بعد انتهاء «الضجيج» السياسي في المجلس التأسيسي ومن حول طاولات الحوار، وبعد نهاية «رومانسية» بختم الدستور وتشكيل حكومة جديدة، تبدو الفرصة سانحة لإعادة ترتيب البيوت الداخلية للأحزاب وما علق بها من مشاكل تنظيمية وحتى شخصية، وقع تأجيل الحسم فيها وترحيلها نظرا الى الأزمات المتتالية بين فرقاء المشهد السياسي. الآن وقد بدأت المرحلة القادمة واضحة المعالم باستحقاقات انتخابية عاجلة في غضون أشهر قليلة، على الأحزاب فهم المطلوب منها والعمل على توفير أسباب النجاح لها وللبلاد عامة وكل حزب يواصل ترحيل مشاكله الداخلية إلى ما لا نهاية سيجد نفسه أمام انفجار تنظيمي قادم قد يقضي على تماسكه ويقلّص من حظوظه. تقريبا، أغلب الأحزاب فهمت هذا المعطى وأنه من الأفضل لها القيام ببعض العمليات «الجراحية» الداخلية المؤلمة الآن وليس غدا. ف «النهضة» عادت إلى ندواتها ولقاءاتها الجماهيرية ونلاحظ أنّ وزراءها السابقين لم ينعموا براحة وفي أسبوع واحد تنقلوا الى أغلب مناطق البلاد. والملاحظ في خطابهم هو تغيّر «المنتوج»الانتخابي المقترح على الناس والأمر مفهوم لأنها كانت في السلطة ولا بد من خطاب جديد ومقنع يُزيل نسبيا بعض مطبات الحكم وهفواته. أحزاب المعارضة وبعد أن فقدت الطرف الحزبي الحاكم الذي توجه له كل سهام الخطاب الاحتجاجي، وجدت نفسها أيضا أمام حتمية صياغة خطاب آخر يبعد عنها تهمة الاكتفاء ب«التنبير» السلبي، ولإنجاح ذلك، كان لزاما عليها تنظيف «أدران» البيت الداخلي ثم توضيح مواقفها الانتخابية دون لبس. ف «نداء تونس» وبعد أن تناسلت الانفلاتات الكلامية وتبادل التهم بين أعضائه، ها هو يحسم الأمور التنظيمية ويحدد تركيبة المكتب المسيّر ويعيّن نائبا لرئيسه مع تحمّل تبعات كل القرارات سواء بمغادرة البعض أو التجميد أو الطرد. ومهما كانت تأويلات أسبابها، فإنّ الحسم في الخلافات اليوم يبعد عن الحزب تفجره في أوج الحملة الانتخابية خاصة وأن النداء يعامَل على أنه حزب كبير دون أن يكون قد مرّ بامتحان الصندوق، وهكذا فإنه تنظيميا لم يسمح بتواصل الانفلاتات دون حسم لأنه يرغب في إثبات جماهيريته الحقيقية عبر الانتخابات. الجبهة الشعبية وبعد أن سيطرت نسبيا على بعض الخلافات الداخلية إبان دخولها جبهة الإنقاذ واتخذت قرار تجميد عضوية بعض مكوناتها، بدأت تسترجع «عزفها» المنفرد الذي كان سببا في وقت ما، في ارتفاع شعبيتها. يبرز ذلك في تأكيدها الدائم على أن جبهة الإنقاذ هي محطة تقاطع لتحقيق أهداف معينة وقد تحققت نسبيا حسب قراءتها للنتائج بعد خروج «الترويكا» من الحكم. مع ذلك، فإنّ غموض موقفها وعدم حسمها في كيفية خوض غمار الانتخابات الرئاسية والتشريعية يشي بمقاربات متناقضة داخلها، واستمرار تعويم المواقف طويلا قد يفقدها نجاعة الخطاب الموجّه للناخب. في المقابل، حافظت على نسق أسبوعي منتظم في عقد لقاءات شعبية لشرح مواقفها وتقديم مقترحاتها. هذا الحراك الحزبي الهادئ وإعادة ترتيب البيت الداخلي فرصة سانحة للجميع لكنها لن تتكرّر، وإهدارها من طرف أي حزب كان، يعني تقلص حظوظه منذ الآن حتى وإن قاد بعد ذلك حملة انتخابية كبيرة ماديا.