الانفجار الذي هز منطقة الهرمل بالبقاع اللبناني يعتبر من حيث منطق الاستراتيجيا العسكرية توسيعا لجبهة الحرب الدائرة في سوريا. ولعل إذا ما أردنا التحدث عن الإستراتيجيا العسكرية أن نحدد عناصر الزمان والمكان التي تجمع مختلف المؤثرات في المشهد العسكري في المنطقة وخاصة بين سورياولبنان، باعتبار أن الإمتداد الجيوستراتيجي في بعديه التاريخي والجغرافي هو امتداد صراع طويل بين مختلف مكوناته الديمغرافية منذ أزل بعيد. المكان كما هو معلوم لبنانوسوريا، الأولى كانت تحت "وصاية" الثانية، والثانية ظهرت في وقت بعد خروجها من الأولى سنة 2005، كعنصر مؤثر استخبارتيا وسياسيا في الأولى، خاصة بعد دخول حزب الله إلى معترك السياسة في لبنان كحليف استراتيجي لدمشق والذي دخل بكل قوته في الحرب في سوريا إلى جانب قوات الأسد منذ منتصف سنة 2012. نفس الحزب كان العنصر الأساسي الذي ساهم في انتصار جيش الأسد في معركة القصير على قوات المعارضة والجهاديين، والتي تعتبر انتصارا استراتيجيا للأسد للسيطرة على مدينة تعتبر ممرا بين مدينة حمص وشمال لبنان، وكذلك بين دمشق والساحل السوري. وكان الموقع الإستراتيجي للقصير يوفر منفذا للامداد العسكري (امداد بالمقاتلين وبالدعم اللوجستي) بين الجماعات المساندة للمعارضة والجماعات الجهادية (كجماعة عبد الله العزام التي كان يديرها السعودي ماجد الماجد وكذلك جماعات مثل فتح الإسلام المتمركزة في مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين) في لبنان وخاصة من سهل البقاع في لبنان (أين توجد مدينة الهرمل). إضافة إلى معركة القصير توجد معارك اخرى وحالة كر وفر كالتي تشهدها منطقة القلمون والتي توجد على نفس الطريق التي تربط بين دمشق والساحل السوري الذي يعتبر أولوية في نظر المعارضة وخاصة من طرف التنظيمات الجهادية التي تحاول فرض رؤية طائفية للصراع في سوريا بين "العلويين" والشيعة" من طرف و"السنة" من طرف آخر. واقع هذا الحال قد لا يستوي إذا ما عرفنا أن هذين الجبهتين في غرب سوريا، فرضا انتشارا تكتيكيا جديدا لصالح النظام السوري، والذي استطاع أن يساهم في ضرب لحمة التنظيمات المشكّلة للمعارضة المسلحة السورية. واقع الحال أن أكبر اختراق كان فرط عقد التحالف التكتيكي بين تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام "داعش" و"جبهة النصرة" على أساس تباين الأهداف بين التنظيمين الذين بايعا زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري. ولعل هذا التباين جاء من خلال أن "التحالف العقائدي" الذي جمع التنظيمين انفرط عقده مع توسيع جبهة الحرب الذي وسعته داعش في الأنبار بالعراق وفي سهل البقاع وحتى بيروت في لبنان. هذه الخطوة العسكرية التي قامت بها داعش بمباركة من زعيم التنظيم أبو بكر البغدادي لم تستسغها "النصرة"، خاصة وأن الهدف الإستراتيجي بالنسبة لجبهة النصرة هي رأس النظام في دمشق وليس انشاء دولة في المساحة بين العراق والشام. من جهة أخرى فإن هذا التمشي الذي ذهبت فيه داعش كان من منطلق أن قادة التنظيم يبقون في الأخير "من المهاجرين" غير السوريين والذين يحلمون بتأسيس إمارة اسلامية في الشام لمقاومة المد الشيعي في الشام. تلك النقطة كانت المنطلق لفك الخط بين جهاديي "النصرة" و"داعش" وهو ما فرضه الواقع الميداني في المعركة الدائرة بين جيش النظام السوري والمعارضة المسلحة بكافة أشكالها. فالحكومات الغربية بداية من الاتحاد الأوروبي وخاصة بريطانيا وبلجيكا وفرنسا والولايات المتحدة، بدأت تستشعر خطر هؤلاء الجهاديين بعد عودتهم من "أرض الجهاد" في الشام. بنفس المنطق فإن الغرب يرى أن نظام الأسد بات العنصر الفارق في الحرب ضد "مهاجري داعش" الذين يقاتلون في سوريا، وبات ما كان يمثل رأسا من رؤوس "محور الشر"، رمزا للحرب ضد الإرهاب. في نفس النطاق فإن "فك الإرتباط" الذي حصل بين أكبر تنظيمين جهاديين في سوريا، جاء بعد التفاف من الغرب على "داعش" من خلال "جزرة" المساعدات العسكرية وغير العسكرية التي كانت تمثل العمود الفقري للمعارضة السورية قبل دخول "داعش" إلى أرض الشام وهو ما يقض مضاجع أجهزة الإستخبارات الغربية. العنصر التكتيكي الأبرز الذي سارع إلى هذا التغيير الإستراتيجي الكبير يبقى في الخيار التكتيكي الذي سارعت إليه داعش لتوسيع جبهة القتال نحو الأنبار في العراق والبقاع في لبنان، بمنطق نقل المواجهة إلى جبهات أخرى وهو ما لا يستقيم مع حسابات الغرب للاشكالية الإستراتيجية الكبرى في سوريا وهو رحيل الأسد. إن توسيع جبهات القتال لتشمل سهل البقاع وغرب العراق، كانت غايته إفراغ السيطرة الجديدة التي فرضها جيش الأسد على الجبهة الغربية للبلاد والتقدم الذي أحرزه في كل من حمص المجاورة للقصير والتقدم في الريف الشمالي لدمشق وفي جنوبي حلب، بعد قطع خطوط الإتصال والامداد اللوجستي من لبنان وخاصة من ميدنة الهرمل المتاخمة لخط المواجهة في سوريا، وكذلك ما أتاحته السيطرة على الطريق بين دمشق والساحل السوري من خطوط امداد لدمشق وهو ما عجل بانقلاب الوضع العسكري تكتيكا واستراتيجيا لصالح الجيش السوري، خاصة مع "الفيتو" الذي رفعته تركيا للامدادات العسكرية للمعارضة السورية بعد ما بات يفرضه واقع "داعش" على الخريطة السورية وما بات يشكل معضلة لأنقرة في علاقاتها مع دول الاتحاد الأوروبي فضلا عما بات يشكل معضلة أمنية لتركيا. إن التغيير الحاصل للاستراتيجية تنظيم القاعدة والانتشار الجديد للتنظيم عالميا، فضلا عن طرق التجنيد الجديدة التي ينتهجها التنظيم، بات يشكل تهديدا جديدا للدول الغربية، التي بدأت تحاول فهم "القاعدة" في شكلها الجديد الذي بات أقبر إلى التهديد خاصة مع ازدياد اقتراب هذ الخطر من الأراضي الأوروبية مع الإنتشار القوي في دول شمال افريقيا، إضافة إلى الشكل التنظيمي الجديد للجهاديين في سورياوالعراقولبنان والقائم على التأسيس السياسي لامارة في الشرق الأوسط، مقابل الإبتعاد عن تكتيك الكر والفر. إن توسيع جبهات القتال لداعش في لبنانوالعراق قد يتيح لهذا التنظيم فكرة إسقاط ما حققه جيش الأسد في القصير والقلمون، ضمن فضاء جغرافي آخر يفرض إدخال عناصر جديدة إلى القتال وهو ما يخلط الأوضاع العسكرية وانتشار "حزب الله" في سورياولبنان وضرب خطوط امدادته في عمق امتداده الاستراتيجي في سهل البقاع في لبنان، وما قد يمثله الدخول في حرب مفتوحة على الجيش العراقي في الأنبار خاصة مع القمع الممنهج الذي يقوم به رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي في معاملته للاحتجاجات السياسية والاجتماعية للسنة في غرب العراق.