نوافذ تكسر بلورها مفتوحة على رياح الشتاء... طاولات مهترئة لا مقاعد تحيطها... قاعات تغرق في الظلمة دون إضاءة.. أبواب اقسام مهشمة مفتوحة لكل الاحتمالات ،تراقصها الرياح فتنفتح تارة وتنغلق تارة أخرى ..جو كئيب مخيف ذاك الذي تشعر به و انت تدور بين جدران متشققة،صفراء باهتتة اللون، جدران يمكن أن تنهار فوق رؤوس التلاميذ و الاطار التربوي في كل لحظة في أي وقت لتتسبب في كارثة يهرول المسؤولون على إثرها لإصلاح ما أمكن وتدارك ما حصل. فاما اكداس الخردة التي تحتضنها الأعشاب الطفيلية في ساحة المدرسة فحدث ولا حرج. هذه حالة معهد من أكبر المعاهد في الجمهورية التونسية من حيث المساحة والعمر، المعهد الثانوي بقرمبالية الذي تأسس في سنة 1964 على مساحة تقدر ب4.5 هكتار. بعد 57 عاما من استقبال التلاميذ من مختلف المناطق المجاورة و تقديم دروس لهم في مختلف الشعب وجد المعهد نكرانا من المسؤولين الذين تباطؤا في صيانته فتعكرت حالته و اصبح غير مؤهل لاستقبال التلاميذ. في وقت يفكر فيه اليوم المسؤولون في وزارة التربية برقمنة التعليم ومواكبة تطورات المجتمع المعاصر وإدخال التكنولوجبا والعمل على توسعة مشاريع التوأمة الرقمية بين المدارس والمعاهد التونسية والأجنبية ضمن برنامج e-Twinning Plus لتحسين جودة التعليم هذه هي حقيقة البنية التحتية لبعض المؤسسات التربوية في بلادنا.في ظل مثل هذا الوضع عن أي تعليم عن بعد نتحدث في زمن الجائحة و وباء كورونا؟ ففي الوقت الذي يدرس فيه التلاميذ بالمدارس الأجنبية عن بعد، يجد تلاميذ المدارس الابتدائية والاعدادية والمعاهد الثانوية في تونس صعوبة في الدراسة حضوريا وذلك لانعدام أبسط المرافق التي تؤثر على حقهم في التعليم الجيد الذي يساهم في تطور وتقدم الأمة. وقد أقرت وزارة التربية في بداية هذه السنة أن نظام التدريس بالأفواج في السداسي الأول قد فشل لأنه أثر سلبا على المستوى البيداغوجي حيث لم يتسن في عديد المؤسسات استكمال البرنامج الذي من المفترض أن يدرس في الثلاثي الأول ناهيك أن يتم اعتماد تلك الطريقة في معهد يشكو من عدة نقائص. عندما تتجول في ذلك المعهد الشاسع قد تتعثر وأنت تدقق في حالته الكئيبة لأن الأرضية مشققة تجعلك تشعر وكأنك في الخلاء. كما تفتقر المؤسسة لأبسط الإمكانيات فماء الحنفية غير صالح للشراب. هذه البنية التحتية تؤثر حتما على التلميذ ومستواه الدراسي إذ صرح أحد تلاميذ المعهد للصباح نيوز، وسيم بن حد، أن البنية التحتية المهترئة تشتت تركيز التلاميذ لأنهم يراقبون تلك الجدران خوفا من تنهار عليهم مؤكدا أنه في فصل الشتاء خاصة ترتفع احتمالية الإصابة بأمراض فإذا لم يصابوا بالكورونا فهم حتما سيصابون بنزلة البرد. كما تشكو قاعات الانجليزية من غياب الكهرباء الشيء الذي يحرم التلاميذ من الاستماع إلى الدروس والتعود على اللهجة الانجليزية فيبقى تعليما تقليديا لا يتماشى مع التطور الذي يشهده عالما المعاصر. وقالت أستاذة الانقليزية لمياء بن عمر أنها حاولت في ظل هذا الوضع ان تقوم بدروسها عن بعد لكنها وجدت صعوبة في ذلك لأنه لا يوجد انترنات لدى التلاميذ، فاضطرت إلى أن تتزود بنفسها بالانترنات وتجلب الحاسوب ومكبرات الصوت لتؤمن الدروس وتسعى لإفادة تلاميذها. معهد الثانوي بقرمبالية تحصل على المرتبة الأولى في المشاريع التوأمة الرقمية على المستوى الوطني إلى جانب التتويج عديد المرات بالجائزة الاوروبية وكان الأساتذة المشاركين تلك المشاريع يجدون في كل مرة صعوبة في إيجاد قاعة خاصة يعملون فيها مع التلاميذ لأجل إخراجهم من روتين التعليم التقليدي إضافة إلى تزودهم بأنفسهم بالانترنات. وضعية المعهد جعلت التلاميذ ينفرون منه ويضيعون فرصة تعلم تقنيات جديدة في التواصل مع التلاميذ الأجانب والعمل في مشاريع مشتركة يستفيد منها كل الأطراف. من جهة أخرى، تعرف المخابر نقصا كبيرا في المعدات و انقطاعا للمياه الصالحة للشرب ما يؤثر سلبا على جودة التعليم والمستوى الدراسي للتلاميذ لأنهم يحرمون من التجارب العلمية والجانب التطبيقي. كما أن المواد الكيميائية المسؤولة على التفاعلات الكيميائية يمكن أن تنفجر داخل تلك المخابر إن سقطت وتكسر زجاجها لأن طريقة حفظها لا تحترم الشروط العامة وهو ما أكدته إحدى العاملات وذلك يعود إلى أن الرفوف التي يتم داخلها تخزين القوارير ليست متماسكة وحتى بلور تلك الرفوف مهشم. كما يسهل أن يلاحظ المتفرج انتشارا كبيرا للصدأ على المعدات الشيء الذي يجعل التجارب العلمية الكيميائية تفشل. يجلس التلاميذ على كراسي طاولات قديمة وغير مريحة بتاتا يعود عمرها لأكثر من 20 سنة لم يعد من المجدي إصلاحها . و في هذا السياق أكد القيم العام مكرم الفرجاني، أن المعهد الثانوي بقرمبالية بالإضافة إلى أنه يعاني من نقص في الطاولات يشكو كذلك من نقص في عدد الحواسيب لصالح الإداريين إلى جانب أن عدد القيميين غير كاف ف 12 قيما لا يمكن أن يشرف على معهد عدد تلاميذه يقدر ب2071 في ظل غياب مدير للمعهد طال انتظاره. و اما في ساعات انقطاع الدروس فتتواصل الماساة ،اذ يجلس التلاميذ في أوقات الفراغ أمام المعهد عرضة لعدة مخاطر من سرقة و" براكاجات" ويعود ذلك إلى غياب مكتبة يستأنسون داخلها بكتاب أويلجؤون إليها لمراجعة دروسهم. فمنذ سنتين تقريبا تم هدمها من أجل إعادة ترميمها ولكن مازال التلاميذ ينتظرون مكتبة تليق بهم تحتضنهم وتحميهم من الجهل عوض أن يحتويهم الشارع ويجرهم إلى كل أنواع التعديات. أمام هذه المعضلة التي يشكو منها الجميع، قام وزير التربية فتحي السلاوتلي رفقة المندوب الجهوي بنابل بزيارة المعهد الثانوي بقرمبالية في بداية الشهر الحالي لتدارس الوضعية الرثة التي يشكو منها المعهد الثانوي في مدينة قرمبالية.