في مصافحة سريعة لعدد من الإذاعات الجهوية وأيضا الوطنية العمومية والخاصة أعطيت الكلمة أمس في بعض البرامج الحوارية على غرار برنامج مثير للجدل للصحفي زهير رجيس على موجات إذاعة إكسبراس أف آم للمواطنين ليعلقوا على الأحداث الأخيرة وخاصة منها التي جدت أول أمس ، اختلفت الآراء والمواقف إلى حد التشنج غير أنها التقت في نقطة أساسية تمحورت حول المسؤولية السياسية والأخلاقية وهي مربط الفرس في هذه الفترة الانتقالية الحرجة المسؤولية بصفة عامة والسياسية والأخلاقية بصفة خاصة بين التصعيد والخطاب المتشنج والتريث والرصانة بين مختلف الفرقاء السياسيين وبين ردات فعل الشارع التونسي وبين التناول الإعلامي لمختلف الأحداث الراهنة أضحت موضع تساؤل وبحث بسبب تصاعد مظاهر العنف بجميع أشكاله فهل من وقفة تأمل ومراجعة وتمحيص لضبط الأنفس وتحديد المسؤوليات سعيا إلى التخفيف من هذه الظواهر المسؤولية والقيم مواجهة كل مظاهر التجاذبات والعنف والإرهاب والتصعيد، كما بيّن عبد الباسط بن حسن رئيس المعهد العربي لحقوق الإنسان، "لا يمكن أن تتم إلا في جو من التوافق الوطني وهذا التوافق مدخله الأساسي هو الإسراع بإنهاء مفاوضات الحوار الوطني من أجل طمأنة الناس وتوضيح الطريق الذي ستسلكه البلاد فمواصلة غموض الوضع السياسي لن تزيد الأجواء إلا احتقانا ويبعدنا عن معنيي المسؤولية والقيم" فأي مسؤولية وقيم يجب ضبطها للخروج من الوضع الراهن؟ قال بن حسن: "شهدنا في الفترة الأولى من المرحلة الإنتقالية مقترحات للعدالة الانتقالية لتداوي جراح الماضي ولإصلاح المؤسسات حتى تكون أكثر شفافية وإعداد الإنتخابات لتكريس التداول السلمي على السلطة" معقبا "لكننا نقف اليوم على مرحلة حرجة من تاريخ بلادنا يكاد يضيع فيها المشروع الوطني وتعم البلاد الفوضى" هذا الانتقال من حالة الأمل إلى حالة الارتباك والخوف أرجعها رئيس المعهد العربي لحقوق الإنسان إلى جملة من الأسباب تدور كلها حول "معنيين وهما المسؤولية السياسية والقيم التي تحركهما السياسة والفعل السياسي وفعل المسؤولية" غير أنه بعد الانتخابات الأخيرة "وقع الانزياح تدريجيا عن أجندة الانتقال الديمقراطي وهي تمثل في حد ذاتها مشروعا وطنيا مثل العدالة الانتقالية وكتابة دستور جديد وإصلاح المؤسسات وإقامة العدالة الاجتماعية، إذن وقع الانزياح عن هذه الأجندة لتأخذ مكانها أجندة أخرى تقوم على المصلحة الحزبية والسياسية والسعي إلى فرض الهيمنة مما أنتج حالة من التجاذب والصراع" التأسيس لرؤية جديدة لقد أغللت مواضيع عديدة "كان بالإمكان أن تؤسس لرؤية جديدة للفعل السياسي لدى المواطنين فأصبحنا نرى جرحى الثورة يخيطون أفواههم والفقر يزحف على فئات إجتماعية عديدة والفساد يتطور مما خلق جوا من انعدام الثقة في الثورة وفي السياسة" فاليوم نحتاج - كما أكد بن حسن- "إلى خطاب سياسي يعتبر القيم أحد أسسه وإلى شرعية تقوم على المسؤولية والمحاسبة" "فعدم تجريم دعوات العنف وممارساته ووضوح القرار السياسي لمحاربة هذه الظاهرة أديا إلى استشراء العنف وظهور الإرهاب ولعل على جميع الأطراف السياسية والمدنية وخاصة الأطراف الحاكمة أن تقف اليوم ليس بمواصلة الصراع حول السلطة ولكن من أجل بناء ظروف تضمن انتقال البلاد إلى الديمقراطية وليس إلى العنف" تصعيد مختلف الأطراف السياسية لخطابها وتمسكها بمواقفها قد يزيد في تأجيج الوضع خاصة في ظل تواتر التصريحات الصحفية والتناول الإعلامي لهذه الأزمة العالق بين محك الحيادية وبين الحق في المعلومة وبين ضرورة التكتم لصالح الأمن العام وبين خدمة أجندات معينة فقد لاحظت الهيئة العليا المستقة للإتصال السمعي والبصري في بيان لها صدر يوم 23 أكتوبر الجاري أن "بعض القنوات التلفزية والإذاعية الخاصة تبث برامج ورسائل موجهة سياسيا تحرض جهات ضد أخرى كما أنها تخل بمبدإ التعددية في التعبير عن الأفكار والآراء وهو ما من شأنه أن يحيد بالمنشآت الإعلامية السمعية البصرية عن الأدوار الأساسية للإعلام وجرها إلى التوظيف السياسي ولعب أدوار التوجيه والدعاية" معتبرة هذه الممارسات "إخلالا جسيما بأخلاقيات المهنة والممارسات الصحفية السليمة وهو ما يتعارض مع مبادئ العمل الصحفي.."