- كل شيء مستورد، المصطلحات والمعاني وأنظمة الحكم وحتى طبيعة الأزمات وأساليب التعامل معها في إيجاد الحلول. تلكأ الجميع وفشلت كل المحاولات في إيجاد أرضية مشتركة بين الأحزاب والفاعلين في الساحة السياسية لعبورمنطقة الخطرالتي تمر بها البلاد، دامت الأزمة وَجَرَّت الجميع لحافة الجرف...ومات "الشهيد" أصرّ السيد حمادي الجبالي على تشكيل "حكومة كفاءات وطنية" واشترط أن لا تنتمي هذه الكفاءات لأي حزب من الأحزاب وفي مهمة محدودة، فمن هم هؤلاء "التكنوقراط" ؟ ومن أين سيأتي بهم؟ وأي مَاهِيَّةٍ وَمَحْدُودِيَّةٍ لهذه المُهِمَّة؟ النُّخَبُ العِلْمِيَّةُ المشبعة بثقافة التَخَصُّصِ في الهندسة والاتصالات والاقتصاد وفلسفة السياسة والبحوث في المجالات المختلفة من العلوم، وغير المنتمية لأحزاب سياسية هي التي أسّست لبناء أنظمة حكم متطورة وناجعة في المجتمعات التي نعدها اليوم من العالم الأول. المُشْتَغِلِونَ بهذه العلوم هُمُ الذين تسهل عليهم المعرفة بالظَّواهرالمُعقَّدة ويستخلصون النُّظُمَ والقوانين وآلِيّات التَّحَكُمِ فيها حيث يمارسون المهام المَنُوطَةِ بهم من خلال مهاراتهم ومكتسبات معرفتهم بالمجال في مَوَاضِعَ لا يمكن أن يفهمها رجال السياسة أولا تخضع لفهمهم!! وتكليفهم أي التكنوقراط أوالعِلْمِيِّون- بوظائف تتعلق باختصاصاتهم بالوزارات والإدارات العامة والوظائف العليا للدولة، يتفق مع المنطق العلمي لأنهم الأقدرعلى تولي هذه المسؤوليات...في العالم الأول هؤلاء يُصْبِحُونَ الأنْفَعَ في الحكم عندما تنشب خلافات سياسية حادة وصراعات بين المكونات الحزبية، وانسداد المشهد السياسي الذي يهدد السلم الاجتماعي والأمن القومي. أما عندنا، إذا سلمنا جدلا بوجود هذه النخبة وبمؤهلاتها العلمية، فما هي آليات اختيارها ؟ وما الضّامن لحيادهم وعدم ارتباطهم وتبعيتهم للجهات التي ترشحهم وتقف خلفهم من أصحاب المشاريع الفكرية والحزبية وحتى الاقتصادية ؟ فاختيارهم يشكل تحديا كبيرا، ومتابعتهم وضبطهم مهمة شاقَّة، والقدرة على التعامل معهم في القضايا ذات الطابع السياسي المتقلب على الدوام، على غاية من التعقيد، مما يجعل مهمتهم صعبة والرهان عليهم مغامرة في وقت لم تعد فيها البلاد تحتمل مزيد المغامرات. فاختيارهم من قبل الأحزاب السياسية مشكلة لأن تبعيتهم ستبقى لهذه الأحزاب، وانتقاؤهم من قبل السيد حمادي ألجبالي لوحده مشكلة أيضا لأن الأحزاب متوجِّسة ولم يعد عنصرالثقة قائم. فالحل الأفضل في اعتقادي هوالمزج بين الشريحتين والتأليف بين وظائف سياسية لبض السياسيين الحائزين على قدرمن التوافق والإجماع، ووظائف وزارية فَنِّيَةٍ لبض الفَنِّيينَ أو"التكنوقراط" الحائزين على قدرمن المهنية والاستقلالية، تُعَزَّزُ بِعَدِيدِ المواصفات كَأَحَادِيَّةِ الجِنْسِيَّةِ وعدم التورط في الاستبداد. فرئيس الحكومة مثلا ووزيرالخارجية وظيفتان سياسيتان بامتيازلا يحق ولا يصلح إسنادهما لِفَنَّيينَ قد تكون نَجَاعَتُهُمْ أكثرفي وزارات أخرى كالاقتصاد والنقل والاتصالات والفلاحة وأملاك الدولة والمالية وغيرها. كاتب