قال الأستاذ توفيق بودربالة رئيس اللجنة الوطنية لتقصي الحقائق حول التجاوزات والانتهاكات المسجلة بتونس منذ 17 ديسمبر الماضي, ان اللجنة ستهتم خلال الفترة القادمة بالانتهاكات الجسدية وبقضايا التعذيب التي حدثت بعد 14 جانفي، وستستأنس في ذلك بالجمعية التونسية لمناهضة التعذيب التي تترأسها الأستاذة راضية النصراوي... وتحدث بودربالة خلال منتدى الثورة المنعقد أمس بمؤسسة التميمي للبحث العلمي والمعلومات عن حصيلة أعمال اللجنة والزيارات الميدانية التي قامت بها لتقصي الحقائق. واعتبر اصدار "المرسوم عدد 97 لسنة 2011 المؤرخ في 24 أكتوبر 2011 المتعلق بالتعويض لشهداء ثورة 14 جانفي ومصابيها" على تلك الشاكلة فيه "خور كبير"، فهو لا يجد تفسيرا لتكليف لجنة شهداء الثورة صلب الهيئة العليا لحقوق الانسان والحريات الأساسية بإعداد القائمة النهائية لشهداء الثورة ومصابيها على أن تضبط هذه القائمة النهائية على ضوء التقرير النهائي للجنة الوطنية لاستقصاء الحقائق في التجاوزات المسجلة خلال الفترة الممتدة من 17 ديسمبر 2010 إلى حين زوال موجبها، والمحدثة بمقتضى المرسوم عدد 8 لسنة 2011 المؤرخ في 18 فيفري 2011.. واعتبر أنه من غير المنطقي ان تعمل لجنة صلب لجنة أخرى كما لا يفهم لماذا تم اختيار تاريخ 19 فيفري بالذات وليس تاريخا آخر عندما نص المرسوم على انه يقصد بشهداء الثورة ومصابيها الأشخاص الذين خاطروا بحياتهم من أجل تحقيق الثورة ونجاحها واستشهدوا أو أصيبوا بسقوط بدني من جراء ذلك ابتداء من 17 ديسمبر 2010 إلى 19 فيفري 2011. وللتذكير تتركب لجنة شهداء الثورة التي يترأسها السيد نور الدين حشاد رئيس الهيئة العليا لحقوق الانسان والحريات الأساسية نجل الشهيد فرحات حشاد، من رئيس وثمانية أعضاء يمثلون تباعا الوزارة الأولى عضو واحد ووزارة الدفاع الوطني عضو واحد ووزارة الداخلية عضو واحد ووزارة الشؤون الاجتماعية عضوان ووزارة المالية عضو واحد وممثل عن وزارة الصحة العمومية عضو واحد وممثل عن الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان عضو واحد..
تسرّع
وأكد الأستاذ بودربالة أن الحكومة أخطأت أيضا عندما اسرعت في توزيع الأموال على أهالي المتوفين وعلى الجرحى وكان الأجدر تمكينهم من موارد رزق قارة.. كما يرى أنه ليس من المعقول منح التعويضات لجميع المتوفين قبل التثبت في ملابسات وفاتهم. وفي هذا الصدد كشف رئيس لجنة تقصي الحقائق ان اللجنة أحصت 264 وفيات لكن يوجد من بين هؤلاء من توفي لما كان بصدد السطو على متاع الغير أو في وقت حضر الجولان.. وقدّر بودربالة عدد الشهداء من بين هؤلاء القتلى بنحو 240 شهيدا.. لكن اللجنة عندما طلبت من الولاة تمكينها من عدد الأشخاص المتوفين الذين حصلوا على تعويضات مالية أفادوها أن هذا العدد هو في حدود 374 وهذا الرقم بعيد عن الرقم الحقيقي لشهداء الثورة.. وحتى إذا تم احتساب عدد المتوفين بإضافة عدد من توفي في السجون فإن الرقم الذي في حوزة اللجنة هو 310 شخصا.. وبعد التثبت عدة مرات تبينت اللجنة ان عدد المتوفين الذين رفضت عائلاتهم الاتصال باللجنة وتقديم ملفاتهم لها يعدّ على أصابع اليد الواحدة ليس أكثر.. وبين أن الطريقة التي قدمت بها التعويضات المالية لأهالي الشهداء كانت مهينة وكان الأجدر تكليف مسؤول بالتوجه إلى بيوت الشهداء وتقديم التعازي لهم ومنح المال.. وقال إن هذه الطريقة حزت في نفوس الناس واستمع إلى كثير من اللوم الموجه إلى أعضاء الحكومة لأنهم لم يتصلوا بهم ولم يقدموا التعازي. وبدا من شهادة الأستاذ بودربالة على منبر الذاكرة الوطنية انه كان في اعتقاده أن اللجنة التي يترأسها هي التي ستنظر في التعويضات لأنها هي التي تابعت الملف منذ البداية.. كما أنها هي التي اقترحت على الحكومة قبل صدور المرسوم تصورا لكيفية التعويض ورد الاعتبار للضحايا وعائلاتهم وتوفير عناصر المصالحة الفعلية وتوفير ضمانات عدم تكرار الانتهاكات التي حدثت وهي مهمة لا يمكن ان تتكفل بها الا لجنة للحقيقة والمصالحة ولا يمكن أن تتم إلا في إطار استشارة وطنية واسعة.. ولدى استعراضه حصيلة أعمال اللجنة بيّن أنها تلقّت ودرست نحو 2386 ملفا تتوزع بين الأموات والجرحى إلى جانب أحداث التخريب..
زيارات ميدانية
وأضاف:" اجرت اللجنة 72 زيارة ميدانية للولايات واستمعت الى شهادات اهالي الشهداء وإلى جرحى الثورة وغيرهم ونظرا لأن أعمالها سرية، لم يكن بالإمكان تقديم جميع التفاصيل للرأي العام.. كما زرنا جميع السجون واستمعنا الى مديري السجون وبعض الموقوفين كما استمعنا إلى العديد من أفراد عائلات رجال الأمن الموقوفين وسنستمع خلال الفترة القادمة إلى شهادات أعوان الأمن العاديين الذين كانوا ساعات قتل الشهداء يشتغلون تحت امرة المسؤولين الأمنيين الموقوفين". وأكد ان نية القتل كانت موجودة وأن عديد حالات القتل تمت بسبق الاضمار والترصد وبدا واضحا أن الهدف من التعزيزات الأمنية الكبيرة التي تمت بالقصرين وسيدي بوزيد كان إخماد الثورة.. ففي القصرين فقط تم تعزيز الأمن بنحو 1300 عون كان جميعهم مسلّحين. ولدى حديثه عن المقابلات التي أجرتها اللجنة بالعوينة قال :"زرنا العوينة منذ شهر جوان الماضي والتقينا علي السرياطي ورفيق بلحاج قاسم وعادل التيويري ورشيد بن عبيد ولطفي الزاوي ويوسف عبد العزيز وجلال بودريقة واحمد الطرهوني وسمير الفرياني ومحمد الزيتوني شرف الدين وعبد الله القلال وعبد الوهاب عبد الله وعبد العزيز بن ضياء ومحمد الغرياني ورضا قريرة كذلك عدد ممن أطلق سراحهم وسنواصل الاستماع إلى كل من نرى ضرورة الاستماع له لكن الحقائق التي توصلنا إليها تبقى نسبية ولا يمكن ان تكون في هذه الحالة حقائق مطلقة". وتأكد للّجنة بعد التقصي ان بن علي أعطى أوامره بالقتل والتنكيل بالمحتجين وانه قال اقتلوا ألف أو ألفين المهم اخماد ما يحصل.. كما أعطى الإذن لقنبلة حي الزهور بالقصرين.. وتأكد لها عدم وجود جهاز قناصة لكن في المقابل تمت العديد من عمليات القتل بعد قنص.. وتحدث بودربالة عن ملابسات تعيينه من قبل الوزير الأول السابق محمد الغنوشي على رأس اللجنة وقال ان عبد الجليل بوراوي اتصل به وابلغه ان كان يرغب في دخول لجنة تتقصى الرشوة والفساد فوافق ثم سأله اقتراح اسماء اخرى فاقترح عليه أسماء أحمد المستيري وعبد المجيد الشرفي وعبد الفتاح عمر.. ولما تم استدعاءه للوزارة الأولى اشترط ان تكون اللجنة مستقلة عن الحكومة تماما فحظي مطلبه بالموافقة ونفى ما تردد حول بعض أعضاء اللجنة من أخبار مفادها تورطهم في فساد وبين انه يكتفي بالقول "من له دليل على ما يقول عليه تقديمه للجنة"..
العدالة الانتقالية
وقدم بودربالة قراءة في مسألة العدالة الانتقالية وقال ان العدالة الانتقالية هي السعي الى بلوغ العدالة الشاملة بعد الانتقال السياسي والتحول الى مجتمع تسوده الديمقراطية اثر حقبة الاستبداد قصد اعادة التوازن في هذا المجتمع. وللغرض يجب على حد تأكيده تحقيق العدالة الجنائية وعدالة جبر الضرر ورد الاعتبار للضحايا والمتضررين إضافة إلى تحقيق العدالة الاجتماعية والعدالة الاقتصادية. وتتمثل مناهج العدالة الانتقالية في تشكيل لجان تقصي الحقائق التي تعمل على تكوين سجل تاريخي لانتهاكات حقوق الانسان والاستماع الى شهادات الضحايا والمجرمين واحالتها على القضاء وكثيرا ما يتم تشكيل محاكم مختصة تنظر في القضايا لكن في تونس لحسن الحظ لم يحدث هذا الأمر وبعد ذلك يقع تعويض الضحايا عن الاضرار المادية والمعنوية التي المت بهم ثم اقتراح الاصلاحات المؤسساتية اللازمة للوقاية من إمكانية تكرر الانتهاكات على أن يتم بعد ذلك احياء الذكرى واقامة النصب التي تخلد ذكرى الضحايا.