◄ ماذا عن دور مركز الدرسات الاستراتيجية حول الأمن القومي؟ يؤكد الكثير من المختصين في مجال الأمن القومي وكذلك المتابعين والمحللين لموضوع الإرهاب أن ضعف البعد الإستراتيجي والإستشرافي في تونس في التعامل مع ظاهرة الجهاديين والإرهابيين هو الذي جعل التعامل اليوم مع خطر الإرهاب فيه الكثير من التخبط. هذا دون شك إلى جانب ضعف الإرادة السياسية والحزم الكافى وتقدير المخاطر الحقيقية المحدقة وأيضا الوضع السياسي الداخلي وكلها عوامل سمحت ربما للتنظيمات الإرهابية بتسجيل نقاط لصالحها تستفيد منها اليوم في المواجهة بينها وبين الجيش التونسي. ويشير البعض إلى غياب الدراسات المعمقة والمراكز المختصة التي تضم الخبراء والمحليين والمختصين والأمنيين وتنكب على تناول موضوع الإرهاب وتطور الحركات الجهادية على المستوى الداخلي وأيضا على المستوى الإقليمي والدولي. ضعف البعد الإستراتيجي ومن منطلق أن مسألة الإرهاب في تونس ليست وليدة ما بعد الثورة أو هي في معزل عن حراك إقليمي وعالمي فإن المختصين يعتبرون البعد الإستراتيجي الإستشرافي الغائب والمهمش والذي لو تم إيلاؤه الإهتمام اللازم سواء في العهد السابق أومباشرة بعد الثورة في ظل ظهور مؤشرات قوية كانت تنذر بمواجهات قادمة مع المتطرفين،لكان ذلك فعّالا في التحركات الإستباقية وفي ضبط خطط للمواجهة. ويستدل المحللون في تأكيدهم على غياب البعد الإستراتيجي في تونس بالإشارة إلى أن ما حصل في شمال مالي بعد التدخل الفرنسي في المنطقة والذي دفع بعديد العناصر الإرهابية باتجاه ليبيا وجنوب الجزائر وبالتالي باتجاه تونس كان يدلل على أن ما يحصل في مالي ليس مجرد حراك معزول لمجموعة صغيرة بل مرتبط بحرب اقليمية وصراع سياسي سيمتد حتما في بعده الجغرافي. ولو كانت هناك مراكز إستراتيجية استشرافية جدية في تونس تضم الباحثين والمختصين في التاريخ والجغرافيا والسياسة والعلاقات الدولية وطبيعة الصراعات الإقليمية.. الخ وتعمل في علاقة مباشرة مع الأجهزة الأمنية والجهات ذات العلاقة بالأمن القومى لكانت ربما طبيعة الإستعداد لخطر الإرهاب عبر الحدود أفضل مما هي عليه اليوم. دراسة الإرهاب من الداخل تؤمن أيضا المراكز الإستراتيجية تقييما حقيقيا لتواجد التنظيمات الإرهابية في تونس حتى لا يظل الحديث والتعامل مع الإرهاب على أساس توافده من الخارج دون أن يكون له امتداد في الداخل يعود لسنوات عديدة. ويشير بهذا الصدد الدكتور نصر بن سلطانة رئيس الجمعية التونسية للدراسات الإستراتيجية وسياسات الأمن الشامل أن الحديث عن الإرهاب في تونس ليس وليد الثورة بل سبقها بسنوات تعود إلى مشاركة السلفية الجهادية التونسية في حرب أفغانستان والعراق. ومن المهم معرفة وتحليل نشأة التنظيمات الإرهابية في تونس ومنطلقاتها لتحليل الواقع واستشراف ما قد تؤول إليه الأمور. فقد شهدت تونس في سنة 2000 تكوين ما يعرف بالجماعة التونسية المقاتلة على يد سيف الله بن حسن (أبو عياض). ويضيف الدكتور بن سلطانة أنه تم سنة 2002 تصنيف هذه الجماعة التونسية من قبل لجنة أممية تابعة لمجلس الأمن على أساس أنها تنظيم إرهابي تابع لتنظيم "القاعدة" بعد أن شهدت أفغانستان أكبر عملية إرهابية أسفرت عن اغتيال أحمد شاه مسعود سنة 2001 ونفذ الإغتيال على يد تونسيين مرتبطين بجماعة أبو عياض في تونس. تأتى بعد ذلك أحداث سليمان سنة 2006 التي تزامنت مع إنشاء تنظيم "القاعدة" في المغرب العربي وبداية امتداد وتغلغل الفكر السلفي الجهادي لدى الشباب التونسي (ولعل خير دليل على ذلك تحول تونس اليوم إلى أكبر مصدر للجهاديين إلى سوريا.) وبدأت منذ 2007 محاربة الفكر السلفي المتطرف على المستوى الرسمي في تونس حيث شهدت سنة 2008 إصدار كتاب السند التونسي في ممارسة الشعائر وأقيمت سنوات2009 و2010 ندوات وملتقيات حول التصدى لانتشار الفكر المتطرف والأفكار المذهبية الوافدة (المذهب الحنبلي والفكر الوهابي..) الإرهاب ما بعد الثورة يعتبر أيضا المختصون في مجال الدراسات الإستراتيجية أنه لم تتم في تونس دراسة طبيعة تطورات التنظيمات الإرهابية في تونس بعد الثورة والتي شهدت تكوين أنصار الشريعة في أفريل 2011. ويضيف الدكتور بن سلطانة أن التاريخ نفسه شهد تكوين أنصار الشريعة في اليمن وتكونت أيضا أنصار الشريعة في ليبيا وكانت إشارات قوية على تحول الفكر التنظيمي للقاعدة من تنظيم إلى تنظيمات وفروع مع تغيير التسمية..مستفيدة في تونس وفي غيرها من المناطق من مناخ الحرية الذي سمح بتحركها ونشر أفكارها.. ويعبر محدثنا عن هذه التطورات بتحول الجهاد العالمي القطبي إلى جهاد متعدد الأقطاب نابع من المنطلقات ذاتها العقائدية والفكرية. ومرت بعد ذلك هذه الحركات الجهادية في تونس إلى مظاهر المواجهة المسلحة بينها وبين الأمن خلال سنة 2011 جسمتها أحداث بئر على بن خليفة والروحية واكتشاف مخابئ الأسلحة في أكثر من مكان. وكانت لهذه الأحداث مؤشرات أخرى قوية على دخول تونس في مرحلة مواجهة حقيقة مع الإرهاب والجماعات الجهادية بلغت مداها في أحداث الشعانبي التى أكدت استعداد هذه الجماعات لاستهداف الدولة ومؤسساتها. ويظل التساؤل المطروح هل كانت الجهات المعنية بالأمن القومى في تونس مزودة بالمعطيات والمعلومات والتقارير والدراسات الإستشرافية الضرورية لاستباق هذه المخاطر وتقدير حجم التحرك المطلوب؟؟