تحقيق التوازنات المالية.. دفع النمو وخلق الثروة.. المحافظة على المقدرة الشرائية للمواطن هي ثلاثية مفصلية تتحكم اليوم في خيارات الحكومة ومصيرها واستقرار الوضع الإجتماعي في قادم الأيام، كما تحدد في الآن ذاته مستقبل العلاقة بين السلطة التنفيذية والمنظمة الشغيلة بدرجة أولى ومنظمة الأعراف بدرجة ثانية إلى جانب تحديد مصير الهدنة الحالية بين المنظمتين. هذه الثلاثية برزت إلى السطح أكثر فأكثر مع بداية الجدل حول مشروع قانون المالية والحكومة في وارد المشي على حقل من الألغام لأن المحاور الثلاثة المشار إليها وفي ظل التراكمات وتأزم الأوضاع تبدو على طرفي نقيض فالإجراءات المطلوبة في كل محور وملف قد تأثر سلبا على الآخر وبالتالي تبدو الحكومة في موقع لا تحسد عليه وهي مطالبة بدراسة خطواتها جيدا قبل اقرار النسخة الأخيرة من مشروع قانون المالية المقررة خلال اجتماع وزاري غدا الخميس. لا توجد للاسف خيارات كبيرة أمام حكومة الشاهد لانتهاج منهج أسلافها واللجوء مجددا إلى سياسة الهروب إلى الأمام بل هي مطالبة ببداية الإصلاحات ووقف نزيف التدهور الإقتصادي كمطلب داخلى يفرضه الوضع المتأزم وأيضا كاملاءات خارجية تشترطها المنظمات المانحة وفي مقدمتها صندوق النقد الدولي. ويستدعى الأمر تحقيق التوازنات المالية بما يعنيه من محافظة على استدامة المالية العمومية بالتقليص من كتلة الأجور إلى جانب الحد من العجز الهيكلى المزمن في ظل مديونية ناهزت 70 بالمائة، في الأثناء تحتاج الحكومة دون شك إلى دفع النمو ومساندة المؤسسات الإقتصادية لخلق الثروة . في المقابل لا خيارات أيضا أمام الحكومة لفرض سياسة الأمر الواقع والإصلاحات المؤلمة دون توافق حولها فالاستقرار الإجتماعى والصدام مع المنظمات والهياكل المهنية سيكون له ثمن باهظ. كما لا يجب على الحكومة اغفال ما تتعرض له المقدرة الشرائية للمواطن من ضغوط وتدهور وسط ارتفاع جنوني لأسعار الموارد الأساسية وما عرفته الطبقة الوسطى وتحديدا الموظفون والأجراء من تفقير وكلها عوامل تجعل الأرضية ملائمة لمشاعر الإحتقان والتحركات الإجتماعية. اكراهات.. المسألة إذا بمثابة المشي على حقل من الألغام وبالتالى يبدو دور المنظمات الوطنية كالاتحاد ومنظمة الأعراف مهما. وإن ظلت العلاقة بين حكومة الشاهد والمنظمة الشغيلة عنوانها إلى حد الآن الدعم والإسناد التزاما بنص وثيقة قرطاج لكنه يبقى إلتزاما حذرا تتهدده جملة من الإكراهات تتصاعد وتيرتها في وجه الأتحاد ولعل ذلك ما بينه بوضوح الأمين العام المساعد منعم عميرة عندما صرح في حديث لاحدى الصحف اليومية بان المنظمة الشغيلة «تتعاطى بمرونة كبيرة مع الحكومة لتجنب التصادم». وتبرز أساسا الاكراهات أمام اتحاد الشغل من خلال ملف التقليص في كتلة الأجور والتوجه نحو أيجاد صيغ لتسريح الموظفين إلى جانب تجميد الانتدابات في الوظيفة العمومية، وغيرها من الملفات والإجراءات. ويتمسك الاتحاد إلى حد الآن برفض استهداف الحلقة الأضعف من عمال وموظفين وتحميلهم بمفردهم وزر وعبء الأوضاع الإقتصادية والمالية المتردية. كما يدفع الاتحاد بقوة نحو اعتماد العدالة الجبائية واستجابة الحكومة لن تمر دون تصعيد محتمل من قطاعات مهنية قوية بهياكلها ورافضة للتوجه نحو اقرار ضرائب مباشرة وآداءات في مشروع قانون المالية الحالى تماما كما حصل السنة الفارطة مع قانون المالية الفارط عندما نجحت هذه الهياكل المهنية في إجهاض خيارات الحكومة حينها. وقد عبرت إلى حد الآن العديد من الهياكل المهنية عن رفضها لتوجهات مشروع قانون المالية الحالية آخرها الخبراء المحاسبون الشبان الذين عبروا أمس عن رفضهم للترفيع في الضغط الجبائي ضمن قانون المالية لسنة 2018، مشددين على ان اي ترفيع جديد من شانه ان يخدم القطاع الموازي. هدوء حذر حذر بدوره اتحاد الصناعة والتجارة من تمسك الحكومة بتوجهاتها في مشروع قانون المالية مما يجعل علاقته بالحكومة تدخل في خانة الهدوء الحذر وكانت منظمة الأعراف قد أصدرت بيانا عبرت فيه عن موقفها بكل وضوح ونبهت من «مخاطر أي نية لإثقال كاهل المؤسسة الاقتصادية المنظمة بأداءات إضافية، أو الترفيع في نسبة المساهمات الاجتماعية للمؤسسات، لأن ذلك سيؤثر سلبيا على قدراتها التنافسية وعلى قدرتها على الاستثمار وتوسيع أنشطتها وبالتالي خلق مواطن شغل جديدة،» ودعت المنظمة إلى « تحديد مستوى الضغط الجبائي في المستوى الذي كان عليه سنة 2016». من جهة أخرى تشوب علاقة منظمة الأعراف باتحاد الشغل سمة الهدوء الحذر وذلك في ظل عدم الحسم إلى حد الآن في ملف الزيادات في الأجور في عدد من القطاعات وإن تم التوصل إلى تأجيل الكثير من الإضرابات في قطاعات حيوية. ينسحب كذلك وصف الهدوء الحذر على وضع السلم الإجتماعية بشكل عام، ورغم أن المعادلة تبدو صعبة أمام الحكومة لكنها مطالبة بمراعاة الوضع الراهن لا سيما وأنها خبرت في الفترة الفارطة وجهات النظر المختلفة وجست النبض بخصوص المواقف من التسريبات الأخيرة حول مشروع قانون المالية المرتقب وهي على إطلاع دون شك على تحذيرات الشركاء في وثيقة قرطاج إلى جانب المعارضة والمراقبين والتى تنذر بأن الهزات الاجتماعية والاحتجاجات قد تكون عنيفة إذا ما اندلعت. منى اليحياوي