لم تختلف زيارة غونداليزا رايس وزيرة الخارجية الامريكية الى العراق عن سابقاتها هذه المرة ففي ظل الخوف المستمر وانعدام اسباب السلامة "للضيفة "الامريكية كان لا بد لهذه الزيارة ان تتم في كنف السرية المطلقة والتعتيم الكامل وهو ما يفسر تسلل المسؤولة الامريكية التي قطعت فجاة زيارتها مع الرئيس بوش الى الرياض لتحل لبعض ساعات بالمنطقة الخضراء بالعاصمة العراقية بغداد وتجري سلسلة من اللقاءات العاجلة مع كل من رئيس الحكومة العراقية نوري المالكي ووزير خارجيته هوشيار زيباري قبل ان تظهر مجددا في ندوة صحفية مع نظيرها السعودي... واذا كان العنوان المعلن لهذه الزيارة قد ارتبط ظاهريا بصدور قانون العدالة والمحاسبة الذي اقره البرلمان العراقي بعد الغاء قانون اجتثاث البعث الذي كان الجنرال بريمر اقره اثر اجتياح العراق فان موضوع الزيارة كان يهدف الى منع انهيار العملية السياسية الهشة وانقاذ حكومة المالكي ووضع حد للخلافات المتفاقمة بين كردستان وبغداد بشان قانون النفط بما يجنب الادارة الامريكية المزيد من التحديات في مثل هذه المرحلة. طبعا لم تتخلف رايس عن الاشادة والثناء على قانون المحاسبة والعدالة الذي اعتبرته خطوة مهمة باتجاه المصالحة الوطنية واعادة بناء العراق... والحقيقة انه رغم كل ما يمكن ان يكتسيه هذا القانون من اهمية في تحديد مستقبل العراق فانه يبقى في ظل المشهد الراهن ابعد ما يكون عن سفينة السلام التي ستحمل الشعب العراقي الى شاطئ الامان او تضع حدا لمحنته المستمرة مع تجربة الاحتلال في ذكراه الخامسة. فليس سرا بالمرة ان هذا القانون وهو احد الشروط الثمانية عشر التي وضعتها الادارة الامريكية لاحلال المصالحة قد تاخر خمس سنوات كاملة وبعد ان ادرك البرلمان الحاجة الى استبدال وإلغاء قانون اجتثاث البعث الى جانب حل الجيش العراقي الذي شكل وباجماع متاخر للقيادة العسكرية الامريكية كارثة لا حد لها بعد الاحتلال حيث تم استبعاد الالاف من الموظفين في مختلف القطاعات الذين وجدوا انفسهم بين عشية وضحاها يحالون على البطالة ويواجهون الخصاصة والفقر وعدم الاستقرار والتهميش وهو ما دفع الكثير من هؤلاء الى الانضمام الى صفوف المجموعات المسلحة... لا احد اليوم بامكانه ان يقلل او يستهين بحاجة العراقيين الى المصالحة وتحقيق العدالة المسلوبة لاجيال متعاقبة عانت طويلا من الحرمان والظلم والحصار والحروب التي دفع الشعب العراقي ثمنها غاليا.. وتبعا لذلك فان أي مشروع للمصالحة لا يمكن ان يسقط على العراقيين او ان ياتي من خارج العراق. ان هذا القانون عودة بشكل او بآخر لمقترحات تقرير بيكر هاملتون التي كانت الادارة الامريكية رفضتها في حينها فان فيه ايضا محاولة مكشوفة لرفع المسؤولية عن الاحتلال وتمهيد الطريق امامه لتفادي المساءلة او المحاسبة بما يمكن ان يساعد على الانسحاب وحفظ ما بقي من ماء الوجه عندما يحين الموعد لذلك... بدون عدالة لا يمكن ان يكون للمساءلة وللمصالحة معنى...