في مناسبتين مختلفتين تحدث وزير التربية حاتم بن سالم عن وضع كارثي تعيشه أغلب المدارس العمومية وقدم صورة قاتمة عن صعوبات الاصلاح بل استحالته في ظل السياسة التربوية التي تنتهجها الحكومة الحالية وكل الحكومات التي تعاقبت بعد الثورة . المناسبة الأولى كانت خلال حضوره أشغال الدورة التكوينية التي انعقدت مؤخرا بمدينة الحمامات حول التخطيط التربوي وإعداد المخططات الجهوية للتربية والتي أشرفت عليها وزارة التربية بالتعاون مع مكتب " اليونسيف " بتونس حيث تم التطرق في هذا الملتقى إلى جانب من الإصلاح التربوي والذي يخص كل ما يتعلق بالفضاء المدرسي والبنية التحتية للمدرسة من صيانة المدارس الموجودة و توسعتها وإحداث مدارس جديدة و تزويدها بالمعدات وكل مل تستلزمه المدرسة العصرية من منطلق أن من مداخل مشروع اصلاح التعليم إصلاح الفضاء المدرسي الذي يجب أن يكون ملائما لمعايير المدرسة الحديثة حيث أوضح أن هناك قرابة 800 مشروع ممول من طرف الصندوق العربي للتنمية الاقتصادية يخص التعهد بصيانة مدارس ابتدائية وبناء مدارس جديدة وأن حوالي 100 مشروع من هذه المشاريع سينطلق خلال سنة 2020 غير أن العائق الكبير الذي حال دون انجاز كل هذه المشاريع المتأكدة والضرورية في عملية الاصلاح المنشودة الاجراءات الخاصة بالصفقات العمومية التي تأخذ كثيرا من الوقت والبيروقراطية المقيتة التي تمنع من الإسراع في الحصول على المصادقات وتؤخر الانجاز . والمناسبة الثانية التي أثار فيها وزير التربية موضوع الحالة المزرية لمدارسنا وتكلم عن الوضع الكارثي الذي وصلت إليه فضاءاتنا المدرسية هي حضوره في الندوة الوطنية الأولى حول الصحة المدرسية الذي انعقت هي الأخرى منذ أيام قليلة حيث أدان وزير التربية بشدة تراجع الخدمات الصحية في الكثير من المدارس وذلك بسبب النقص الفادح في العيادات الطبية داخل المدارس الابتدائية والمعاهد الثانوية مؤكدا أن مستوى الصحة المدرسية قد اندثر مقارنة بما كان عليه الوضع في السابق مما أفقد التعليم جودته لأن هناك ترابطا حسب قوله بينهما ودعا إلى ضرورة مراجعة المقاربات الحكومية في مجال الصحة المدرسية وتوفير الامكانيات اللازمة للنهوض بالمؤسسة التربوية. وفي سياق متصل تعرض حاتم بن سالم إلى وجود صعوبات جمة في توفير الوجبات المدرسية في الكثير من المدارس والمعاهد وتراجع الخدمات المدرسية في علاقة بنوعية الأكلة المقدمة حيث يتعرض الكثير من مديري المدارس إلى صعوبات في خلاص المزودين بالمواد الغذائية مما خلق حالة من القلق في صفوف المربيين الذين بات الكثير منهم غير قادر على توفير الأكلة الجيدة رغم الجهد الكبير الذي يبذله ديوان الخدمات المدرسية وما الحادثة الأخيرة التي جدت في مدرسة " هنشير البقر " بالقصرين والتي تعرضت إلى توزيع لمجة على 150 تلميذ مكونة من هريسة وسردينة في إناء من البلاستيك – بانو – لهي صورة من صور الوضع الكارثي الذي وصلت إليه الخدمات المدرسية وهو الوضع العام الذي تعيشه الكثير من المدارس في المناطق الداخلية المهمشة والمنسية . خلال هاتين المناسبتين اللتين تعرض فيهما وزير التربية إلى موضوع الإصلاح التربوي والصعوبات التي تعترض عملية الاصلاح مبرزا الاخلالات الكبيرة التي تعاني منها المدرسة العمومية انطلاقا من مدخل إصلاح الفضاء المدرسي الذي يعد أحد محاور الاصلاح الأساسية والرئيسية ركز حاتم بن سالم على مسألة في غاية من الأهمية بل أنها هي محرك كل إصلاح ومحرك الاصلاح التربوي هذه المسألة هي ضعف الميزانية المخصصة لقطاع التربية والتعليم حيث أوضح أن ميزانية مخصص منها 5 % فقط إلى المشاريع التنموية المزمع انجازها من صيانة وتعهد المدارس الموجودة وبناء مدارس جديدة تتطلبها الاستجابة إلى الزيادة في عدد الملتحقين بالدراسة وتوفير كل الخدمات الضرورية التي يحتاجها الفضاء المدرسي من خدمات صحية ووجبات مدرسية و التقليل من الاكتظاظ الموجود داخل الاقسام لهي ميزانية عاجزة عن بلوغ الأهداف المرجوة من عملية الاصلاح التربوية وتحول دون تحقيق نتائج طيبة وتجعل المربي عاجزا عن تقديم الاضافة وتجعله يعمل في ظروف صعبة وأضاف بأن الإعتمادات المقترحة لوزارة التربية في مشروع ميزانية سنة 2020 تعادل 6.5 مليار دينار 95 % منها يذهب إلى خلاص الأجور والباقي 5 % يخصص إلى نفقات التنمية والقيام بكل المشاريع التي تتطلبها المدرسة فهل يمكن بمثل هذه الإعتمدات الضعيفة أن نتحدث عن عملية اصلاح التعليم ؟ وهل بمثل هذه الميزانية يمكن أن نتحدث عن تطوير المدرسة العمومية . اليوم لدينا المئات من المدارس الريفية بلا ماء صالح للشراب وأغلبها متداع للسقوط ولا يوفر الأكلة المدرسية ولا يوجد بها مطاعم مدرسية .. ومدارس أخرى بلا أسوار وهي مفتوحة على كل المخاطر ومحيطها غير آمن بسبب انتشار ترويج المخدرات .. وأخرى لا تتوفر على مكتبات ولا قاعات للمراجعة ولا فظاءات لممارسة الرياضة .. ومدراس أخرى يصعب الوصول إليها بسبب حالة الطرقات السيئة وتهري البنية التحتية مما يخلف معاناة كبيرة للوصول إلى المدرسة .. هذه حال مدارسنا من حيث الفضاء المدرسي ومن حيث غياب التجهيزات الضرورية التي تليق بتلميذ الزمن الحاضر ولكن هل يمكن اصلاح كل هذا الخلل بموارد تخصصها الدولة 95 % منها يذهب لسداد الأجور والرواتب ؟ وكيف نصلح من حال مدارسنا باعتمادات لا تتجاوز 5% من الميزانية المرصودة لوزارة التربية للقيام بأعمال الصيانة والبناء وتوفير مختلف الخدمات ؟ فهل بمثل هذه الأرقام تقوم الحكومة باستبلاه الشعب والضحك عليه حينما ترفع شعار الاصلاح التربوي وحينما تراهن على التعليم لمقاومة المخاطر التي تهدد المجتمع وهي تعلم أنها تخصص الفتات للتعهد بالمباني التربوية والخدمات المدرسية ؟ وهل بمثل هذا التخطيط وهذه البرمجة نريد أن ننهض بتعليمنا ونحقق التفوق والريادة ؟