نظم المجلس الوطني التأسيسي مساء أمس بقصر باردو جلسة حوار مع إلياس الفخفاخ وزير المالية حول اتفاقية القرض مع صندوق النقد الدولي، وندّد النواب بتفاقم الديون الخارجية التونسية وحذروا من تدخلات الصندوق في شؤون البلاد. وفي هذا الإطار نبّه النائب رمضان الدغماني إلى أن صندوق النقد الدولي يقرض الدول المحتاجة إليه قصد تدعيم اقتصادياتها وتمويل مشاريعها لكنه يتدخل في شؤونها الداخلية واضعا نصب عينيه كيفية استخلاص الديون وغير عابئ بما ستؤول إليه الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية للدول المقترضة.. وأكد أنه كان من الواجب على تونس اتخاذ كل الاحتياطات حتى لا يوقع هذا الصندوق بها في كارثة، وبيّن أنه كان من الأفضل مصارحة الشعب بحقيقة الوضع الاقتصادي وتوخّي الحذر. وبيّن النائب محمود الماي أن صندوق الدعم موجه في جانب كبير منه الى المحروقات، وندد النائب بالترفيع الأخير في سعر المحروقات وانتقد غياب الشفافية في بيع الاملاك المصادرة. وذكر النائب المولدي الرياحي أنه من المهم الحفاظ على التوازنات العامة للميزانية من خلال عدم إثقال كاهل المواطن بالحفاظ على مقدرته الشرائية والعمل على تحقيق العدالة الجبائية والحفاظ على مستوى تداين مقبول والتخفيض في عجز الميزانية. وفسّر أن المرحلة التي تمرّ بها تونس حاليا تحتم اللجوء إلى القروض بسبب محدودية الحلول البديلة. واقترح النائب سليمان هلال أن يتمّ تحويل الديون الخارجية الى استثمارات، وإلى صيانة البيئة، وإلى حماية الآثار المهملة. وأكد النائب على أن الحوكمة الرشيدة مهمّة جدا للحدّ من الفساد وقال: "إلى متى سيتواصل الفساد والرشوة والتهرب الجبائي؟". وتحدثت النائبة سامية عبو عن غموض سياسة الاقتراض التي تنتهجها تونس، لكن رئيسة الجلسة محرزية العبيدي النائبة الاولى لرئيس المجلس الوطني التأسيسي قاطعتها حينما ذكرت أن والي نابل يعتبر الاقتراض حراما ورباء. كما أكدت عبو على أهمية التصرف في الأموال المصادرة، والقيام بتدقيق في البنوك. وفي نفس السياق أوضحت النائبة نورة حسن أنها نائبة من الترويكا الحاكمة (المؤتمر) لكنها ليست على علم بمسألة القرض وقالت إن الاتفاق لا يلزمها. وأضافت انها لم تفهم كيف قبل صندوق النقد الدولي إقراض حكومة مؤقتة؟ واستفسر النائب محمد علي نصري عن عملية التدقيق في البنوك، وعبّر عن خشيته من المساس بالسيادة النقدية عبر الكشف عن أسرار البنوك الوطنية. وذكر أن المواطن البسيط هو المتضرر من عملية التقليص من الدعم. وذكر النائب حسن الرضواني أن هناك شروطا لا بدّ من توفرها للحدّ من التداين تتمثل أساسا في الهدنة الاجتماعية بالحدّ من الإضرابات إضافة إلى النأي بالشأن الاقتصادي عن التجاذبات السياسية. وقال النائب صالح شعيب إن القروض ستتفاقم في السنوات القادمة، فالتونسي الذي لم يولد بعد، مطالب بتسديد الديون مستقبلا، وذكّر أن احتلال تونس سابقا تم بسبب تفاقم ديونها. وبيّن النائب محمود البارودي أن تونس للأسف تقترض لتسديد ديونها وهو أمر خطير.. وذكر ان إصلاح الاقتصاد يتطلب نظرة استشرافية شاملة وليس الاعتماد على الديون فقط.. وانتقد النائب هشام حسني مساعي حركة النهضة للمصادقة على القرض، وبين أنهم -سابقا قبل صعودهم إلى سدة الحكم- كانوا يسمونه بصندوق النهب الدولي وطالب بتقرير تفصيلي للقروض التي حصلت عليها تونس. وبيّن النائب ابراهيم القصاص ان الحكومة لم تنجز شيئا يذكر باستثناء ذرّ حصيات على المسالك الريفية بل هي خربت البلاد، وذكر انه كان من الافضل لها التوجه للتفاوض مع اهالي قفصة لحل مشكلة الفسفاط بدلا من التوجه للصندوق للاقتراض منه. وتساءل النائب كريم كريفة: بكم تشتري تونس غازها الطبيعي من شركة بريتش غاز؟ وهل هذا له علاقة مع القرض الذي سيسند لتونس من صندوق النقد الدولي؟ وكم سيصبح ثمن الخبزة وميزانها؟ وفي كلمته ذكر إلياس الفخفاخ وزير المالية أن تونس لها الحق في اللجوء إلى صندوق النقد الدولي، وقد رأت في أواخر سنة 2012 الاستنجاد به بعد استنفاد أغلب مصادر التمويل التقليدية، وأمام هشاشة نظم التمويل المعتمدة وطول إجراءات إصدار الصكوك الاسلامية، ورغبة في إعطاء إشارة طمأنة للمستثمرين والممولين الأجانب. وذكر أن قيمة القرض تبلغ نحو 2 فاصل 7 مليار دينار ومدة التسديد هي خمس سنوات مع ثلاث سنوات إمهال ونسبة فائدة قدرها واحد فاصل صفر 7 بالمائة. إصلاح ويعتمد برنامج الاصلاح على حدّ تأكيد الياس الفخفاخ على عدة نقاط وهي اصلاح القطاع المصرفي والبنكي وضمان الاستقرار الاقتصادي وتوجيه الميزانية نحو النمو والاستثمار، وتوجيه الدعم للمستحقين له، وتنمية الاستثمار والحد من التفاوت الجهوي بإعادة النظر في مجلة الاستثمار والمجلة الجبائية والوقوف على نقائصهما وتطويرهما وإرساء الحوكمة الرشيدة ودعم الشفافية. ولدى حديثه عن اصلاح الدعم بيّن الياس الفخفاخ أنه يقوم على التعديلات التي تمت المصادقة عليها في قانون المالية وعلى برنامج إصلاحي عميق يقوم على التدقيق والدراسة خاصة الدعم الموجه للمحروقات والطاقة. وأضاف وزير المالية أن حجم الدين العمومي شهد ارتفاعا ملحوظا منذ سنة 2011 نظرا لارتفاع العجز المسجل في الميزانية والذي يتوقع أن يكون بنسبة 5 فاصل 9 بالمائة نهاية السنة الجارية.. ولا يسدد الفرق بين موارد الميزانية ونفقاتها على حد توضيحه إلا بالتداين، وسيقع بداية من 2014 وحسب البرنامج التحكم أكثر في العجز وبالتالي التحكم في المديونية العمومية. وأكد الفخفاخ انه رغم الصعوبات التي مرت بها تونس فإنها حريصة على تسديد ديونها في الآجال، وقد سدّدت 650 مليون دولار يوم 25 أفريل 2012 و660 مليون دينار في 20 فيفري الماضي. محدودية الموارد وفي كلمته ذكر الشاذلي العياري محافظ البنك المركزي التونسي أن تونس تتداين من الخارج وبالعملة الصعبة نظرا لمحدودية الموارد الداخلية، وأوضح ان المديونية تعدّ منذ الاستقلال عنصرا من عناصر التنمية التونسية. وعن سؤال يتعلق بسبب عدم الاستدانة بالدينار بدلا من الدولار، بيّن ان عجز الميزان التجاري لا يعوض بالدينار بل بالعملة الصعبة وكذلك الاستيراد.. وطمأن محافظ البنك المركزي النواب بالإشارة الى ان التداين لا يعتبر مشكلا لأن امريكا واليابان تتداينان من الخارج. ويمكن ان تصل نسبة المديونية المسموح بها إلى تسعين بالمائة لكن الإشكال الحقيقي يكمن في التداين بالعملة الصعبة وتوجيه الاستدانة للاستهلاك وليس للتنمية. وقال: "اقترضنا وسنقترض، مكره أخاك لا بطل.. كان لا بدّ ان نقترض لتمويل ميزانية سنة 2013". وحضر هذا اللقاء الذي تواصل إلى وقت متأخر من مساء أمس عدد من أعضاء الحكومة المؤقتة وينتظر تنظيم لقاء آخر صبيحة غد الخميس للتطرق إلى مسائل أخرى تتصل بقانون المالية لسنة 2013 والتهرب الجبائي والتصرف في الأموال المصادرة والشفافية.