وزير الشؤون الخارجية يؤكد: هناك حاجة ملحة لسد فجوة التمويل لتحقيق التعافي    وزير الخارجية: قلق شديد إزاء عجز المجتمع الدّوليّ والمنتظم الأممي عن وضع حد لنزيف الأرواح    وزير الشّؤون الخارجيّة يلتقي نظيرته الفنلندية    أريانة: جولة دعائية للمترشح قيس سعيد في أريانة المدينة    سياحة ...إطلاق مشروع «تانيت» للسياحة المستدامة في تونس    شهداء وجرحى اثر غارات جوية استهدفت حارة حريك في الضاحية الجنوبية    ميلان يفوز على ليتشي في الدوري الإيطالي    كيف سيكون طقس السّبت 28 سبتمبر 2024؟    لمعلوماتك الشخصية .. قصة القهوة !    بين قابس والعاصمة ...الكشف عن شبكة لتهريب الأدوية    مع الشروق .. المخطّط الصهيوني أخطر من اجتثاث المقاومة من غزّة ولبنان!    بريطانيا تدعو مواطنيها إلى مغادرة لبنان فورا    النسيج القفصي :معرض جماعي للنسيج الفني "السدوة والنيّرة" من 3 الى 17 اكتوبر 2024 بالمرسى    المكنين: الاحتفاظ بنفر من أجل محاولة القتل العمد    زغوان: انطلاق الدورة 34 للمهرجان الجهوي لنوادي المسرح بدور الثقافة ودور الشباب والمؤسسات الجامعية    رئاسة الحكومة تدعو كل الجمعيات إلى التقيد بهذه الإجراءات: التفاصيل    البرلمان يصادق على تنقيح بعض أحكام القانون الانتخابي    القبض على 15 عنصرا تكفيريا محل مناشير تفتيش في مختلف ولايات الجمهورية    ليل الجمعة.. سحب بأغلب الجهات تكون محليا كثيفة بالمناطق الغربية    مكتب الرابطة يسلط عقوبات مالية على 3 فرق    سيدي بوزيد : حجز كمية من الحليب غير صالح للاستهلاك    نتنياهو امام الامم المتحدة: "لا مكان في إيران لن تطوله أيدينا.. ولن تملكوا النووي"    قابس : الاحتفال باليوم العالمي للسياحة    كيف أعرف لون عيون طفلي    الحمامات: الاحتفاظ ب 3 أشخاص من أجل تعاطي الرهان الرياضي    عاجل : مونديال الأندية 2025 مهدد بالإلغاء    عاجل : الحرس الوطني يعلن عن إحباط عمليات التهريب تقدر ب400 ألف دينار    تصفيات الكان: تغيير ملعب مباراة تونس وجزر القمر    عالم السحرة يفقد أسطورة التمثيل ماغي سميث    الرابطة الأولى: النادي الصفاقسي يستعيد خدمات أبرز ركائزه في مواجهة شبيبة العمران    النادي البنزرتي: تنقيحات بالجملة في القانون الأساسي    ماهي القنوات الناقلة لمباراة الأهلي والزمالك في كأس السوبر الإفريقي ؟    كاتب الدولة للخارجية يلتقي السفير الامريكي    لأول مرة بمستشفى مدنين.. استعمال حقنة "توكسين بوتوليك" لفائدة مريض بشلل نصفي    تحفيزا للنمو: الصين تسعى لدعم السيولة النقدية    في أوّل مجلس وطني منذ نشأته: اتحاد الكتاب التونسيين يقرر استراتيجية عمل جديدة    لجنة المالية تقرّر الاستماع إلى وزيرة المالية    تكريم المسرحي السعودي ابراهيم العسيري في المهرجان الدولي للمسرح وفنون الخشبة بالمغرب    الكاف: اتحاد الفلاحة يطالب المزوّدين بتوفير مستلزمات الموسم    مدنين: لقاء حول "درع جربة" ضمن مشروع "ماكلتي تونسية"    معاناة إنسانية كارثية في قطاع غزة    مهرجان الإسكندرية المسرحي : تتويج مسرحية تونسية    الحماية المدنية 471 تدخل منها إطفاء 40 حريق    قابس: تقدير صابة الزيتون لهذا الموسم ب70 ألف طن    في السعودية: وزارة الصحة تقدّم تلقيح ''القريب'' في المنازل    الرابطة الأولى: برنامج وحكام الجولة الثالثة    عاجل : صاحب أغنية ''كأس العالم 2010 '' الشهيرة متهم بالاعتداء الجنسي    تفاصيل : الشركة التونسية للشحن والترصيف تتسلم معدات جديدة    مجلس الوزراء يوافق على عدد من مشاريع المراسيم والقوانين والاوامر    تونس تعاني نقصا في أدوية السرطان    رغم الانتقادات اللاذعة.. تنفيذ ثاني إعدام بالنيتروجين في تاريخ الولايات المتحدة    وزير خارجية لبنان يدعو لتطبيق المقترح الأمريكي الأوروبي لوقف إطلاق النار بشكل فوري    هذا موعد انطلاق حملة التلقيح ضد 'القريب'    اسألوني    مدينة مساكن .. أجيال أسسوا تاريخها وشيدوا حاضرها    خطبة الجمعة...المسؤولية أمانة عظمى    في ديوان الإفتاء: إمرأة أوروبية تُعلن إسلامها    الارض تشهد كسوفا حلقيا للشمس يوم الأربعاء 2 أكتوبر 2024    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كتاب «التونسية» المتسلسل:«الامبراطورية الأمريكية والإغارة على العراق»
نشر في التونسية يوم 09 - 03 - 2016


11 - العلم الأمريكي رمز لكلّ الجنس البشري
في أكتوبر 2003 نشر الكاتب والصحفي المصري الكبير والراحل محمد حسنين هيكل كتابه المعنون «الامبراطورية الأمريكية والإغارة على العراق» وسرعان ما نفذت النسخ المطبوعة في العالم ليتم طبع نسخة أخرى من الكتاب في ديسمبر 2003 أي بعد شهرين فقط من صدور الطبعة الأولى.
ولعل ما يلاحظ في هذا الكتاب مقدمته التي اقتصر فيها الكاتب الراحل على جملتين فقط تحملان بعد نظر الرجل وتكشفان رؤيته للأحداث التي ستتشكل في السنوات القادمة في العالم عموما وفي الوطن العربي خصوصا.
وقد جاء في المقدمة: «هذه الفصول قصة وقائع سياسية قائمة، وهي في نفس الوقت تشكل أحوال سياسة قادمة».
والذي يطالع ما جاء في الكتاب يكتشف ان هيكل كان يدرك أن غزو العراق الذي كان قد تم لم يكن الاّ حربا أولى في المنطقة سعت اليها أمريكا في اطار مخطّط سرّي لبناء شرق أوسط جديد تعيش اليوم المنطقة على ايقاعاته.
فما يحدث اليوم بالشرق الأوسط من حروب ودمار ماهو إلا تعبيرة من تعبيرات سيناريو «الفوضى الخلاقة» الذي وضعته الادارات الأمريكية المتعاقبة على مدى ال 40 سنة الفارطة لتأمين سيادة مطلقة لأمريكا على العالم.
«التونسية» تنشر مقتطفات مطوّلة من كتاب هيكل المليء بالأحداث والأسرار.
كا ن الرئيس «ويليام ماكينلي» الذي بدأت أثناء رئاسته أولى محاولات التوسع والانتشار الامبراطوري الامريكي - شخصية غريبة، ( ومن المدهش أنها تحمل وجوه شبه مع الرئيس الامريكي الحالي «جورج بوش» (نحن في عام 2003) - فقد كان رجل أعمال وسياسيا لا يملك التجربة الناضجة ولا الخلفية الثقافية التي يعتمد عليها في سياسته وقراراه، ولهذا كان جل اعتماده على مساعديه وعلى جماعات الضغط من اصحاب المصالح ، وقد رويت عنه - فيما يحكيه « ستانلي كارنوف» في كتابه عن الامبراطورية الامريكية ( في آسيا) - نكتة شاعات تقول:
« سؤال - كيف يتشابه عقل الرئيس «ماكينلي» مع سريره»؟
ورد السؤال:
« كلاهما لا بد أن يرتبه له أحد قبل أن يستعمله !».
ثم يورد « ستانلي كارنوف في كتابه (صفحة 128) مشاهد تبدو وكأنها تجري اليوم ( سنة 2003) في البيت الأبيض- وكلاما يصح أن يقوله الساكن الحالي لهذا البيت الأبيض ( الذي تتولى مستشارته للأمن القومي السيدة «كونداليزا رايس» مهمة ترتيب عقله كل يوم قبل أن يستعمله، تاركة ترتيب سريره لغيرها!).
ويكتب « كارنوف»:
« كانت المناقشات في أمريكا محتدمة حول ما ينبغي عمله مع البلدان التي احتلتها الأساطيل الأمريكية في الباسيفيك، وكانت فكرة « الامبراطورية» تجربة مستجدة على الولايات المتحدة، وكان على الرئيس «ماكينلي» أن يفصل في الأمر بقرار».
وفي سبتمبر 1898 استقبل الرئيس وفدا من قساوسة جمعية الكنائس التبشيرية، الذين فوجئوا به بعد أن انتهت جلسته معه يقول لهم:
« عودوا إلى مقاعدكم أيها السادة لأني أريد أن أقص عليكم نبأ وحي سماوي ألهمني (Inspiration of divine guidance).
أريد أن أقول لكم أنني منذ أيام لم أنم الليل بسبب التفكير في ما عسى أن نصنعه بتلك الجرز البعيدة ( يقصد الفلبين بالذات) - ولم تكن لديّ أدنى فكرة عما يصح عمله، ورحت أذرع غرفة نومي ذهابا وجيئة أدعو الله أن يلهمني الصواب، ثم وجدت اليقين يحل في قلبي والضوء يسطع على طريقي.
إن هذه الجزر جاءتنا من السماء، فنحن لم نطلبها ولكنها وصلت إلى أيدينا منّة من خالقنا ولا يصح أون نردها، وحتى إذا حاولنا ردها فن نعرف لمن ؟ ولا كيف؟
وقد بدا لي أولا - أنه من زيادة الجبن وقلة الشرف والتخلي عن الواجب أن نعيدها إلى اسبانيا ( المالك الأصلي) . ومن ناحية ثانية - وجدت من سوء التصرف والتبديد أن نعهد بها إلى قوى أوروبية متنافسة على المستعمرات في آسيا مثل فرنسا أو ألمانيا ( التي كان قيصرها «ويلهلم»- الملهوف على أية مستعمرة يستطيع أن يمسك بها - يريد ارسال أمير ألماني لتتويجه على عرش جديد في الفلبين!) ومن ناحية ثالثة. أحسست أنه من غير الملائم أن نترك هذه الجرز لحماقة وجهل سكان محليين لا يصلحون لتولي المسؤولية.
وكذلك فإن الخيارات المفتوحة أمامنا تركّزت في حل واحد هو في الواقع لمصلحة الفلبين قبل أي طرف آخر، وهذا الحل هو ضم الجزر إلى أملاكنا، بحيث نستطيع تعليم سكانها ورفع مستواهم وترقية عقائدهم المسيحية ليكونوا حيث تريد لهم مشيئة الرب، إخوة لنا فدتهم تضحية المسيح كما فدتنا!».
ودرات مناقشات واسعة في الكونغرس حول «الأملاك الأمريكية» وراء البحار، وهل هي « إمبراطورية» - وإذا كانت « إمبراطورية» فهل يليق ذلك بمجتمع المهاجرين الذين اختاروا الحرية في العالم الجديد؟ - وإذا لم تكن الممتلكات الجديدة « إمبراطورية»، فكيف يمكن توصيف وضعها الراهن تحت العلم الأمريكي».
وتصادف وقت احتدام المناقشات في الكونغرس أن الشاعر البريطاني «رديارد كيبلنغ »- ( وهو صاحب المقولة المشهورة « بأن الشرق شرق - والغرب غرب - ولا يلتقيان» ) - كان يزور أمريكا لأول مرة ولعله أراد تشجيع معسكر أعضاء الكونغرس الذين « يفضلونها إمبراطورية»، وكذلك فإنه نشر قصيدة في مجلة ذات نفوذ تلك الأيام - قائلا للأمريكيين:
لا تنزعجوا من تحمل مسؤولية هؤلاء الذين وقعت أقدارهم في أيديكم.
سوف تجدون أنهم مخلوقات متعبة: نصف شياطين ونصف أطفال.
افهموا أن أمريكا لم يعد في مقدورها أن تهرب من رجولتها.
تعالوا كي تمارسوا هذه الرجولة الآن، حتى وإن كانت نتيجتها جحود فضلكم.
اقبلوا متذرعين بالشجاعة وبالحكمة وتعلموا من تجربة من سبقوكم».
وربما أن واحدة من أشهر المداخلات أثناء مناقشات الكونغرس (سنة 1898) في مسألة الإمبراطورية وردت في خطاب السيناتور «ألبرت بيفردج» عضو المجلس عن ولاية «فرجينيا»، وورد فيها قوله في سياق خطاب عنوانه « زحف العلم» «the March of the Flag»، ما نصه:
«عليكم أن تتذكروا اليوم ما فعل آباؤنا - علينا أن ننصب خيمة الحرية أبعد في الغرب، وأبعد في الجنوب. إن المسألة ليست مسألة أمريكا، ولكنها مسألة زمن يدعونا إلى الزحف تحت العلم، حتى ننشر الحرية ونحمل البركة إلى الجميع. علينا أن نقول لأعداء التوسع الامريكي، إن الحرية تليق فقط بالشعوب التي تستطيع حكم نفسها، وأما الشعوب التي لا تستطيع فإن واجبنا المقدس أمامو الله يدعونا لقيادتها إلى النموذج الأمريكي في الحياة، لأنه نموذج الحق مع الشرف. فنحن لا نستطيع أن نتهرب من مسؤولية وضعتها علينا العناية الإلهية لإنقاذ الحرية والحضارة، ولذلك فإن العلم الأمريكي يجب أن يكون رمزا لكل الجنس البشري!».
وانتهت مداولات الكونغرس بما ملخصه أنها «الإمبراطورية» بالواقع حتى وإن لم تكن تلك تسميتها باللفظ، وراحت الولايات المتحدة الأمريكية تمارس مهام الإمبراطورية بإخضاع كل مقاومة. وينقل «ستانلي كارنوف» ( في صفحة 188) فقرة من تقرير كتبه أحد أعضاء الكونغرس بعد زيارة قام بها إلى الفلبين ما نصه:
«إن القوات الأمريكية اكتسحت كل أرض ظهرت عليها حركة مقاومة، ولم تترك هناك فلبينيا واحدا إلا قتلته. وكذلك لم يعد في هذا البلد رافضون للوجود الأمريكي لأنه لم يتبقّ منهم أحد». ثم أضاف عضو مجلس الشيوخ طبق ما نقل عنه صحفي رافقه في رحلته ما نصه:« إن الجنود الأمريكين قتلوا كل رجل وكل امرأة وكل طفل وكل سجين أو أسير وكل مشتبه فيه ابتداء من سن العاشرة، واعتقادهم أن الفلبيني ليس أفضل كثيرا من كلبه- وخصوصا أن الأوامر الصادرة إليهم من قائدهم الجنرال « فرانكين» قالت لهم :« لا أريد أسرى - ولا أريد سجلات مكتوبة!».
وفي أجواء ذلك التناقض بين ادعاء الحرية وواقع الإمبراطورية - قام رجل وصف بأنه فوضوي اسمه «ليون شولوجوني» باغتيال الرئيس «ويليام ما كينلي» يوم 14 سبتمبر 1901 - كذلك انتهت حياة أول بناة الرمبراطورية الأمريكية، وأصبح نائبه «تيودرو روزفلت» رئيسا للولايات المتحدة، وكان «روزفلت» أكثر تشدّدا من رئيسه في الدعوة للتوّسع والانتشار ومع ذلك فإنّ «روزفلت» فور توليه الرئاسة،رأى ضرورة الانتظار أمام شواطئ آسيا، لأن الزحف الأمريكي هناك بلغ مداه الممكن - في الوقت الراهن على الأقل!
يستدعي الالتفاف في سياق هذا الفصل من كتاب «ستانلي كارنوف» أنه بعد احتلال جزر المحيط الهادي من هاواي إلى الفلبين قرب شواطئ آسيا - أن مناقشات محتدمة جرت في واشنطن حول الخطوة التالية، فقد ارتفعت نداءات تطالب بأن الدور قد حان على إندونيسياو لكن الرئيس «تيودور روزفلت» كان له رأى آخر يدعو إلى التروّي تأسيسا على أسباب عرضها:
أولها : أنّ جزر « هاواي» التي قمنا باحتلالها» كانت أرضا خالية - فيها سكان ولم تكن فيها دولة ولا عقيدة راسخة - ومع أن « الفلبين» كانت تابعة لاسبانيا - فقد ظهرت فيها حركة استقلال قوية تعادي الدولة المحتلة وتقاوم نفوذها، يضاف إلى ذلك أن «الفلبين» كانت مسيحية كاثوليكية بحكم النشاط التبشيري الكثيف للملوك الأسبان!
ثانيها : إن إندونيسيا ليست جزيرة واحدة أو اثنتين أو ثلاثة، وإنما آلاف الجزر واحتلالها جميعا عبء ثقيل لا نحتاج إلى حمله، واحتلال بعضها دون البعض الآخر «يعرض مواصلاتنا الداخلية لمخاطر تنتج عنها خسائر في الأرواح لا نريدها!». ثالثها : أن إندونيسيا» بلد مسلم ودخولها يضع التوسع الأمريكي في صراع مع دين « لا نعرف عنه ما فيه الكفاية» ، فنحن نعرف المسيحية بمذاهبها المتعددة - «لكننا بالنسبة للإسلام سوف نواجه خصما لا نفهمه». رابعها :أن إندونيسيا تجعلنا على قرب شديد من اليابان ومن الصين، وهذه بلدان كبرى يحتاج التعامل معها إلى استعدادات خاصة، ويستحيل التصرف معها بالمستوى الذي جربناه في « هاواي» و«الفلبين» و«غوام».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.