بقلم: طه النجار احتفلت تونس بعيد الاستقلال للمرة الثانية بعد الثورة المباركة, ليس هذا مجال الجدل حول ماهية هذه الذكرى وحقيقة هذا الاستقلال أكان تاما وشاملا أم شكليا في نطاق استراتيجية جديدة للبلدان المستعمرة لتحويل الاستعمار المباشر إلى تبعية اقتصادية وثقافية. كما أن النقاش قد يطول حول مساهمة مختلف الأطراف من يوسفيين، بورقيبيين، زيتونيين، وغيرهم في تحقيق الاستقلال وخروج المستعمر. ستبقى هذه المواضيع وغيرها ولأمد طويل موضوعا يتداوله المؤرخون ويتناقش حوله السياسيون. إلا انه لا يختلف اثنان في أن الاستقلال لا يزال منقوصا ولم تكتمل شروطه واستحقاقاته بعد، ويأمل التونسيون أن تكون ثورة الكرامة مناسبة لاستكمال تحقيق هذه الاستحقاقات. إن الاحتفال بهذه الذكرى لا ينبغي أن يبقى كما هو الشأن منذ خمسين سنة محدودا في تنظيم احتفالات رسمية وإلقاء الخطب التذكارية والتنويه بما قام به أجدادنا وما قدموه من تضحيات حتى يسترجع الشعب مقاليد الحكم، بل ينبغي أن تصبح مناسبة لاستخلاص العبر والتفكير في الاستراتيجية المستقبلية لتحقيق الغايات الحقيقية للاستقلال في ظل ثورة الكرامة والحرية. المتمعن في الوضع الحالي لتونس والتجاذبات بين مختلف الأطراف حول فصول الدستور وحول طريقة تسيير هذه الرحلة الانتقالية لا يمكنه إلا أن يستنتج أن الطريق لا تزال طويلة، وأن تحقيق أهداف الثورة يبقى هدفا صعب المنال لاعتبارات عدة. أول ما يمكن أن نقوله في هذا المجال هو أن تسيير هذه المرحلة يتطلب توحيد الجهود حول عدد من الأهداف يتفق حولها اغلب التونسيين وان تكون المجموعة الحاكمة خلال هذه الفترة الانتقالية الثانية متفقة على المنهجية التي سيتم إتباعها، وأن يكون تطبيقها على ارض الواقع منسجما اعتمادا على الشرعية الانتخابية مع تحقيق اكبر قدر من التوافق بين مختلف الأطراف السياسية. وان كان التفكير في الاستحقاقات الانتخابية القادمة وعمل كل طرف على تحسين نتائجه مشروعا، إلا أن ذلك لا يجب أن يؤثر في عمل الحكومة وتسيير الفترة الانتقالية وان لا يكون التنافس سيد الموقف وإلا كان الفشل هو النتيجة الحتمية لمثل هذا التصرف. كما أن الشفافية والوضوح في طريقة عمل الحكومة وبيان مدى مساهمة كل طرف في تسيير دواليب الدولة ضروري حتى تتضح مسؤولية مختلف المتدخلين في اتخاذ القرار. ودون الدخول في التفاصيل التي لم تعد تخفى على احد، فإن تواجد عدة أقطاب في اتخاذ القرار سواء في ما يخص الاختيارات الكبرى للحكومة أو السياسات القطاعية والتعيينات في المراكز الحساسة لمختلف الوزارات والهياكل العمومية هو حقيقة لا جدال فيها. وهذا التداخل تهدف منه بعض الأطراف المتدخلة إلى وضع الأشواك في طريق الائتلاف الحاكم وعرقلة مسار الثورة مع الحفاظ على بعض المواقع والامتيازات وهو ما يتجلى في تواصل منظومة الفساد على مختلف المستويات، والعجز عن اتخاذ قرارات تمكن من تطهير الإدارة والقضاء. ولم تكتف هذه الأطراف في بعض الأحيان بالحفاظ على المواقع بل تعدت ذلك إلى مزيد تركيز وجودها وتموقعها وتفعيل شبكات تواصلها وتعاونها. من تأثيرات هذه الوضعية هو عدم تمكن الائتلاف الثلاثي داخل الحكومة من القيام بإنجازات واضحة لتحقيق البرامج التي تم الإعلان عنها وحل المشاكل المستعصية على غرار ما تشهده عديد القطاعات في المدة الأخيرة من مشاكل تفاقمت دون أن تجد لها الهياكل الإدارية الحلول المناسبة، ونذكر على سبيل الذكر لا الحصر قطاع المناجم والمجمع الكيميائي، التعليم العالي، النقل الحديدي، مشكلة مياه الري والصيد البحري، السياحة، الاستثمار الداخلي والخارجي، الديوانة، الأمن والعدالة الإنتقالية،...الخ. أن تواصل هذه الوضعية يمثل خطرا على تحقيق أهداف الثورة واستكمال استحقاقات الاستقلال الذي استشهد في سبيله عدد كبير من التونسيين وضحى من اجله آباؤنا وأجدادنا. لقد آن الأوان لان تحدث استفاقة جماعية لإرجاع الأمور إلى نصابها ويلتزم كل طرف بالسلطة التي سيحددها وينظمها دستور البلاد دون تجاوز أو تعد على مشمولات الطرف الأخر. الخطر هو أن تبقى الوضعية على ما هي عليه، وان يعتمد البعض على عامل الوقت لتعميق هذا الوضع أو محاولة التقليص من انجازات الثورة وأهدافها وبالتالي الرجوع ولو جزئيا إلى المرحلة السابقة. على الائتلاف الحاكم أن يتحلى بالشجاعة والمسؤولية للتقدم في اتجاه تحقيق ما كلفه به الشعب دون مساومة أو اعتبار لمصالح ضيقة لأن عدم الالتزام بأهداف الثورة سيعود سلبا على الجميع وأولهم الأطراف السياسية التي لم تحقق ما اُتمنها عليه شباب الثورة. كما انه ينبغي على الجميع وخاصة النخبة وكل مكونات المجتمع المدني مواصلة اليقظة والوقوف أمام كل المؤامرات التي تهدف إلى عرقلة المسار ومحاولة الحد من تطلعات الثورة.