تونس الصباح: لئن تراجعت مظاهر الاحتفالات بالسنة الهجرية الجديدة في المدن الكبرى بتونس.. فإن هذه المظاهر الاحتفالية مازالت تعانق سكان المناطق الريفية والقرى في كامل انحاء البلاد.. وتأخذ طابعا تطغى عليه الفرحة، وتمارس فيه جملة من العادات والتقاليد المترسخة في الذاكرة والمتوارثة على مر السنوات. وتدخل هذه العادات التي مازالت قائمة في الحياة الاجتماعية والاقتصادية وحتى الثقافية بشتى الاشكال، لتمارس حتى مع الاطفال في العابهم البسيطة التقليدية التي تناقلوها عن الذين يسبقونهم سنا وممارسة لجملة هذه العادات. ولعل هذا التناقل والمعانقة لهذه العادات والتقاليد يعكس بعدا ثقافيا عاشت على قاعدته اجيال متعاقبة وتناقلته من بعضها البعض تمسكا بإرث ثقافي تأصل في المجتمع، ومثل في الواقع حنينا لنسيج من العادات دأب عليها الاوائل وتأثر بها الاسلاف لتتحول الى حد ايامنا هذه الى طقوس دينية واجتماعية مثلت تكريسا للتباهي بالتاريخ الذي يوحد بين المسلمين في عادات سمحة. فما هي مظاهر الاحتفال برأس السنة الهجرية التي مازالت قائمة في تونس؟ وماذا عن ابعادها الحقيقية ؟ وكيف نفسر بعضها؟ ثم ماذا عن مظاهرها في بعض البلدان العربية؟ بداية عام جديد ان المتابع للاحتفال برأس السنة الهجرية، وبما يمارس فيها من عادات وتقاليد، وتبرك بها يدرك ان مظاهر الاحتفال بهذا اليوم تعكس حقيقة وواقع التونسي وتطلعاته لغد افضل، ولسنة أكثر خيرات ويغلب عليها طابع التمني بسنة فلاحية خصبة. ففي المناطق الريفية من بلادنا تجمع الاحتفالات برأس العام بين طقوس مختلفة، وعادات متنوعة صلب حياة الريفي او القروي الذي تتنزل حياته بين انواع الانتاج الفلاحي، وتربية الماشية . وبناء على هذا الاطار الذي يعيش فيه فان فرحته برأس السنة تبقى متصلة بحسن اطاره المعيشي، فتراه يمني النفس بنزول الامطار، وتطلع الى السماء لمتابعة ظهور السحب، ويقلب النظر في خصوبة الاراضي ونمو الزرع، وتطور المراعي التي تعيش منها ماشيته. ويعيش طوال هذا اليوم على امل كبير في تحسن المناخ ونزول الغيث. ويشار الى ان من بين العادات والتقاليد التي يقيم بها الريفي في تونس استهلال السنة الجديدة ومدى خصوبة موارده الفلاحية خلالها هو مراقبته لغروب الشمس وهل غرقت في بحر من السحب، لان في ذلك دلالة على نجاح الموسم الفلاحي، كما يتطلع ليلا الى النجوم والسماء ويتحسس ظهورها او غيابها وراء السحب، وفي ذلك ايضا اما تطير او تطلع لسنة خير وبركة كلما كانت السماء مغشاة بالسحب. ويقال ايضا ان تقديرات قيمة العام الجديد تقاس لدى بعض اهل الريف بظهور بعض النباتات ونموها، وهو شكل آخر يتطلع به الريفي " لصدق الصابة والعام". وقد تتكاثر مظاهرالاستبشار برأس السنة وتتعدد التجارب لدى قاطني الريف من جهة الى اخرى، حيث يشار الى ان سكان المناطق القريبة من البحر لهم عادات اخرى في علاقة بهدوء البحر من تموجاته. فكلما كان البحر هادءا ليلة رأس السنة كانت الامال اكبر في سنة خصبة. مظاهر الفرحة بالعام الهجري الجديد والعادات والتقاليد لئن اصبح الاول من السنة الهجرية الجديدة داخل المدن التونسية يتميز بيوم راحة على اعتبار انه يدخل في روزنامة الاعياد التونسية وتتعطل بذلك جملة الانشطة في الادارات على وجه الخصوص، فان طابع الاسترخاء في بقية المجالات والنشاطات يكون ايضا واضحا وينعكس على الاسواق والمتاجر وغيرها من مجالات الحياة على اختلاف النشاطات اليومية المعهودة. لكن مقابل هذا فان للمناطق الريفية وسكانها في هذا اليوم صورا وحركية اخرى متعددة ومتنوعة. فالحياة والنشاطات تحافظ على نسقها العادي، حيث تنطلق الحركية منذ الصباح، ولا تعرف الانشطة توقفا الا في حدود ما بعد الزوال، وتحصل تجمعات لذبح الخرفان تبركا بالسنة الجديدة، وتعمد النسوة الى طبخ الكسكسي بالقديد، او العصيدة الحارة بالبيض. اما القرويون والبعض من سكان المدن فان طبقهم الشهي والمعتاد خلال هذا اليوم فيكون الملوخية تبركا بسنة خصبة خضراء. ومن عادات اطفال الريف التي يتجاوب معها سكان هذه المناطق من النساء على وجه الخصوص، هي جولتهم بين السكان لجمع البيض. وبعد هذه الجولة التي يسلم فيها البيض بسخاء، يتجمع الاطفال حول نار موقدة وينطلقون في شواء البيض، وكعادتهم وبناء على ما توارثوه من تقاليد فان فرقعة كل بيضة جراء حرارة تلك النار تعني لهم صوت الرعد والامطار المنتظرة خلال العام الجديد. ان هذه الصورة على بساطتها، تعني الكثير، وتكشف ايضا عن مخزون من العادات والتقاليد التي تم توارثها في المجتمع جيلا بعد جيل، وهي تنم ايضا على تعلق الريفي بمحيطه، وآماله العريضة الدائمة، وتطلعاته للمستقبل وتشبثه بالارض، وبجملة من القيم. مظاهر الفرحة بقدوم السنة الهجرية في مصر افادنا احد المصريين المقيمين في تونس، ان الاحتفلات في مصر براس السنة الهجرية تمثل حدثا هاما في حياة المواطن المصري، واكد انه علاوة على انواع الاطباق الشهية التي تعد خلال هذا اليوم والتي على عكس تونس تغلب عليها الحلويات والسكريات املا في ان تكون السنة حلوة وعسلية، فان ظاهرة ارتداء الملابس الجديدة والاعتناء بالهندام تبقى المظهر البارز في هذه الاحتفالات. فمع الساعات الاولى من النهار يخرج الاطفال، وهم يرفلون في حللهم الجديدة، وترتدي النسوة وخاصة منهن الريفيات اجمل " الجلبيات" ، وتوقد في المناطق الريفية وخاصة قرب مجاري النيل النيران ليشاهد لهيبها عن بعد. وفي جانب آخر من هذه الاحتفالات برأس السنة الهجرية يتجمع الكبار والصغار داخل الساحات العمومية حول مظاهر الالعاب التي يهب اصحابها من كل حدب وصوب. كما تمارس العادات في الصلاة والتجمعات داخل المساجد، ويكون حضور الناس بها اهم وسط فرحة وشعور ببشرى السنة الهجرية الجديدة.