمبر 2018. أما الغريب في الامر ان المكلف العام بنزاعات الدولة امتنع عن الحضور خلال الجلسة الأولى لهذه الدائرة يوم 3 أكتوبر 2019 مّما اضطر رئيس المحكمة للتصريح في افتتاح الجلسة انه لا توجد ضحية في قضية الحال بمعنى ان الدولة متخلية عن حقها.
الملاحظة رقم 8 : مَنْ تساءل عن مآل الشكايات التي أودعها المرحوم عبد الفتاح عمر لدى القضاء منذ قرابة التسع سنوات؟
يتعمّد منتقدي العدالة الانتقالية تجاهل خصوصياتها والظرفية التي أوجبت إحداثها. إنها آلية لتسريع الفصل في جانب من النزاعات الناتجة عن تركة الاستبداد لتخفيف كاهل القضاء العادي من عشرات الآلاف من الملفات التي قد تستنزف امكانياته المادية والبشرية مثلما يبينه مآل مئات الشكايات التي أودعها المرحوم عبد الفتاح عمر يصفته رئيس "لجنة تقصي الحقائق حول الفساد والرشوة" حيث لم تفصل معظمها بعد ما يقارب التسع سنوات من إيداعها لدى القضاء العادي ثم تكفل بها القطب القضائي المالي.
إن العدالة الانتقالية لا تبحث عن الانتقام بقدر ما هي تسعى الى استخلاص العبر لتفكيك منظومة القمع والفساد من أجل إصلاح المؤسسات لضمان عدم التكرار. ولقد توصلت هيئة الحقيقة والكرامة إلى تفكيك منظومة الفساد، وهو ما ضمنته بمجلد في تقريرها الختامي الذي واجه تعتيما مقيتا ولم تُعرض توصياتها للدراسة والفحص والتداول.
الملاحظة رقم 9: تُكمّم رئيسة الهيئة بعدما نُسبت لها تهما أخطر ممّا طال جَمْعُ الفاسدين قاطبة
أشنع النعوت وُجّهة للهيئة ومسيّريها من قبل مَنْ هبّ ودب مِنْ "كفاءات التشهير" مستهترين بواجب التثبت في صحة ما ينقله ومتجاهلين شهادات الأعضاء الذين سخّروا جهدهم في الذود عن المسار إلى النهاية وتحلّوا بالمسؤولية التاريخية للسهر على اتمام المأمورية وهم الأغلبية. وفي المقابل تحرم رئيسة الهيئة من الحدّ الأدنى من مساحة التعبير عن أراءها ومواقفها أمام التهم الخطيرة التي كالوها لها، ضاربين عرض الحائط بواجب التوازن وعدم الانحياز !
إنّه ليس لدينا ما نخشاه أو ما نخفيه. لقد حصّنتنا ضمائرنا إزاء الإغراءات وتشبعنا بقداسة عهدتنا وانشرحنا لالتفاف المدافعين عن المسار من المجتمع المدني حول الهيئة واستماتتهم في حمايته. ولم نكترث بالثروة، مثلما يمكن للجميع الاطلاع على ذلك ضمن التصريح على المكاسب الذي قمنا به في نهاية العهدة عند مصالح الهيئة الوطنية لمقاومة الفساد.
إن كل الشرفاء من أعضاء الهيئة وإطاراتها يفتخرون بما انجزته هيئتهم في معالجة تركة الاستبداد والفساد رغم المناخ المعادي. هذا الانجاز الذي جعل لوبيات المنظومة القديمة وحلفائهم الجدد يوجهونا بحملات تشويه متلاحقة للتمويه على الرأي العام قصد التمهيد لمشروعهم الحقيقي ألا وهو ضرب مسار المساءلة القضائية الجاري أمام الدوائر القضائية المتخصصة في العدالة الانتقالية ومنها القضية عدد 31 التي سيستأنف النظر فيها خلال الشهر القادم والمحال فيها 20 من كبار المسؤولين في عهد بن علي والمقربين منه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.