حالة الطقس لهذا اليوم..    صممها "الموساد" وجمعت في إسرائيل.. تقرير يكشف تفاصيل مثيرة حول هجوم "البيجر"    الاحتلال يقصف مسجدا يؤوي نازحين بدير البلح ويحاول التوغل جنوب لبنان    ترامب يهاجم بايدن وهاريس بسبب إعصار "هيلين"    هيئة الانتخابات: إقبال كبير على مراكز الاقتراع في باقي الدول الأوروبية واعتماد التكنولوجيا ساعد في تسهيل العملية الانتخابية    مهرجان الإسكندرية السينمائي : "الما بين" يفوز بجائزة أفضل فيلم عربي و"وراء الجبل" يحرز جائزة كتاب ونقاد السينما وتتويج لأمينة بن إسماعيل ومجد مستورة    داعية سعودي يفتي في حكم الجزء اليسير من الكحول شرعا    قد يكون أُصِيبَ في الرباط الصليبي.. كارفاخال يفزع ريال مدريد    ولايات الوسط الغربي الأكثر تضرّرا .. 527 مدرسة بلا ماء و«البوصفير» يهدّد التلاميذ!    إقتطاع من الحسابات الجارية: ''آس او آس'' تطلق حملة للترفيع في عدد التحويلات الدائمة لفائدتها    أم تبيع ابنها بحضور شقيقها وبواسطة إمرأة    عاجل/ وزير الخارجية الإيراني يتوعد ب"رد أقوى إذا لزم الأمر" على أي عدوان صهيوني..    أولا وأخيرا..«شريقي بيقي باو»    مع الشروق .. الكلمة للصندوق    أعوان الشركة الوطنية للنقل بين المدن يحملون الشارة الحمراء بداية من الاثنين    منظمة الدفاع عن حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة تنشر 168 ملاحظا في الانتخابات    محرز الغنوشي: سكان المرتفعات يجبدوا الكُواتات    المنتخب التونسي للاواسط في تربص تحضيري من 6 الى 14 أكتوبر استعدادا لتصفيات كاس افريقيا للامم لكرة القدم    استقرار نسبة التضخم في تونس في مستوى 6.7 بالمائة خلال سبتمبر 2024    المعهد الوطني للرصد الجوي: شهر جويلية 2024 ثالث أكثر الأشهر حرارة منذ سنة 1950    بطولة الرابطة الثانية - برنامج الجولة الافتتاحية    مدنين: انتشال جثة وإخضاعها للإجراءات العلمية اللازمة لتحديد انتمائها من عدمه لغرقى مركب الهجرة غير النظامية بجربة    وليد الصالحي: أنا الأكثر إنتاجًا حاليا    آية دغنوج: لهذه الأسباب تم فسخ أغنية ''ناقوس تكلم '' من اليوتيوب    رئيس هيئة الانتخابات يلتقي وفدا من هيئة الانتخابات بروسيا ووفدا من المنظمة الدولية للفرنكوفية    فاروق بوعسكر: « ما يروج حول ضعف نسبة الاقبال على التصويت في الخارج هو اخبار زائفة ومغلوطة »    "رويترز": الإمارات تصدر أول رخصة لأنشطة القمار بالخليج    كأس 'الكاف': النادي الصفاقسي في المستوى الثاني في تصنيف الأندية قبل قرعة دور المجموعات    دعوة ثنائي الملعب التونسي لتعزيز صفوف منتخباتهم    حضور تونسي لافت في الدورة 12 من مهرجان وهران الدولي للفيلم العربي    تقرير دولي يؤكد استدامة الدين الخارجي لتونس    القبض على عصابة ترويج المخدرات بمحيط المعاهد الثانوية..    بورتريه: حسن نصر الله.. القائد والمعلم    عاجل/ المحكمة الجنائية الدولية تصدر مذكرات توقيف بحق 6 أشخاص..وهذه جنسياتهم..    نابل: توقعات بإنتاج 62 ألف طن من زيتون الزيت و5600 طن من زيتون المائدة بزيادة 4 بالمائة مقارنة بالموسم الفارط    هام/ بلغ أقصاها 39 ملم ..كميات الأمطار المسجلة خلال الساعات الأخيرة..    القصرين : تقدم موسم جني صابة الطماطم الفصلية المتأخرة بالجهة بنسبة 50 بالمائة    توقيع وتسليم اذون انطلاق انجاز الأشغال المتعلقة بالدفعة الثالثة لمشاريع الانتاج الذاتي للكهرباء    عاجل/ لجنة مجابهة الكوارث تتدخّل لشفط مياه الأمطار من المنازل بهذه الولاية..    تاجروين: إيقاف موظفين بشبهة فساد واختلاس من إحدي الجمعيات المالية    الرابطة الأولى: محمد محجوب يقدم ملف ترشحه لمواصلة رئاسة الملعب التونسي    الطقس اليوم/ أمطار رعدية بهذه الجهات..    نسبة تقدم انجاز الطريق الرابطة بين جربة وجرجيس بلغت 67 بالمائة    جيش الاحتلال: مؤشرات متزايدة على استشهاد هاشم صفي الدين    سيدي بوزيد: افتتاح مركز الصحة الأساسية بالرقاب    الممثلة وجيهة الجندوبي ل«الشروق»...مسرحيّتي الجديدة اجتماعية بطابع سياسي    متابعة صيانة المعالم الثقافية    أولا وأخيرا... لا عدد لدول العرب !    كيف تنجح في حياتك ؟..30 نصيحة ستغير حياتك للأفضل !    سيدي بوزيد ..إصابة طفل ال 3 سنوات بجرثومة الشيغيلا    بالفيديو: الشركة التونسية للصناعات الصيدلية تعلن استئناف نشاطها    المكنين: الإحتفاظ بمروّج مخدّرات وحجز كمية من المواد المخدّرة مخفية داخل عدّاد استهلاك الكهرباء    خلال التسعة أشهر الأولى : ارتفاع لحركة عبور المجال الجوّي التونسي    البنزرتي: طرحت فكرة تجنيس مهاجم الترجي الرياضي رودريغو رودريغاز على رئيس لجنة التسوية للجامعة    الفيلم التونسي '' الرجل الذي باع ظهره '' يُعرض في مهرجان الفرنكوفونية بباريس    الاحتياطي من العملة الصعبة يتراجع إلى ما يعادل 114 يوم توريد    مفتي الجمهورية: يوم الجمعة (4 أكتوبر الجاري) مفتتح شهر ربيع الثاني 1446 ه    عاجل : الأرض تشهد كسوفا حلقيا للشمس اليوم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حديث في الوطن:وزير المالية.. والإحراج
نشر في التونسية يوم 27 - 03 - 2015


بقلم: فؤاد العجرودي
سطعت مؤخرا العبقرية الفذّة لبعض النخب السياسية والمدنية التي ألحت إلحاحا شديدا على الدلو بدلوها في مسألة حساسة ومعقّدة هي «الإصلاح الجبائي» بخطاب «فولكلوري» فوت علينا فرصة التعديل في الوقت بدل الضّائع من «ركلة جزاء» عبر قذف الكرة عاليا في المدرجات.. بدل المرمى!
ألم أقل سابقا أكثر من مرة أنّ أكبر خطر على هذه البلاد هو سطوة الخطاب الشعبوي المقزز والآثم والماجن والعائد بشراسة بعد 14 جانفي ليحيلنا إلى «التماس» ويدفعنا إلى العيش على هامش التاريخ في خضم عالم لا يرحم النطيحة والعرجاء.. وما خلف الضّبع!
بل إنّ لفيفا من تلك الشخصيات الفذّة التي يفترض بحكم موقعها أن تكون شريكا أساسيا في نحت مسار التقدّم ودفع الحكومة إلى عدالة اجتماعية حقيقيّة «قامت وقعدت لتكتشف الحلول السحرية الملائمة عبر حصر الإصلاح الجبائي المنشود في تدعيم استخلاص الأداءات المستوجبة على متعاطي المهن الحرّة مثل المحامين والأطبّاء والخبراء المحاسبين.. إلخ.. أو الحدّ من «الديون الجبائية المثقلة» أي التي لم يتسنّ تحصيلها في السنة المالية المعنية والتي ولئن كان من المتاح تحسينها نسبيا فإنها تظلّ قائمة لعدة أسباب منها ما يتعلّق بطبيعة مناخ الأعمال ذاته وما إذا كان مجزيا بالقدر الكافي أم لا؟
بالمحصلة لقد توجّهت تلك الأصابع إلى ما يمكن اعتباره بمثابة «قطرة ماء» في كأس من الحجم الكبير الذي يستعمل لأغراض معروفة يتعارض المقام مع ذكرها. ولم تلج إلى جوهر الموضوع باعتبارها توقفت عند نزر قليل قد لا يغني أو يُسمن من جوع وأهملت آلاف المليارات التي تتبخر سنويا في «الطبيعة» أي لا يتسنّى لخزائن الدولة التقاطها لا لشيء إلاّ لأنّ المطالبين بدفعها مازالوا إلى حدّ الآن بمثابة «الأشباح».
بمعنى آخر وعلى خلفية أنّ الإصلاح الجبائي هو مسار تتكامل حلقاته وتمهّد كلّ واحدة منها للأخرى فإنّ رهانه الجوهري اليوم هو سحب «المظلة الجبائية» على كلّ النشيطين... أي كل من يحقّق ربحا.. وأساسا عبر نفض «المظلة الاجتماعية» حتى يتساقط عشرات وربما مئات الآلاف عن المتشبّثين بتلابيبها دون وجه حقّ.
لقد انطلق الإصلاح الجبائي عام 1991 عبر إرساء الأداء على القيمة المضافة قبل تحرير نشاط التجارة الخارجية من خلال إزالة العراقيل الإدارية أولا ثم الحواجز الجمركية عبر شبكة من اتفاقيات التبادل التجاري أهمّها اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي.. ثم مراجعة عدد المستفيدين بالنظام التقديري بصفة تدريجية لم تكتمل بعد.
إن الضغط الجبائي أي مجمل الموارد الجبائية للدولة يعادل نحو ٪21 من الناتج الداخلي وهي نسبة تبدو ظاهريا معقولة لكنها لا تخلو من إخلالات تستوجب المرور إلى طور أعمق من الإصلاح يقوم على توسيع قاعدة المطالبين بالأداء والحطّ في النسب الموظّفة على الاستهلاك والاستثمار بما يحقّق المعادلة بين تنمية الموارد الجبائية للدولة وتخفيف الضغط على الذين يدفعون حاليا بشكل يسهم في إنعاش الدّورة الاقتصادية وتحسين جاذبية مناخ الأعمال حتى يكون مجزيا للإبداع والتجديد والمجازفة لا مشجعا على الهروب إلى «الأروقة السوداء».
وأوّل رهان لهذا الإصلاح هو التوجه رأسا لأولئك «الأشباح» أي مجهولي «الهوية الجبائية» عبر إدماجهم في منظومة الجباية ليدفعوا على قدر أرباحهم التي لن يعجز جهاز الأبحاث الجبائية عن رصدها واحتسابها بالمليم.. وهنا يتقوقع موطن الدّاء لجهة عدم الحسم في ما يعرف بالمعرف الاجتماعي الوحيد الذي ظلّ لنحو عام ونصف العام ك«الكرة» بين وزارتي الشؤون الاجتماعية والمالية رغم قصر المسافة بينهما؟
بمعنى آخر إنّ الإصلاح الجبائي المنشود بوصفه تتويجا لمسار يحتاج إلى إرساء منظومة متطوّرة لحصر المداخيل تمكن لا فقط من إدماج كثير من المستفيدين من الاقتصاد التحتي تحت مظلة الجباية على قاعدة «الدفع على قدر الربح» وحصر الطبقات الضعيفة التي ستحتاج إلى الإعفاء من الأداء وترشيد بعض الآليات الاجتماعية على غرار نفقات التعويض وربما حدود مجانية بعض المرافق عبر توجيهها إلى مستحقيها دون سواهم. وبالتالي إيقاف «الحيف الحاصل» نتيجة اختفاء الكثير من المطالبين بالأداء تحت عناوين كثيرة مثل «عاطل عن العمل» و«عامل يومي» و«لا شيء» والذين يستفيدون من سخاء الدولة أكثر من الغلابى و«فاقدي الحيلة».
لكن الصّورة لن تكتمل في غياب إصلاحات موازية أخرى منها إزالة كلّ العراقيل الإدارية واللوجستية أمام النشاط الاقتصادي وتحسين شروط النفاذ للقطاع المنظم بما في ذلك تفكيك الكثير من «احتكارات الدولة» إلى جانب الحدّ من الهشاشة المالية للمؤسّسات بفعل اللجوء المفرط للتداين البنكي عبر جعل البورصة رافدا أساسيا لتمويل الاقتصاد لا مجرد «مغازة صغيرة» أو «صالون مقامرة» وكذلك وهو الأهم تدعيم آليات الوقاية من الإفلاس.
فالواضح هنا أنّ قانون 1995 لإنقاذ المؤسّسات التي تمرّ بصعوبات قد تجاوزته الأحداث ويحتاج إلى مراجعة جذرية بالتوازي مع حزمة من الآليات التي تحجر الإفلاس صراحة على غرار سائر الدّول التي تعتمد آليات السوق وذلك عبر تدخل الدولة في الوقت الملائم لتغيير المستثمر في حال وجود سوء تصرّف أو تغيير النشاط في صورة توفّر جملة من المؤشّرات الموضوعية منها تعرّض نشاط ما لمنافسة أجنبية حادة لا يمكن أن يجاريها.
بالمحصلة ينبغي أن يتوجه الإصلاح الجبائي اليوم إلى «الأروقة والدهاليز السوداء».. وأرجو ألاّ تستنفر تلك الأصوات التي تطالب اليوم بالإصلاح الجبائي.. لتحبط عزائم الحكومة عندما تتحرك «الحيتان الكبيرة» لقطع الطريق أمام هذا الإصلاح باستعمال «الصغار».. وهو سيناريو أكثر من متوقع.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.