بالتزامن مع ما خلصت اليه لجنة فينوغراد الاسرائيلية المكلفة بالتحقيق في اخفاقات الحرب التي دارت اكثر من شهرين بين اسرائيل وتنظيم حزب الله اللبناني صيف 2006 من انتقادات وصفت بانها قاسية وغير مسبوقة لاداء الجيش، حذر عدد من كبار ضباط الاحتياط في الجيش الاسرائيلي من حرب صاروخية مقبلة مطالبين باتخاذ كافة التدابير واعداد الوسائل الجديدة والناجعة لحماية الاسرائيليين من احتمال التعرض لقصف صاروخي في حال اندلاع نزاع عسكري جديد في المنطقة مؤكدين في ذات السياق ان مثل تلك الحرب ستشهد استخداما مكثفا للاسلحة الباليستية وهو ما من شأنه ان يطال كل المدن الاسرائيلية. وبغض النظر عن الجدل السياسي والاعلامي والتأويلات المتعددة للنتائج التي انتهت اليها لجنة فينوغراد في تقريرها عن الحرب الاخيرة على لبنان والقراءات المختلفة لمثل تلك التحذيرات من حرب صاروخية مقبلة في اشارة الى قلق الدولة العبرية من تنامي قدرات ايران النووية والصاروخية وهي التي تتهمها في كل مرة بتزويد «حزب الله» بالسلاح والعتاد وهو ما كان سببا في فشل الجيش الاسرائيلي في تحجيم قدراته وشل قدرته الصاروخية التي امطر بها شمال اسرائيل (حوالي 4 الاف صاروخ) مما ارغم اكثر من مليون نسمة على الاختباء في الملاجئ او اللجوء جنوبا.. فان القيادة اللبنانية اعتبرته يهيئ الساحة لصراع جديد محتمل في المنطقة انطلاقا من جملة الاستخلاصات التي انتهى اليها والتوصيات التي اكد عليها لمنع تكرار ما سمته بالثغرات الخطيرة والفشل الذريع في قراءة الواقع باعتبار أن الحرب الاخيرة لم تحقق حتى اهدافها المعلنة في تحرير الجنديين اللذين اسرهما «حزب الله» والقضاء على الحزب وقدراته التسليحية وهو ما يعني ان الدولة العبرية قد بدأت فعلا في تهيئة الساحة لعدوان جديد في المنطقة بدعوى محاربة «الارهاب» او العناصر التي تشكل خطرا على «أمن» اسرائيل وهي في الواقع لا تعدو ان تكون سوى مبررات واهية لان من يقاوم الاحتلال لا يمكن ان يكون ارهابيا وانما الارهابي هو من يحتل الجولان ومزارع شبعا الى جانب عدوانه اليومي على الشعب الفلسطيني والحصار المفروض على غزة والضفة بتعلة الحفاظ على امن اسرائيل الذي تتهدده العناصر «الارهابية». في الحقيقة ان النتائج التي انتهت اليها لجنة فينوغراد وتحذيرات الجيش الاسرائيلي من حرب صاروخية مقبلة يدخل في اطار فبركة اجواء ساخنة في المنطقة وهو عبارة عن اطلاق بالونات للاختبار ولقياس الافعال وردود الافعال الممكنة كي تستطيع تل ابيب ايجاد المبررات الكافية لتضليل الرأي العام العالمي والظهور بمظهر الضحية التي يحق لها حماية نفسها من الاخطار الخارجية وهو ما يبدو غريبا ومخالفا للواقع لان من يشن العدوان ويغتصب الارض ليس لبنان وليست سوريا او الفلسطينيين. ان مثل تلك التحذيرات من حرب صاروخية مقبلة وان لم تشر بصراحة الى «حزب الله» او ايران التي تمتلك ترسانة من الصواريخ بعيدة المدى والقادرة على ضرب اهداف في اسرائيل فانها تعد استمرارا في النهج التحريضي لساسة تل ابيب على ضرب ايران وتحجيم قدراتها النووية وكذلك الزج بلبنان في اتون الحرب الاهلية المستفيد الاكبر منها هو اسرائيل وذلك في ظل عدم توازن القوى في المنطقة واستمرار الدعم الأمريكي للتفوق الاسرائيلي لتكون الشرطي الذي يتحكم في فضاء ما سمي ب«الشرق الاوسط الكبير او الجديد» او لنقل بلغة سمير امين دولة المركز ودول الاطراف التي تعيش على هامش التاريخ. في الواقع ان الهوس الامني الاسرائيلي بما في ذلك المائي والغذائي هو مصدر النزاعات العسكرية وكل الحروب القائمة والقادمة في المنطقة ولربما يأتي يوم تعاود فيه الدولة العبرية حربها على مصر لاقتسام مياه النيل او السيطرة على منابعه وهي التي «تعلمنا» يوميا ان المعاهدات وكل الاتفاقات لا تعني شيئا امام عقليتها التوسعية ومنطقها الاستعماري الجديد الذي لا يعطي اية اهمية للمواثيق الدولية ولا للجهود المبذولة في سبيل ارساء سلام عادل يحقن الدماء ويعيد لدول الطوق لسيادتها على اراضيها ويحقق الشعب الفلسطيني حلم دولته مستقلة ذات السيادة وعاصمتها القدس.