تقرير «فينوغراد» ليس موجها للعرب، رغم اقراره بالكثير من الاخطاء الاسرائيلية الكبرى في الحرب التي خاضتها مع تنظيم «حزب الله» في شهر جويلية 2006، فاللجنة لم تكن معنية بمحاكمة القرار السياسي للحرب رغم حجم المفاجآت والخسائر التي منيت بها طالما ان الحرب بالنسبة لاسرائيل مكون اساسي من فكرة الوجود، لذا فان التقرير يحاكم العجز الاسرائيلي عما يسميه «القدرة على الردع» ويقول ببساطة للمسؤولين هناك رغم كل التبريرات انهم لم يكونوا على المستوى الكافي من الاستعداد وعلى المستوى الكافي من الحزم والشدة! اذن الوظيفة المركزية للتقرير، هي التحقيق في اسباب الفشل الاسرائيلي في حرب جويلية 2006، لتترتب عن ذلك نتائج ومسؤوليات تتعلق باستعادة اسرائيل قدرتها على شن حرب جديدة وربحها بعد «الفشل» الذي مني به الجيش الاقوى في منطقة الشرق الاوسط على يد تنظيم شبه عسكري يضم بضعة آلاف من المقاتلين وبعد ان سقطت أداة الردع الاسرائيلية التي تشكل تعلة وجود اسرائيل وضمانة بقائها واستمرارها وبدلت الحرب قواعد اللعبة في اتجاه معاكس لتطال داخل اسرائيل التي لم تكن جاهزة لنقل الحرب خارج حدودها كما تعودت خلال حروبها مع العرب. التقرير لم يناقش طبيعة ومشروعية واسباب الحرب لا من زاويتها الاخلاقية ولا القانونية ولا السياسية بقدر ما تطرق الى نتائج الحرب على «هيبة اسرائيل الردعية» وعجزها عن تحقيق اهدافها في تدمير قدرات تنظيم «حزب الله» ومدى خطورة الموقف، وارتداد النتيجة المتعلقة بطموح «تغيير قواعد اللعبة»، لكن الأهم من ذلك انه لم يناقش جديا الاهداف السياسية من وراء تلك الحرب وما هو «المشروع» الذي سقط بالمعنى السياسي؟ لقد اغفل العرب الدلالات البعيدة والجدية للحرب ومنها تقويض مقومات الدولة اللبنانية، وما يعيشه لبنان من فوضى امنية وسياسية خير دليل على ذلك، باعتباره «آلام مخاض ولادة شرق أوسط جديد» وتداعيات ما بعد القرار 1559 وحرب صيف 2006 التي انساق الفرقاء اللبنانيون في استثمار نتائجها الى ابعد الحدود. ماذا كانت النتائج ومحاولات الاستثمار السياسي لتلك الحرب في صورة عدم فشل اسرائيل فيها؟ أليست النتيجة الحتمية هي تفجير المنطقة بأسرها وزرع الفوضى؟! وبذلك يمكن القول ان الفشل الاسرائيلي هو فشل النتائج السياسية لمشروع قديم متجدد بزخم الدعم الامريكي لاعادة النظر في مكونات الشرق الاوسط الجديد الذي تسعى الولاياتالمتحدةالامريكية لايجاده في اطار صيغ تعمل من خلالها على ضرب قوى الممانعة ايران وسوريا وحلفائها في لبنان وغزة، خاصة ان المشروع الاسرائيلي الامريكي لم ينته بعد وهو يعمل على «اقتلاع» كل ما يهدد الامن الاسرائيلي تحت اسماء ومسميات متعددة، والنتيجة واحدة.