بين السعي للحفاظ على السلم الاجتماعي ومراعاة ضعاف الحال والفئات المهمشة من ناحية... والالتزام بالتوازنات المالية للدولة وإعادة النظر في طرق معالجة الملفات الحساسة لما لها من تأثير على الموارد العامة من ناحية أخرى.. لم يجد حسين الديماسي بدا من الاستقالة. في هذا الظرف الاقتصادي المتسم بقدر كبير من الصعوبة بسبب عوامل داخلية وخارجية، ينتظر تفعيل قانون العفو التشريعي العام والذي يشمل آلاف المواطنين الذين عانوا الأمرّين طوال العقود الماضية وهذا حق ولكن وزير المالية المستقيل يرى امكانية تأجيله لبعض الوقت. في هذا الظرف كذلك، تتواصل المفاوضات الاجتماعية حول الأجور في القطاعين العام والخاص وتم بعدُ الحسم في بعض الملفات.. وهذا أمر قد تترتب عنه تضحيات اضافية لتوفير الموارد المالية الضرورية... على مستوى ثالث هناك آلاف عملة الحضائر في مختلف المدن والقرى يطالبون بمستحقاتهم، والحال أن عددهم خلال هذه السنة قد بلغ مائة ألف وهو حق لمواطنين طال تهميشهم، ولكن مقابل ذلك فإن تكلفة هذا «النشاط» تبلغ 150 مليون دينار من موارد الدولة. من الأسباب الأخرى لصعوبة الظرف الاقتصادي اليوم نفقات صندوق الدعم في مجال المحروقات والمواد الغذائية الأساسية، وهي نفقات مرشحة للتصاعد بحكم ارتباط تونس اقتصاديا بالأسواق العالمية. مجمل هذه الحقائق الاجتماعية ذات الخلفية الاقتصادية لم تترك أكثر من خيار أمام وزير مهمته الأولى هي حسن التدبير والتصرف في ميزانية محددة ومضبوطة، ولو كان ذلك على حساب سياسة اجتماعية معينة تأخذ بيد الضعفاء وتسعى الى إعادة الاعتبار لمن عانوا من سياسة التهجير والمنافي والسجون.. وتخفف من مضاعفات البطالة ولو باللجوء الى حلول ترقيعية وظرفية. ومقابل ذلك فإن الحكومة وهي في مرحلة انتقالية ترى أنه من الضروري التخفيف قدر الامكان من حدة الوضع الاقتصادي وتأثيره على المواطن، ومن ذلك تحصين القدرة الشرائية.. وتوفير موطن شغل ولو كان العمل في حضائر لآلاف المعطلين عن العمل، والإبقاء على نفقات صندوق التعويض.. وبين حقائق الاقتصاد.. ومتطلبات السياسة الاجتماعية لمجتمع يعيش تحديات جمّة، هل يمكن القول أن مبررات الديماسي عند تقديم استقالته مبالغ فيها.. أم أن الأمر يتعلق حسب بعض المتتبعين بسعي الحكومة الى كسب ود الشعب وإرضاء مختلف الفئات الاجتماعية بهدف ضمان أصواتها في انتخابات الربيع القادم؟..