بقلم: كريم السليتي لقي تصرّف عدد من الحاضرين في ملتقى الحوارالوطني الاستهجان من أغلب التونسيّين، بسبب عدم احترامهم لأدنى قواعد اللباقة، حيث غادروا القاعة بصفة جماعية أثناء إلقاء الرئيس المنصف المرزوقي لكلمة عبرفيها عن استغرابه واستيائه من منع المواطنات التونسيّات المنقبات من اجتيازالامتحانات بالمعاهد الثانويّة والجامعات. ويدل هذا التصرّف المشين على مدى انغلاق هذه الفئة الشاذة من التونسيّين وتقوقعهم على أنفسهم ورفضهم لمبادئ حرّية الاختلاف، وحرّية المعتقد والحقّ في ارتداء اللباس الذي يراه المواطن مناسبا. كما يعكس هذا التصرّف وجود ترسّبات تخلف وعصبيّة بدائية وحقد على الآخرحتى لو كان من بني وطنه. المناسبة كانت ملتقى حواروطني (على الرغم من إقصاء السلفيين والأقليات العرقية كالعادة) بما يعني أنها كانت فرصة للاستماع للآخر وللقبول بتقديم بعض التنازلات حتى لا تغرق سفينة تونس في وحل الفقروالدكتاتورية والجهل. لكن يبدوأن الحاضرين وخاصة من تلك الفئة من رواد نادي المنكر، جاءت فقط لتفرض شروطها وعصبيّتها الجاهلية وليس للوصول إلى توافق. لكن أنا أتساءل ماذا كانت ستكون ردّة فعل هؤلاء لو أن الرئيس التونسي (عوض أن ينصف المنقبات) دافع عن عاريات الصدر وضرورة السماح لهن بالتنظيم والتظاهر وتوفير التمويل العمومي لأنشطتهن النضالية التي لا تسيل الدموع بل أشياء أخرى؟ أتصوروبكل أكيد أن روّد نادي المنكرمن الحضور كانوا ليقطعوا كلمته بالتصفيق والهتاف بحياته، وكانوا سيقفون إجلالاوتقديرا لمدى حرص الرئيس على إنصاف جميع فئات المواطنين بمن فيهم الشاذون والشاذات. وأقول حتى ولو لم يصفّقوا ما كانوا ليغادروا القاعة بتلك الكيفية الصبيانية (التي تذكرنا بسنوات المراهقة ومقاطعة بعض الأساتذة في المعاهد). إن تونس اليوم ولا شك في مفترق طرق، قلة متضررة جداّ من هروب بن علي واندحارمنظومة فساده التي كانوا يتمعشون منها سواء بالصفقات العمومية أوبتوظيف أبنائهم ومعارفهم أو بالحصول على الرخص والامتيازات. اليوم المسألة ليست مسألة حرّيات ومنقبات وشريعة اسلامية، المسألة هي فساد مركّب متأصل في اللاوعي وتربّى عليه جيل كامل من أشباه المتعلمين. هؤلاء كالقُراد -أكرمكم الله- لا يعشون إلا على دماء التونسيّين ودماء هذا الوطن. بالله عليكم هل رأيتهم يدعون إلى خيرقط؟ هل نظموا قوافل لإعانة الفقراء والمحتاجين؟ هل موّلوا مشروعا علميا أو ثقافيا؟ هل بنوا شيئا يستحق الذكر؟ بل من مصيبتهم أنهم ينتقدون من يبني ومن يساعد التونسيين ومن يدعوهم للخير؛ بل تجدهم لا يدافعون إلا عن الشذوذ الجنسي ومخالفة أبسط أحكام دين هذا الشعب. لقد قالوا كلمتهم، إما أن نحكم وإما أن تحكموا لكن لا تحاسبونا على الفساد ومخالفة القوانين تماما كما كنا من قبل، وإلا فإنها الفوضى. لكن تونس أرض ولدت رجالا ونساء، ومازالت تلد الرجال والنساء المخلصين لوطنهم الذين لا يقبلون أن يأكلوا اللقمة الحرام ولن يتركوها لهم سائغة. ولن يقبلوا بأن ينشروا فواحشهم ومنكراتهم وشذوذهم وفسادهم، لأن هذا الشعب: شعب متأصل في حضارته، شامخ بهويته، مقتنع بما رزقه الله من أمن وحياة كريمة، متسامح بطبعه، غيورعلى ماضيه ومتفائل بمستقبله. تونس ستبقى لكل التونسيّين والاستئصاليون المرضى سيكون مآلهم المصحّات النفسية، لأن تونس أرض التسامح وأرض التآخي، وأرض الجميع . هكذا كانت وهكذا ستكون ومن يشذّ عن ذلك فلن يستطيع تحمّل البقاء فيها.