تدخل البوليس أخيرا ليمنع الانتصاب الفوضي في شارع باريس الذي تحول إلى ما يشبه "سوق بومنديل" يعرض الباعة منتوجات مختلفة من العطور إلى الاكسسوارات والسجائر والمكياج وحتى الملابس... كان ضروريا أن تتدخل الدولة لوضع حد لهذه الفوضى التي استفحلت في شوارعنا وشوهت العاصمة... وعندما تتجرأ على مخاطبة أحد النصابة لتلفت انتباهه إلى أن الانتصاب الفوضي في أحد الشوارع الرئيسية أمر غير مقبول يرد عليك بفظاظة "وانت أش يهمك؟ توة بعد الثورة ولينا أحرار.." يا الله كم تكبدت الثورة من معان مقحمة وكم تعاني الحرية من سوء الفهم... بعد تدخل البوليس بيوم ذهبت إلى شارع الحبيب بورقيبة الذي لم أزره منذ شهر تقريبا... فأسعدتني نظافته كثيرا... وأثلجت صدري الحياة التي عادت إليه... ولم تبق سوى الأسلاك الشائكة المحيطة بوزارة الداخلية تذكرنا بأننا نمر بمرحلة انتقالية حرجة تقتضي بعض الإجراءات الأمنية... وتوجهت إلى شارع باريس فلم ألمح المنتصبون، عادت الحياة العادية إلى هذا الشارع وغادر "النصابة" مواقعهم في قلب باريس... لكن بعد يوم فقط، عاد التونسي ليعرض بضاعته في هذا الشارع وكأن شيئا لم يكن... وعادت الفوضى التي تشل حركة العابرين من المترجلين وخلافهم... لم يكلف التونسي نفسه عناء تطبيق "القرار البوليسي" لأسبوع واحد على الأقل ورفع شعار "التونسي يريد الفوضى" ليوشح صدر الوطن بفوضاه... مؤكد أنا لست في صف الانتصاب الفوضى، ولكن يمكنني أن أجد المبررات التي تدفع التونسي إلى هذا الخيار، فهو يريد "لقمة" شريفة من عرق الجبين بعد أن فعل "بن علي" كل شيء حتى يجوع أبناء الوطن ويدفعهم إلى السرقة والتسول... يخير التونسي الانتصاب ببضاعته في الشوارع الرئيسية على أن يجوع ويرغم نفسه على التسول والسرقة... الانتصاب الفوضي هو أكثر تشخيص للحالة التونسية في عهد بن علي... يمتزج اللامعقول باللامنطق، وتختلط المفاهيم، والنتيجة واحدة... لذلك يلزمنا الكثير من الوقت حتى نعيد ترتيب البيت وتتشكل صورة تونس كما نريدها، يرعاها التونسي بوعيه بعد أن تحفظ كرامته بعمل لائق، لايحتاج بعده لا إلى السرقة ولا التسول ولا الانتصاب في شوارع تحتاج منا جميعا أن نهتم بنظافتها وجمالها... دون تدخل البوليس ولا أعوان التراتيب...