بقلم: مصطفى قوبعة من منّا لا يعرف ليش فاليزا مؤسس نقابة تضامن سوليد اتيروس أول نقابة حرّة في نهاية العهد «الشيوعي» في بولونيا وأول رئيس للبلاد منتخب في مرحلة ما بعد «الشيوعية»؟ ومن منّا لا يعرف السيد حسين العباسي أول أمين عام للاتحاد العام التونسي للشغل في مرحلة ما بعد 14 جانفي 2011؟ الاثنان نشآ في بيئة نقابية، والاثنان ناضلا من أجل «استقلالية» العمل النقابي، الأول أسس نقابة مستقلة والثاني نشأ وتطور صلب منظمة نقابية ترفع شعار الاستقلالية منذ تأسيسها والاثنان احتضنتهما بدرجات متفاوتة الكنفدرالية العالمية للنقابات الحرة. ولكن التاريخ يحفظ لنقابة سوليد اتيروس إسقاط نظام الحكم في بولونيا وللاتحاد العام التونسي للشغل احتضان انتفاضة 17 ديسمبر 2010. تنجز نقابة «سوليد اتيروس» مهمتها وتنطفئ شعلتها لاحقا يكافأ مؤسسها ليش فاليزا بمنصب رئيس دولة لمدة رئاسية واحدة ليختفي بعدها من المشهد النقابي والسياسي البولوني ليصبح في ذاكرة البولونيين ما يشبه التحفة الأثرية. أما اتحادنا العام التونسي للشغل، فبقي مثلما هو عليه، خطوة الى الامام تارة وخطوة الى الوراء تارة أخرى، يصارع من أجل بقائه واستقلاليته منذ ولادته الى اليوم، مثلما يصارع في الخفاء قوى الشدّ إلى الوراء وقوى التقدم إلى الأمام. عديدة هي نقاط التشابه بين شخصيتي ليش فاليزا وحسين العباسي وعديدة هي أوجه التباعد بينهما، ولكن السيد حسين العباسي يبدو أوفر حظّا، فيكافأ مرتين بحجرة واحدة، الأولى بمنصبه الجديد كنائب لرئيس الكنفدرالية الدولية للنقابات الحرة والثانية بدعم أوروبي لترشيح الاتحاد العام التونسي للشغل لنيل جائزة نوبل للسلام. فمن المفارقات إذن أن دول الاتحاد الأوروبي راضية عن أداء رئيس الحكومة المؤقتة السيد مهدي جمعة بمثل رضى المنظمات الأوروبية غير الحكومية المختصة عن أداء السيد حسين العباسي خاصة وعن أداء الاتحاد العام التونسي للشغل عامة في هذه المرحلة الانتقالية. نحيّي ونثمّن أي تتويج يطال اتحادنا العام التونسي للشغل وأمينه العام، ولكن بأي ثمن، هذا إذا كان ثمة ثمن فعلا لأي تتويج دولي؟ من محيطه المحلي يتموقع اتحاد الشغل جيدا دوليا، وهذا جيّد ولكن هل الظرف الوطني مناسب فعلا؟ قد يكون الظرف غير مناسب لأن الاستحقاقات المحلية المطروحة أمام اتحاد الشغل هي أكثر إلحاحا من الاستحقاقات الدولية، علما أن الاستحقاقات الدولية هي استحقاقات مشروطة مسبقا. نهنئ منظمتنا العتيدة الاتحاد العام التونسي للشغل وأمينها العام بهذا الاشعاع المستحق على أمل ألاّ يكون التتويج مقدمة لمزيد محاصرة هامش مبادراته الوطنية ولمزيد توجيه دوره خلال المرحلة القادمة الحاملة للكثير من التداعيات ومن المفاجآت.