كثيرون هم أولئك الذين باتوا هذه الأيام يشعرون بالتشاؤم حيال مستقبل الأوضاع في بلادنا في ظل التراجع الكبير المسجل على أكثر من صعيد وفي مجالات عدة مع عودة الاعتصامات الاحتجاجية في أكثر من مكان والاضطرابات التي مست حتى الجامعات والكليات في انتهاك واضح للقوانين، وهي تطورات لا شك في أنها لم تكن عفوية ومن المؤكد أن هناك أطرافا محلية مصلحتها تتناقض مع هدف استعادة الأمن والاستقرار تقف وراء تحريك بعضها، لكنها أيضا لا تعفي السلطات - ونعني بذلك الحكومة الحالية التي شكلها تحالف الترويكا (النهضة والمؤتمر والتكتل) - من المسؤولية عن جزء كبير منها. نقول هذا باعتبار أن ما قامت به هذه الحكومة إلى حد الآن لم يرق بعد إلى مستوى انتظارات الأغلبية الساحقة لهذا الشعب الذي انتخبها على أساس برنامج انتخابي بدا في حينه هو الأفضل طرحا والأقرب إلى التجسيم على أرض الواقع لكنه يفاجأ اليوم باستمرار تراكم المشكلات القائمة دون أن يلمس تحركات بالسرعة المطلوبة باتجاه معالجتها أو إيجاد بداية حلول واقعية لها. قد يرد البعض بأن السيد حمادي الجبالي وأعضاء حكومته لا يملكون عصا سحرية لتغيير أوضاع سلبية متراكمة هي نتاج عقود من الحكم السلطوي الاستبدادي الدكتاتوري والفاسد في فترة وجيزة، وهذا صحيح، لكن لا يمكن مع ذلك إنكار أن الكثير من الجهود التي كان من المفروض أن تبذل في سبيل إعادة بسط سلطة الدولة وسلطة القانون والشروع في إصلاحات حقيقية قد ذهبت سدى بسبب التركيز على مسائل الحكم وتوزيع المسؤوليات والحقائب الوزارية، الأمر الذي شكل عاملا مُهمّا استغلته بعض الأطراف أسوأ استغلال لفرض مفاهيمها المغلوطة للحرية والديموقراطية وحقوق الانسان. لقد كان الاستقرار والأمن على الدوام - وسيظلان - مرادفين للتنمية، إذ يستحيل دونهما دفع عجلة الاقتصاد أو القيام بأية إصلاحات سواء كانت اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية أو ثقافية أو غيرها، ولهذا لا بد من الاسراع بإعطائهما الأولوية القصوى في عمل الحكومة الأولى التي تنبثق من الانتخابات وبالتالي تملك سلطة شرعية لا غبار عليها. وإن ما صرح به أمس وزير الشؤون الاجتماعية من وجود قنوات اتصال ومشاورات بين اتحاد الشغل والحكومة لتقييم الوضع الحالي وتدارس الحلول الآنية الممكنة يمكن ان يعتبر مؤشرا ايجابيا جدا في الاتجاه السليم للعثور على مخرج يقي البلاد من الهزات ويحصنها من أخطار خروج الوضع عن السيطرة مع ما يحمله من تهديد بالعودة الى الوراء وضياع مكتسبات الثورة الهشة سيدعم مقولة مغرضة تدعي ان المجتمعات العربية الاسلامية غير اهل للحرية والديمقراطية.