الأجواء الشعبية المنعشة والحماسية التي طبعت الاحتفالات أمس الأول بالذكرى الثانية للثورة عكست بوضوح تعلق التونسيين بثورتهم وإصرارهم على حمايتها من أي توظيف سياسي أو إيدريولوجي. صحيح،،، كانت هناك أعلام وشعارات وخطابات حزبية مرفوعة على طول الشارع الرئيسي بالعاصمة وبعض تفرّعاته ولكنها لم تكن لتمثل شيئا في حدّ ذاتها لو أن آلاف العائلات التونسية التي حضرت يومها نقول العائلات لأن الحضور كان عائليا بامتياز أنسجت مثلا وتركت المكان للمجموعات المؤدلجة والمتحزّبة... كان المشهد سيتحوّل حينئذ من ملحمي بطولي إلى كوميدي عبثيّ !!! نقول هذا لا فقط لأن تصرفات بعض المجموعات العقائدية كادت تفسد في بعض الأوقات على التونسيين احتفالهم بالذكرى الثانية للثورة ولكن أيضا لأن الكفّة كانت راجحة يومها وبالكامل لصالح الجماهير وليس لرموز القيادات الحزبية ولحضورهم «الكرنفالي» المتصنّع... فالحضور الشعبي العفوي هو الذي «صنع» الاحتفال أمس الأول وليس مظاهر البؤس الإيديولوجي التي كانت مرسومة على وجوه القيادات الحزبية وهي تتصنّع الاحتفال بالثورة والحماس لها والغيرة عليها !!! والواقع أن ممثلي ورموز الأحزاب السياسية الذين حاولوا أمس الأول الركوب إيديولوجيا على احتفال الشعب التونسي بالذكرى الثانية للثورة سيكونون بالتأكيد واهمين إذا ما هم اعتقدوا ولو للحظة أنهم قد نجحوا في «مهمّتهم» لا فقط اعتبارا لواقع اللامبالاة التي قوبل بها شعبيا حضورهم وإنما إعتبارا أيضا لطبيعة المنطلقات والركائز التي تأسست عليها ثورة 17 ديسمبر 14 جانفي التاريخية باعتبارها ثورة شعب وليست ثورة أحزاب أو مجموعات إيديولوجية تجدّف ذات اليمين أو ذات الشمال. أيضا،،، نفس هذه القيادات الحزبية ستكون بالمقابل قد استفادت سياسيا أيما استفادة من حضورها ولا نقول مشاركتها الاحتفالات الشعبية بالذكرى الثانية للثورة لو أنها تتوفق خاصة في التقاط «الرسالة» الأهم التي بعثت بها إليهم الجماهير أمس الأول ومضمونها أن «الطرف» السياسي الذي سيكون اقرب إليها الجماهير هو ذاك الذي سيكون خطابه منصّبا على لمّ شمل جميع التونسيين من أجل تحقيق أهداف الثورة وضمان حق المواطن في الشغل والحرية والكرامة... وليس ذاك السياسي السليط المتفوّق في «لعن» الظلام وعاجز عن إيقاد ولو شمعة واحدة !