ماذا في لقاء وزير الخارجية بنظيرته الفنلندية؟    سيدي بوزيد: حجز 1000 لتر من الحليب لاحتوائه على رواسب مضادات حيوية    في اليوم العالمي لمكافحة داء الكلب...القنص أم التلقيح للتّوقّي من الكلاب السائبة؟    فيما يبقى موقوفا على ذمة قضية أخرى : الإفراج عن رضا شرف الدين بضمان مالي    مثلت تطوّرا كبيرا في عمليات الإسناد...«أنصار الله» تقصف 3 مدمرات أمريكية بصواريخ بالستية    تسلّم معدات جديدة    حمزة المثلوثي وسيف الدين الجزيري يتوجان مع الزمالك المصري بكاس السوبر الافريقي    بريطانيا تدعو مواطنيها إلى مغادرة لبنان فورا    مع الشروق .. المخطّط الصهيوني أخطر من اجتثاث المقاومة من غزّة ولبنان!    وزير الخارجية يتحادث في نيويورك مع وكيل الأمين العام للأمم المتحدة المُكلّف بعمليّات السّلام الأمميّة    النسيج القفصي :معرض جماعي للنسيج الفني "السدوة والنيّرة" من 3 الى 17 اكتوبر 2024 بالمرسى    رئاسة الحكومة تقر جملة من الاجراءات وتدعو الجمعيات الى التقيد بها    المكنين: الاحتفاظ بنفر من أجل محاولة القتل العمد    زغوان: انطلاق الدورة 34 للمهرجان الجهوي لنوادي المسرح بدور الثقافة ودور الشباب والمؤسسات الجامعية    القبض على 15 عنصرا تكفيريا محل مناشير تفتيش في مختلف ولايات الجمهورية    ليل الجمعة.. سحب بأغلب الجهات تكون محليا كثيفة بالمناطق الغربية    مكتب الرابطة يسلط عقوبات مالية على 3 فرق    نتنياهو امام الامم المتحدة: "لا مكان في إيران لن تطوله أيدينا.. ولن تملكوا النووي"    عاجل/ غدا السبت: أمطار رعدية مصحوبة برياح قوية في هذه الجهات    الحمامات: الاحتفاظ ب 3 أشخاص من أجل تعاطي الرهان الرياضي    بعد قليل مباراة "السّوبر الإفريقي" بين الأهلي والزّمالك...    قابس : الاحتفال باليوم العالمي للسياحة    كيف أعرف لون عيون طفلي    عاجل : الحرس الوطني يعلن عن إحباط عمليات التهريب تقدر ب400 ألف دينار    عاجل : مونديال الأندية 2025 مهدد بالإلغاء    الرابطة الأولى: النادي الصفاقسي يستعيد خدمات أبرز ركائزه في مواجهة شبيبة العمران    النادي البنزرتي: تنقيحات بالجملة في القانون الأساسي    تصفيات الكان: تغيير ملعب مباراة تونس وجزر القمر    عالم السحرة يفقد أسطورة التمثيل ماغي سميث    مؤشر الابتكار العالمي 2024..من حصد المرتبة الأولى عربيا ؟    كاتب الدولة للخارجية يلتقي السفير الامريكي    لأول مرة بمستشفى مدنين.. استعمال حقنة "توكسين بوتوليك" لفائدة مريض بشلل نصفي    في أوّل مجلس وطني منذ نشأته: اتحاد الكتاب التونسيين يقرر استراتيجية عمل جديدة    تحفيزا للنمو: الصين تسعى لدعم السيولة النقدية    لجنة المالية تقرّر الاستماع إلى وزيرة المالية    الكاف: اتحاد الفلاحة يطالب المزوّدين بتوفير مستلزمات الموسم    مدنين: لقاء حول "درع جربة" ضمن مشروع "ماكلتي تونسية"    تكريم المسرحي السعودي ابراهيم العسيري في المهرجان الدولي للمسرح وفنون الخشبة بالمغرب    نائب بالبرلمان: "لا مانع من تعديل القانون الانتخابي حتى يوم الانتخابات نفسها"    مهرجان الإسكندرية المسرحي : تتويج مسرحية تونسية    معاناة إنسانية كارثية في قطاع غزة    قابس: تقدير صابة الزيتون لهذا الموسم ب70 ألف طن    الحماية المدنية 471 تدخل منها إطفاء 40 حريق    في السعودية: وزارة الصحة تقدّم تلقيح ''القريب'' في المنازل    الرابطة الأولى: برنامج وحكام الجولة الثالثة    عاجل : صاحب أغنية ''كأس العالم 2010 '' الشهيرة متهم بالاعتداء الجنسي    مجلس الوزراء يوافق على عدد من مشاريع المراسيم والقوانين والاوامر    قربة: العثور على شخصين سقطا في حفرة عميقة...أحدهما على قيد الحياة    تونس تعاني نقصا في أدوية السرطان    وزير خارجية لبنان يدعو لتطبيق المقترح الأمريكي الأوروبي لوقف إطلاق النار بشكل فوري    رغم الانتقادات اللاذعة.. تنفيذ ثاني إعدام بالنيتروجين في تاريخ الولايات المتحدة    هذا موعد انطلاق حملة التلقيح ضد 'القريب'    خطبة الجمعة...المسؤولية أمانة عظمى    اسألوني    مدينة مساكن .. أجيال أسسوا تاريخها وشيدوا حاضرها    في ديوان الإفتاء: إمرأة أوروبية تُعلن إسلامها    مدير عام وكالة الدواء: سحب كميات من المضاد الحيوي "Augmentin" اجراء احتياطي ومتبع في كل دول    الارض تشهد كسوفا حلقيا للشمس يوم الأربعاء 2 أكتوبر 2024    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"عاشوراء" أو العاشر من محرم تاريخ واحد لمدرستين
نشر في الصباح يوم 29 - 11 - 2012

بقلم: مصطفى البعزاوي - يجب التنبيه بشدة أن إثارة هذا الموضوع ليس اصطفافا لمذهب على حساب مذهب أو تأييدا للشيعة على السنة بل هو السعي وراء الحقيقة ودفع إعادة قراءة التاريخ الإسلامي بعيدا عن التضخيم والتقديس. لكن من ناحية أخرى إذا قيل إنك مع الحسين فالجواب هو نعم بدون تردد، بل أدعو الله أن يقبلني هو معه، فمن أكون حتى أنسب نفسي لسيد الشهداء؟
العاشرمن محرم عند البعض يوم صامه النبي صلى الله عليه وآله وأصحابه بحجّة أن اليهود تصومه وهوأولى به منهم لذلك يصومه الناس اقتداء بهذه السنة. وعند البعض الآخرهو"عاشوراء" يوم للحزن والعزاء بمصاب قتل الحسين بن على رضي الله عنهما وأرضاهم في واقعة كربلاء لما كان في طريقه إلى الكوفة. فما يمكن أن يمثله هذا اليوم إلينا نحن في هذا العصر؟
ما يستفزالعاقل و يدفعه للاهتمام بهذا التاريخ هو هذا التقابل بين المعنيين ليتساءل عن سر تعلق الشيعة بعاشوراء في مقابل اعتبار أهل "السنة والجماعة" هذا التاريخ يوما للصوم مجردا عن كل دلالة. يبلغ الاستفزاز مداه عندما نقف على التجاهل المتعمد "لأهل السنة و الجماعة" لجريمة مقتل الحسين وكأنها حدث عابر لا يستحق الوقوف عنده. وبالفعل، في البحث التاريخي وراء هذا التساؤل ينكشف مستورالخلاف بين الفريقين يصل بنا إلى ملامسة بعض مفاتيح فهم واقع العالم الإسلامي و كيف أثرت هذه الجريمة على ماضينا وحاضرنا وربما مستقبلنا.
في العاشرمن محرم من السنة الواحدة و الستين للهجرة انقض جيش يزيد بن معاوية، خليفة أبيه، بقيادة عبيد الله بن زياد والي الكوفة على موكب الحسين بن على رضي الله عنهما وفتك به و بأهله ومناصريه الذين لم يتجاوز عددهم السبعين في مأساة دموية أسست إلى تطبيع الجريمة السياسية في وعي المسلمين وكسرت كل الخطوط الحمر في التجرؤ على المقدسات.
قطع رأس الحسين وعلق على رمح، وكان أول رأس يقطع في الإسلام، وسيقت نساؤه وأخواته حفيدات رسول الله رأسا- سبايا من الكوفة إلى دمشق مشيا على الأقدام في رحلة عذاب وإذلال وتحقير ليست أقل من حرب معلنة على مقام قرابتهم من خاتم الأنبياء والمرسلين.
فكيف يجد الذين يزايدون بسنة الرسول في أنفسهم مودة لمن قطع رأس ورحم رسول الله؟ كيف لا ولم يكن على وجه الأرض بشرمن نسل الرسول غيره؟ فهل هناك "سنة" أحق وأعظم من "سنة" الحفاظ على نسل الرسول نفسه وهوالذي تكلم القرآن عنه بالقول" قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى"؟ فكيف تطمس جريمة قتل الحسين من ثقافة التداول الدعوي التي تفاخربها مدارس السنة والجماعة ؟
في السنة 61 للهجرة لم تتشكل المذاهب الفقهية بعد ولم ينقسم الناس شيعة و سنة كما هم الآن فكيف سكت و يسكت المسلمون عن جريمة بهذا الحجم؟ كيف نسي المسلمون بهذه السرعة مقام قرابة ورحم النبي؟
مظلمة الحسين كشفت غواية الإنسان الأزلية بالسلطة والحكم؛ فالولاء للسلطة والمناصب والمنافع هو في الكثير من الأحيان اقوي من الولاء للرسول، والنظام السياسي الجديد بعدما تمكن منه أعداؤه رجع إلى عصبيته القبلية والعائلية في أبشع مظاهرها، أضيف إليها التجرؤ على المقدسات والتعدي عليها.
بعد مقتل الحسين لم تعد هناك قدسية أومقام يحمي أحدا في مواجهة السلطان. وبالفعل، بعد جريمة كربلاء، استباح جيش يزيد مدينة الرسول عاما كاملا لإخماد الثورة و فرض الطاعة بالقوة وهتك الأعراض في موقعة "الحرة" سنة 63 هجري ليصل إلى رمي الكعبة الشريفة نفسها بالمجانيق حيث كان يحتمي بها عبد الله بن الزبير(راجعوا كل كتب التاريخ دون استثناء). بهذا الفرزالقبلي وسطوة القوة والدم تحول الحسين بن علي إلى مجرد معارض يهدد النظام و خطر على السلطة، وأصبح مصدر الفتنة بين المسلمين لذلك استحق ما لحق به من مصير. وهذا هو خلاصة الموقف المسكوت عنه من الحسين عند مدارس "السنة والجماعة" من مفهوم الحكم، لأنها تفرض الطاعة لولي الأمر- و إن كان فاسقا فاجرا ظالما - و تجرم كل من يخرج عنه وعلى هذا سارت الأمة إلى اليوم، لذلك لا نجد في التاريخ الإسلامي استثناء كان فيه للشعب رأي في تعيين الحاكم أوعزله واستقرالرأي على أن الطغيان الذي يحقق الاستقرار أفضل من الثورة و التمرد والفتنة حتى وإن كانت حق.
منذ ذلك التاريخ أصبح الناس يخشون ملوكهم ورؤسائهم ويخافون منهم، وليس لعامة الناس والشعب في مواجهة الحاكم الظالم غيرالدعاء والصلاة على لله عسى أن يغير من حاله و يهديه سواء السبيل.
قتل الحسين بن علي ومثل بجسده على مرأى ومسمع كل الناس، الذين لم يحركوا ساكنا، ما أسس لمفهوم الاستبداد في النظام السياسي الإسلامي؛ وعلى هذا الأساس استقر مفهوم "الدولة الإسلامية" وحافظ على هذا النمط من الحكم إلى اليوم. وربما نفهم الآن سرتفرد المسلمين بقبولهم الأسطوري للذل المدني والسياسي وما ينجر عنه من فقر وجهل وتخلف من بين كل شعوب الأرض.
منذ هذه اللحظة خسرالمسلمون أفضل ما كان لديهم للناس وهو الحق و العدل و محاربة الظلم. أصبحت هذه القيم مجرد مفاهيم تلوكها الألسن وتملأ خطب الوعّاظ و رجال الدين الذين انخرطوا في جهاز الدولة أسوة بأسلافهم وقبلوا بالاستبداد السياسي الذي دخل جيناتهم و ميز كل تاريخهم السياسي. والمفارقة أن التاريخ الإسلامي كان كله كربلاء دون أن ينتبهوا وكأنهم يدفعون ضريبة التخاذل والصمت.
كربلاء كانت حاضرة في سقوط الدولة الأموية حيث واجه الأمويون مصيرهم وحدهم بالقتل والإبادة؛ وكانت حاضرة في سقوط الدولة العباسية حين سقطت في يد المغول وأحرقوها عن بكرة أبيها رغم أن الدولة العباسية هي اكبر امتداد جغرافي و بشري اتسعت فيه الدولة الإسلامية وكربلاء كانت حاضرة عند سقوط الأندلس وتعرض ملايين المسلمين للتطهيرالعرقي والديني دون أن يحرك إخوانهم في بقية الأرض ساكنا باستثناء المغاربة، وحتى هذا الاستثناء لم يوقف عجلة التاريخ. وكربلاء كانت حاضرة في الغزو الاستعماري لأن كل شعب كان يتفرج على مصيبة غيره ويعتقد انه غير معني. وكربلاء حاضرة في حصارالعراق الذي انتهى بتدميره، و حاضرة في الجزائرالتي دفعت مئات الآلاف من القتلى ومثلهم ضحايا أحياء. وكربلاء حاضرة في ليبيا عند حصارها والمسلمون يتفرجون، وكربلاء حاضرة اليوم في سوريا حيث يموت المسلمون كل يوم وإخوانهم يتابعون أخبارهم في وسائل الإعلام.
كربلاء حاضرة عند كل ظلم يلحق بالمسلمين أينما كانوا و إخوانهم يتفرجون وكأن الأمرلا يعنيهم بدافع الضعف و الخوف أوالانتهازية. كربلاء حاضرة في فلسطين وعلى امتداد أكثر من ستين عاما يقتل الفلسطينيون و يهجرون من أرضهم؛ تهدم بيوتهم فوق رؤوسهم، وتهتك أعراضهم، والعرب يصلون و يصومون و يحجون وكأن شيئا لم يكن. ولأننا نزن المواقف بالمصلحة والتقدير ولا نزنها بموازين الحق والعدل فستبقى كربلاء حاضرة. ستبقى لعنة خذلان الحسين تطاردنا وتشل حركتنا ما لم نحرر الحسين من مظلمة سجنه التاريخي وما لم يسترد اعتباره في وعينا وثقافتنا.
لن تكون لنا كرامة أبدا و لن نعرف معنى الحرية والحق ما لم يسترجع الحسين مقامه حتى يصبح رمزا للعزة و مثالا أعلي في الوقوف في وجه الظلم والدفاع عن الحق. لن نبني ثقافة للحرية وللعدل ما دمنا نبيع ونشتري بآيات الله ثمنا قليلا ولم نصوب بوصلتنا التي ضاعت وتاهت منذ أن قتلنا الحسين و بلعنا ألسنتنا زورا وبهتانا. وما زلنا متواطئين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.