- استدعت حادثة اغتيال شكري بلعيد في تونس ردود فعل دولية منددة، إلا أن أبرزها كان ذلك التصريح الذي "صدح" به وزير الداخلية الفرنسي مانيوال فالس الذي قال إن بلاده تدعم الديمقراطيين في تونس وحذر من "فاشية إسلامية" متصاعدة في البلاد.. تصريحات وصفت بالتدخل في الشأن التونسي واستوجبت ردود فعل تونسية اعتبرها المراقبون كافية في ظل الأحداث التي تمرّ بها البلاد.. رئيس الحكومة المؤقت حمادي البجالي عبّر عن استيائه من تصريحات الوزير وقد استدعى الجبالي الوزير الفرنسي للاحتجاج على تصريحات فالس التي اعتبرها تدخلا في الشأن الداخلي للبلاد.. بعد ذلك توالت تصريحات الفرنسي المنددة بالاغتيال إلا أن كل هذا التوتر الديبلوماسي دفع بالكثير من المراقبين إلى الحديث عن أن سماء العلاقات الفرنسية تتلبد بالغيوم من جديد بعد أزمة تصريحات وزيرة الداخلية ميشال أليو ماري قبل الثورة والتي اعتبرت تدخلا في الشأن التونسي بل ومحاولة لمساندة أساليب النظام السابق القمعية.. فرنسا التي احتلت تونس ل75 عاما مازالت تحاول أن تبقي علاقات خاصة بنا.. بعض الخبراء يرى فيها علاقات متقدمة ومتميزة تنطلق من تشارك القيم.. في حين يذهب البعض الآخر إلى حدّ الحديث عن محاولات فرنسية عديدة للإبقاء على استعمار مقنّع..
عبد الله العبيدي ل"الصباح الأسبوعي" فرنسا تحاول الحفاظ على علاقات "شبه استعمارية" معنا باريس تحتاجنا أكثر مما نحتاجها أثار تصريح وزير الداخلية الفرنسي مانيوال فالس ردود أفعال عديدة في الداخل والخارج، إلا أن المحلل السياسي ومدير الإعلام بوزارة الخارجية سابقا عبد الله العبيدي يؤكد ل"الصباح الأسبوعي" ضرورة وضع هذا التصريح في إطاره الأوسع، فليس من التقاليد السياسية أن يصرح وزير الداخلية في أمر يتعلق بدولة أخرى، إلا أن الأهم هو أن نفهم خلفية الوزير الفرنسي الذي يصفه العبيدي بأنه على شاكلة برنارد هنري-ليفي نظرا إلى مواقفه الخاصة بالعالم العربي والإسلامي ففالس معروف بمواقفه المعادية للعالم العربي. وقد يتجاوز الأمر كذلك شخص الوزير لأنه يتعلق بتيار فرنسي بأكمله، فقد ارتبط تولي الحزب الاشتراكي الفرنسي الحكم بعدد من الأحداث الأليمة التي مرّ بها العالم العربي على غرار العدوان الثلاثي على مصر كما شهدت الجزائر أصعب فترات الاستعمار في الفترات التي حكم فيها اليسار فرنسا ولم تنفرج الأمور ويصبح هناك أمل في تحرير الجزائر إلا عند صعود اليمين وتولي شارل ديغول رئاسة البلاد، كما يوضح العبيدي. وعموما منذ الحرب العالمية الأولى كان اليسار الفرنسي من دعاة الحرب وهو صاحب نظرة دونية للعالم العربي، على حدّ تعبير الدبلوماسي السابق. فرنسا.. الحلقة الأضعف في أوروبا في ردّه على سؤالنا المتعلق بالخلفية التي تتعامل من خلالها فرنسا مع تونس ومع بقية البلدان التي استعمرتها سابقا يقول العبيدي إن فرنسا تعدّ اليوم من الحلقات الضعيفة في التكتل الأوروبي وهي تبحث عن حلول تنقذ اقتصادها الذي يعاني مشاكل كبرى، ففرنسا تتحصل على إعانات من أوروبا في إطار السياسة الفلاحية المشتركة "PAC" ومستقبلها مرتهن بأمرين: 1- إعانات من ألمانيا، الدولة التي يتطلع الفرنسيون إلى بلوغ مستواها في جميع المجالات. 2- إبقاء علاقات شبه استعمارية مع البلدان التي استعمرتها فرنسا في الماضي. فالوضع الاقتصادي في فرنسا صعب للغاية إذ بلغت نسبة البطالة نحو 11 بالمائة وهي اليوم تعيش من الإعانات التي تقدمها ألمانيا بالخصوص بالرغم من أن هذا الدعم الذي تقدمه برلين كان من المفترض أن يحذف في 2006. تشجيع من الداخل ويرى العبيدي أن وزير الداخلية الفرنسية لم يكن ليتجرأ على التصريح بهذه العبارات إذا لم يكن يحظى بتشجيع بعض الأطراف في تونس ممن يجدون راحتهم في فرنسا أكثر مما يجدونها في القصرين وسيدي بوزيد، على حدّ تعبير العبيدي. هذه الأطراف التي تنادي في بعض الأحيان علنا بتدخل فرنسي في تونس. وهذه "المجموعات الموالية" تغلّب مصلحة فرنسا على مصلحة بلادنا والهوية الفرنسية على الهوية الثقافية والدينية لتونس، كما يقول محدثنا. علاقاتنا الاقتصادية.. قصّة أخرى وفي ما يتعلق بالتصور القائل بأن توترا ديبلوماسيا مع فرنسا يعني تأثر الاقتصاد التونسي، يؤكد المحلل السياسي التونسي ضرورة أن نفرق بين العلاقات الدبلوماسية بين الدول من جهة والعلاقات الاقتصادية التي تتعلق في جانب كبير منها بالقطاع الخاص.. فلا وصاية للسياسة اليوم على الاقتصاد في حين أن العكس صحيح بسبب المصالح الاقتصادية والمالية، إلا أن هذا لا ينفي ضرورة أن تنفتح تونس على بلدان أخرى خاصة منها ألمانيا على اعتبار أن الفائض التجاري لهذا البلد وصل إلى 188 مليار أورو. عمق الغرب الإستراتيجي وعلى مستوى العلاقات التي تجمعنا بالغرب يؤكد العبيدي أن منطقتنا تمثل عمق الغرب الاستراتيجي وأنه كان من الأجدر أن ينظر الغرب لهذه المنطقة على أنها شريك حقيقي وأن يربط معها علاقات ندية خاصة وأننا نتشارك في عدد كبير من القيم وفي تاريخنا.. فقد احتلت هذه الشعوب بعضها البعض وربما لا يدرك الكثيرون أن العرب احتلوا الغرب أكثر مما احتلهم، كما يوضح محدثنا.
المنصف وناس ل"الصباح الأسبوعي" الدولة الاستعمارية لا تتخلص من منطق الوصاية بسرعة أكّد الأستاذ الجامعي والباحث المتخصص في علم الاجتماع المنصف ونّاس ل"الصباح الأسبوعي" أن فرنسا حريصة جدا على علاقاتها مع المستعمرات السابقة وهذا واضح من خلال تصريح وزير الداخلية الفرنسي الذي يدل على أن هنالك تعاملا فرنسيا من منطلق وصاية على تونس بشكل أو بآخر. ويرى ونّاس أنه من الضروري أن تتعامل تونس مع هذا الأمر حتى تتغير هذه العلاقات القائمة على منطق استعماري. ففرنسا كما يوضح الباحث التونسي مازالت تتعامل من زاوية التاريخ المشترك إذا كان هذا التاريخ إيجابيا أم سلبيا، لذلك من وجهة نظر فرنسية، يرجع لها النظر وبإمكانها التقييم والتدخل في شؤون تونس وليس تونس فقط بل في كل الدول التي استعمرتها سابقا. ويشير ونّاس إلى أهمية تنويع العلاقات الخارجية التونسية. ويتابع ونّاس أنه بغض النظر عن الهوية الإيديولوجية للحكومات سواء كانت من اليمين أو اليسار يبقى الموقف الفرنسي من تونس قائما على مجموعة من المصالح التي يحاول هذا البلد الدفاع عنها. وفي الوضع الحالي الذي تمرّ به البلاد، يرى ونّاس أنه لم يكن من الممكن أن تعمد تونس إلى اتخاذ قرارات متشنجة مثل قطع العلاقات أو شيء من هذا القبيل خاصة وأن لفرنسا علاقة وثيقة ببعض التيارات في تونس. ومن الضروري الإشارة إلى أن الأمر يتعلق بالشخصية الحضارية للدولة التي تنطلق من موروثها التاريخي إذ يشير الدكتور في علم الاجتماع إلى أن جل الدول التي قامت على الاستعمار والتوسّع على حساب البلدان الأخرى لا تتخلص بسهولة من هذا الموروث، وتتعامل مع مستعمراتها السابقة بمنطق الوصاية سواء الضمنية أو المباشرة، على غرار إيطاليا وعلاقاتها بليبيا وأثيوبيا وانقلترا وعلاقاتها بمصر والسودان، هذه الدول تبحث عن سبل لتبقي استعمارها متواصلا بأشكال مختلفة منها الاقتصادي، والثقافي أو حتى السياسي.